فيلم Ballerina.. شاهدوه وستنبت لأحلامكم أجنحة

1156

ياسمي

 

– ونس.. يلا نلبس عشان هنروح السينما.

– لأ مش عايزة أخرج، أنا عايزة ألعب في البيت مع أحمد والعرايس.

– ده إحنا هنشوف فيلم كارتون جميل.

– لا مش النهارده، خليها مرة تانية.

– طيب هجيبلك فشار.

– بعدين.. بعدين.

 

والنتيجة؟ ذهبنا للسينما بالفعل، لا لأن ابنتي ذات الأعوام الأربعة متحمسة لمشاهدة فيلم الرسوم المتحركة الجديد، ولكن لأنني أنا -أمها ذات الثانية والثلاثين- كذلك، وهناك أمام الشاشة العملاقة التي لا تفقد بريقها أبدًا، كانت ابنتي تتململ وتتحرك جيئةً وذهابًا، بينما أجلس أنا في استمتاع بعينين مفتوحتين على آخرهما أتابع السحر الذي يجري أمامي، فلطالما كنت ضعيفة أمام عالم الأفلام الذي ما زال -ورغم كَم الأفلام التي شاهدتها في حياتي- قادرًا على إدهاشي واقتحام كل حدودي، خصوصًا حين تكون المشاهدة في السينما.

 

كل مرة أقطع فيها تذكرة وأدخل أشعر تمامًا كما لو أنها المرة الأولى، بينما يعتريني حماس هائل لأنني خلال لحظات سيصبح لديّ قدرةخارقة تُمكنني من اختلاس النظر عبر نافذة الحياة ورؤية العالم حيًا أمامي. وحين يكون الفيلم المُختار كارتون تصبح المتعة أكبر، على عكس المتوقع، فوقتها أعود مرة أخرى في العاشرة من عمري، حيث البراءة والتفاؤل لا يعترم صدري بالأحلام المُستقبلية وإيماني الكامل بأن ما من عوائق قد تستوقفني عما أنوي فعله.

 

فيلم Leap! أو كما يُعرف أيضًا بـBallerina كان اختيارًا مثاليًا يتناسب مع كل ما ذكرته سابقًا، فأحداث الفيلم تدور في 1880 ويحكي عن فتاة يتيمة تُقرر الهروب من دار الأيتام مع طفل آخر، من أجل الذهاب إلى باريس أرض النور والأحلام. وهناك بسبب افتراقهما نتيجة بعض الظروف المفاجئة لا يصبح بإمكانهما سوى محاولة تحقيق أحلامهما كل معتمدًا على نفسه.

 

فنشهد “فيليسي” التي تُحاول تتبع حلمها حتى ولو كانت البداية تنطوي على شيء من الخديعة، فتلتحق بالأوبرا من أجل رقص الباليه على حساب فتاة أخرى، بل وتنافس على دور رئيسي في عرض “كسارة البندق”، لا يقودها سوى إيمانها بنفسها وكونها تملك من الشغف ما يجعلها قادرة على تخطي كل الحواجز والانتصار على الأخريات.

 

بسبب هذا الشغف، والعلاقة الطيبة التي سرعان ما تجمع “فيليسي” بعاملة نظافة تُقرر تدريبها على الرقص بطريقتها الخاصة، يبدأ أداء “فيليسي” في التطور والنضج، حين تجتهد فتشتغل على نفسها طوال الوقت، حتى أن أستاذها نفسه الذي كان يظن أنها لا تصلح للباليه أبدًا لا يلبث أن يتحمس لها مُدافعًا عنها، خصوصًا بعد أن تنكشف الحقيقة ويُعرف أنها الفتاة الخطأ في المكان الصح، لتتوالى الأحداث بعد ذلك، ورغم العراقيل العديدة التي تقف بطريق البطلة إلا أنها تصل لمرادها في النهاية.

 

أعرف أننا أمام فيلم بسيط، شبه تقليدي، وحتى من الناحية الفنية فعوامل الإبهار فيه ليست بالكثيرة، إلا أن فكرته رغم تكرارها لا يُمكن أن يعفو عليها الزمن أبدًا، فما من فيلم أفضل من ذلك يُمكننا مشاهدته برفقة أبنائنا وبناتنا، فنتعلم منه جميعنا كيف نعتمد على أنفسنا، والأهم ألا نفقد الأمل في قدراتنا أبدًا.

 

فكل شخص منا له ما يميزه بالطبع، الخطوة الأهم والأصعب أن نعرف ما هو هذا الشيء وكيف يمكن أن نوظفه في حياتنا سواء العملية أو الشخصية، فليس بالضرورة أن يعمل كل فرد في مجال شغفه، هذه رفاهية غير متاحة للجميع، للأسف، خصوصًا حين يكون الشيء الذي نبرع فيه “مبيأكلش عيش”.

 

وإن كان هذا لا يتناقض مع كوننا -بمجرد اكتشاف ما نحن مولوعون به في الحياة- علينا أن نبدأ في تطويره والعمل عليه، حتى نكتسب خبرات مختلفة فيه، ليصبح سلاحنا السري الذي نتكئ عليه فنعلو، حتى لو فعلنا ذلك من باب الهواية أو الترفيه، حينها فقط سنشعر أن حياتنا لم تضع هباءً وأننا نجحنا في فعل ما نحبه، ما مكننا من تَقَبٌّل الأشياء الأخرى التي أجبرتنا عليها الحياة.

 

ولحُسن الحظ ما من وقت أنسب لتحقيق الأحلام بعده ترفع الحياة بوجهنا لافتة كتُب عليها “جيم أوفر”، فسواء كنا صغيرين أو كبار بالسن سيظل المستقبل دَربًا مُمتدًا للأمام، مع كل خطوة نخطوها فيه نقترب أكثر من الحلم المنشود، ومهما أجَّلنا تلك الخطوة أو عطَّلتنا عنها عقبات ظهرت بطريقنا قدرًا، مع الوقت والممارسة يُمكننا أن نتفوق على أنفسنا، وأن نتجاوز كل ما يُعيقنا إذا ما أصرينا على ذلك. 

 

لديّ صديقة مُقتنعة تمامًا أن الكون يستمع إلينا فيمنحنا ما نصبو إليه، إذا صدقنا فعلاً قدرته على ذلك، الخدعة تكمن في أنه يُمكنه كذلك أن يمنحنا أسوأ كوابيسنا إذا توقعناها، رُبما لذا -من باب الاحتياط- علينا ألا نرسل للكون سوى رسائل إيجابية، نخبره فيها عن أحلامنا البعيدة ومدى ولائنا لها، عن استعدادنا للسير فوق الجمر من أجل التواصل مع روحنا، لعلنا نصبح من الخارج أقرب ما يكون للصورة التي نُصدق أنها نحن حقًا بداخلنا، والأهم ألا ننسى في خضم ذلك أن نضع الخطة المناسبة التي ستجعلنا قادرين على تحقيق كل ما نحلم به.

المقالة السابقةعند آخر الدنيا
المقالة القادمةلماذا من الرائع أن يكون طفلك عنيدًا؟
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا