عند آخر الدنيا

651

منذ فترة شاهدت فيلمًا عن امرأة منهكة.. مرهقة.. محملة بعقدة ذنب لا تنتهي. تستيقظ في الصباح الباكر وتجري بمحاذاة شاطئ البحر. تجري حتى تتقطع منها الأنفاس. أقصى أمنياتها أن تصل.. أن تجلس.. أن تريح ظهرها عند آخر الدنيا.

 

منذ فترة شاهدت فيلمًا عن امرأة أظن -وبعض الظن إثم- أنها أنا.

 

*** 

 

قبل أن أنام أعد في رأسي قائمة بالمهام التي سأقوم بها في الغد. لا أكتب يوميات أو to do list. أثق في عقلي ثقة تامة. وأثق في قدرته على الترتيب الدقيق لمهامي ومواعيدي، فعقلي لا يهدأ، يفكر بلا توقف، يفكر في ما أريده وما أتمناه، في ما أعمله وما أريد أن أصل إليه في عملي. في ما أملكه وما أسعى لامتلاكه. يفكر عقلي في كل شيء. ويضع خططًا وترتيبات لكل شيء. وفي الصباح بمجرد أن أرفع رأسي من على الوسادة أجدني أتحرك وفقًا للخطة المرسومة. بلا هدنة أو راحة أو لحظة توقف.

 

في نهاية اليوم أجدني منهكة تمامًا.. مرهقة.. أريد أن أنام. لكن عقلي لا ينام. ويبدأ في إعداد قائمة بالمهام التي سأقوم بها في الغد. 

وتدور الدائرة التي أدور فيها…

 

لأكثر من 15 ساعة متصلة أعمل كل يوم. أبدأ يومي في الصباح الباكر. ربما قبل شروق الشمس. أحضر المكونات وأقف في المطبخ. أطبخ. أخرج من المطبخ فأُعدّ ستوديو التصوير وأجهز الكاميرا. أضع طعامي في الأطباق وأجهز القطع الصغيرة المميزة التي أزين بها الـ”كادر” وأصوِّر.

أنتهي من التصوير قرب الظهيرة.

أجلس لأرد على أسئلة متابعي صفحتي على الفيسبوك. أرفع وصفة جديدة أو مجموعة صور جديدة على الصفحة.

 

أتناول غدائي مع زوجي. وقرب الرابعة عصرًا أفتح موقعًا للصور لأشاهد أحدث التقنيات في تصوير الأطعمة، أو أقرأ مقالاً أو اثنين عن مجال عملي.

 

عند السابعة مساءً أبدأ في الكتابة. أكتب مقالاتي ووصفاتي في هذا الوقت من اليوم، حتى تقريبًا التاسعة والنصف.

في هذا الوقت يكون يومي قد انتهى تمامًا. أدخل سريري وأترك عقلي يعد قائمة بمهام الغد.

 

أما أيام التصوير الخارجي فلها ترتيبات أخرى.

لا آخد إجازات. لا أخرج للنزهة أو للقاء صديقة. أعتذر بلطف عن الزيارات العائلية واللقاءات الدورية والمناسبات التي يتجمع فيها الصغار والكبار. 

يومي كله يدور في فلك عملي. حتى الخروج من البيت صار من أجل العمل أو من أجل شراء شيء يساعدني على العمل.

 

أفكر أحيانًا في أنني تعبت وأني أريد أن أستريح. أفكر في إجازة طويلة دون هاتفي أو جهاز اللابتوب، بعيدًا عن الكاميرا والمطبخ والكتب. 

أفكر في يوم على البحر أو على قمة جبل أو في حقل تمتد خضرته أمام عيني. 

أفكر كثيرًا في فترة طويلة للراحة المثالية. كيف أقضيها؟ وأين سأذهب؟ لا أعرف!

 

لأ أجيد التخطيط لإجازة بدون عمل. فكل إجازة أفكر فيها أجدني إما سأتسوق لعملي وإما سأدرس فيها شيئًا جديدًا. 

 

أنا امرأة منهكة.. مرهقة.. محملة بعقدة ذنب لا تنتهي. أريد أن أخبز كعكة لآكلها مع كوب من الشاي أمام التلفاز، لكني أفكر أني ما دمت سأخبز الكعكة فلا بد أن أصورها صورة مثالية وأدوّن الوصفة وأرفعها لمتابعي صفحتي.

 

أنا امرأة منهكة.. مرهقة.. محملة بعقدة ذنب لا تنتهي. أريد أن يخبز أحدهم لي كعكة لا أعرف مكوناتها، وأن يقطعها فلا تصلح للتصوير، وأن يقدمها لي مع فنجان من الشاي، ويحول قناة تلفازي لقناة تعرض أفلامًا بدلاً من العرض المستمر لقنوات الطبخ. 

 

أنا امرأة منهكة.. مرهقة.. محملة بعقدة ذنب لا تنتهي. أريد من يربت على كتفي ويقول لي اهدأي فكل شيء سيكون على ما يرام.

 

أنا امرأة منهكة.. مرهقة.. محملة بعقدة ذنب لا تنتهي. أقصى أمنياتي أن أصل.. أن أجلس.. أن أريح ظهري عند آخر الدنيا.

المقالة السابقةكاترين حيث السعادة
المقالة القادمةفيلم Ballerina.. شاهدوه وستنبت لأحلامكم أجنحة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا