اعتراف: لم أعتقد يومًا أني سأكتب هذا المقال أو أعتنق هذا الرأي.
أحب “يسرية”، لست مغرمة بـ”إبراهيم”، ولكنني بالفعل أحب “يسرية”. لهؤلاء من لا يعلمون عمّن أتحدث، فهما من شخصيات فيلمي المصري المفضل “أحلى الأوقات”. الفيلم الذي تحتوي قصته على ثلاث بنات مصريات، لكل واحدة قصتها ومشكلاتها، ربما كانت “سلمى” هي بطلة الفيلم، ولكن قصة “يسرية” هي دائمًا ما تلفت انتباهي.
أحب علاقة “إبراهيم” و”يسرية”، فهي حميمية بشكل مفضّل بالنسبة لي، رغم أن هذا الأمر قد يكون غير واضح، ولكنها تظل أفضل من علاقة “ضحى” و”طارق”، على الأقل بالنسبة لي، فـ”ضحى” و”طارق” يملكان انجذابًا واضحًا تجاه بعضهما بعض، لا يقدران على إبعاد أيديهما أحدهما عن الآخر، ولكن من الصعب تخيُّل إقامة حوار تفاعلي حقيقي بينهما، فهما لا يستمعان لبعضهما ولا توجد لديهما النيّة الحقيقية للتقدم خطوات أحدهما تجاه الآخر.
ربما لهذا أيضًا أحب ثنائي “مونيكا” و”تشاندلر” من مسلسل ” Friends”. أحبهما حتى أكثر من “روس” و”ريتشل” صاحبَي قصة الحب الأسطورية؛ ما بين “مونيكا” و”تشاندلر” حقيقي للغاية، حقيقي أكثر من علاقة “مونيكا” بـ”ريتشارد”، فرغم أني أحب هذه العلاقة فإنني كنت دائمًا ما أشعر أن “ريتشارد” له سطوة نفسية عليها، بينما في علاقة “مونيكا” مع “تشاندلر” أستطيع أن أراهما يتخبَّطان معًا ويتخذان القرارات معًا، هما على نفس المستوى النفسي وعلى نفس المسافة العاطفية أحدهما من الآخر.
راود “مونيكا” في إحدى الحلقات هاجس أن حياتها مع “تشاندلر” أصبحت رتيبة وروتينية، تخلو من الإثارة وشغف البدايات، أصبحت تطلب من “تشاندلر” أمورًا لا يقوم بها إلا شخصان في بداية علاقتهما العاطفية، تساءلت إن كانت كل التجارب الأولى ذهبت ولن تعود مجددًا وأنها لن تختبر لذة الأمور مرة أخرى، ولكنها في النهاية أدركت أن ما بينهما هو أمر مميز، وهو التطور الطبيعي للعلاقات الطبيعية، وأن للحب أشكالاً أخرى غير الحب الجامح العاصف، حب أكثر هدوءًا ولكنه أكثر ثباتًا.
لمصطلح العِشرة سُمعة سيئة، لأنه دائمًا ما يقال عند إقناع أحدهم بزيجة “صالونات” (وهي طريقة الزواج التي لا أحبذها على الإطلاق)، وأن الحب يأتي بعد الزواج، ولكنه يأتي بشكل آخر ويُسمَّى بالعِشرة. لطالما اعتقدت أن هذا الكلام هو مجرد هراء و”كلام عواجيز” الذي لا يصلح لزمن غير زمانهم، وأن “الست العشرية” هي الزوجة المطيعة التي تنصاع بشكل كامل أمام زوجها.
لكني بدأت أتراجع عن هذه الفكرة مؤخرًا، ربما لأنني شخصيًا في طريقي لأصبح شخصًا عجوزًا، فلقد اتضح لي في النهاية أن العِشرة الحقيقية هي ما تدوم بالفعل، وأنها تحمل بداخلها حبًا، ربما يكون مختلفًا عن الحب الذي نراه في الأفلام، ولكنه حب خاص للغاية لا يحصل عليه كل الناس، ولا يصيب كل اثنين قضيا سنوات طويلة معًا، بل هو نادر الحدوث، مثله مثل العشق والهيام وليالي السهر الطويلة والتحدث في الهاتف لساعات، ومن يحصل عليه في حياته عليه أن يعتبر نفسه محظوظًا.
تسألني صديقة لماذا اختفت حالة الشغف من زواجها! أريد أن أخبرها أن الشغف قد يكون رائعًا في البدايات، ولكني أرى الحياة بشغف دائم مثل الجري بلهاث طوال الوقت دون توقف، قد تكون جيدة لفترة من الوقت، ولكنها متعبة وغير مريحة. وعلى العكس منها فإن في العِشرة اطمئنانًا وراحة، وهذا لا يعني الخمول في العلاقة وعدم العمل على تحسينها باستمرار، بل يعني الهدوء والقدرة على التوقف لالتقاط النفس في سباق الحياة اليومي.
يحكي روبرت سترينبرج عن ثالوث الحب الكامل، وهو الذي يتضمن كل أضلاع المثلث كاملة، الحميمية والعشق والالتزام، هذا ما رأيته في علاقة “يسرية” و”إبراهيم”، علاقة ربما يراها البعض تقليدية، بل وسيئة أيضًا، ولكني أحبها وأرى فيها علاقة كاملة قابلة للتطور، تحمل الأضلاع الثلاثة للحب الكامل، فكلاهما ملتزم تجاه الآخر، كلاهما يشعر بالحميمية والأريحية في الكلام مع الآخر (مشهد “يسرية” وهي تزيل شعيرات أذن “إبراهيم” وتناقش معه مشكلة “سلمى”)، وتحمل العلاقة عشقًا خفيًا مردومًا تحت ضغوط الحياة، تظهر في نهاية الفيلم حين يقرر “إبراهيم” شراء الورود مع الكباب أيضًا.
لم تيأس “يسرية” من زواجها، ولم تلزَم جانب “ضل الراجل” و”العشرة متهونش إلا على ولاد الحرام”، بل سعت إلى تطوير علاقتها بزوجها الذي تحبه بالفعل، قالت له الجملة الأشهر على الإطلاق “عايزة ورد يا إبراهيم”، ربما كانت في قرارة نفسها لا تعلم أن هذا الأمر من مبادئ العمل على تطوير العلاقة، ولكنها فعلته على أي حال، وهو ما استجاب له “إبراهيم” في النهاية.
تقول لطيفة: “حبك هادي، وأنا ملّيت الحب العادي، عايزة حب يهز فؤادي ده أنا مليت الحب العادي، وعايزاك تملى وجودي عليَّ وتجددلي حياتي الجاية كل شوية، عايزاك تعشق للدرجة دي”، كنت أسمعها وأقول لنفسي جميل جميل، كل فتاة وامرأة بالتأكيد تريد هذا الأمر، ولكن ما صِرت أعرفه بعد دخولي عالم الثلاثينيات، هو أنني بالتأكيد أريد أن أكون أنا من يغني لها كلمات أحمد منيب “مين هي غير ست الستات، وياها بتصبّح وأبات، وأجيب لمين غيرها وأهادي، أم العيال العشرية”.