عبد الوهاب مطاوع.. 22 عامًا من جبر الخواطر

878

(1)

4 أغسطس 2004 أتلقى خبر وفاة عبد الوهاب مطاوع، فأرسل برسالة نصيه قصيرة لشقيقتى أميرة إحدى مريدات عبد الوهاب مطاوع، هكذا دون أى تمهيد أو مقدمات أكتب “عبد الوهاب مطاوع مات النهارده”، لم يأتِني الرد وقتها، أتاني بعدها بأربعة أعوام رسالة نصية تقول “أمل أنا في الحرم.. عملت عمرة لعبد الوهاب مطاوع”.

 

(2)

7 أغسطس 2004 كنت في ساقية الصاوي أحضر ندوة عن الأدب الساخر تديرها الصحفية جيهان الغرباوي، والقاعة تمتلئ بحالة من البهجة والضحك، حين يدخل شاب ثلاثيني القاعة شبه منهار يصيح في جيهان الغرباوي، كيف تستطيع أن تضحك هكذا والأهرام في حالة حداد على عبد الوهاب مطاوع الذي حضر عزاؤه منذ قليل، وحضر الندوة التي توقع أن تكون في رثاء عبد الوهاب مطاوع، لا أذكر كيف احتوى القائمون على الندوة الموقف، كل ما أذكره هو وجه هذا الشاب وصدق مشاعره.

 

(3)

عند تصفحي لصفحة تحمل اسم بريد الجمعة على الفيسبوك يستوقفي وسط العديد من تعليقات القراء التي تتمنى للرجل الرحمة والمغفرة هذا التعليق “والله من كتر حبي فيك يا أستاذ سميت ابني على اسمك”. قد يعتقد البعض أنها مجاملة ولكني أصدق صاحب التعليق، وبشدة.

 

هذه المشاهد السريعة التي على اختلاف أبطالها إلا أنها تجتمع على حب هذا الرجل، توضح أن علاقة قراء بريد الجمعة بعبد الوهاب مطاوع كانت علاقة ذات طابع خاص، لم تكن مجرد علاقة قراء بكاتب بارع، بل كانت علاقة أبناء بالأب الروحي لهم والراعي الرسمي لجبر الخواطر.

 

قد يندهش البعض حين يعلم أن بريد الجمعة بطابعه الإنساني لم يكن سوى مساحة لتلقي شكاوى المواطنين وخصوماتهم مع الجهات الحكومية والمسؤولين، والبداية الحقيقية لم تكن سوى محض صدفة.

 

الشرارة الأولى التي جلبت لنا كل هذا الوهج من الخبرات الإنسانية كانت رسالة تلقاها عبد الوهاب مطاوع من أب شاب فقد طفله الوحيد في سن صغيرة، وبعد فترة قصيرة من حادثة الوفاة وضعت أخته مولودها الأول، فعزفت عن الاحتفال احترامًا لمشاعر أخيها، فأقام هو الاحتفال. بعث هذا الأب المكلوم في ابنه لعبد الوهاب مطاوع يسأله، هل ما قام به تصرفًا طبيعيًا أم أنه أصابه الجنون، نشر بريد الجمعة الرسالة مصحوبة بتعقيب عبد الوهاب مطاوع الذي كان يخفف فيه عن الأب هذا الكم من الحزن والألم، طالبًا من القراء إرسال رسائل على عنوان البريد للتخفيف عن هذا الأب، على أن يعيد إرسال هذه الرسائل للأب مرة أخرى.

 

كانت المفاجأة عندما تلقى عبد الوهاب مطاوع سيلاً من الرسائل التي يشارك بها أصحابها هذا الأب مصابه الجلل، ومن هنا جاءت فكرة بريد الجمعة، واتسعت مساحته لتؤكد أهمية المشاركة الوجدانية لتخفيف الأحزان. مئات القلوب الحزينة والخواطر المكسورة وطالبي المشورة والنصيحة، والباحثين عن الونس والحب والدفء وجهوا بصلتهم صوب (36 شارع الجلاء- القاهرة- ص.ب. 11511 بريد الجمعة)، والتي أصبحت وجهتنا نحو 22 عامًا، هى عمر بريد الجمعة.

 

مئات الرسائل الإنسانية التي رد عليها مطاوع بالحكمة واللين، فأضفى عليها من خبرته وتجاربه ورجاحة عقله الكثير. 44 كتابًا هي إرثنا من عبد الوهاب مطاوع، متنوعة ما بين أدب رحلات وسيرة ذاتيه، منها 25 كتابًا مقتصرًا على الأدب الإنساني الذي تخصص فيه بريد الجمعة.

 

جزء كبير مني ومن أبناء جيلي ومن هم أكبر مني متعلق بالصفحة رقم 10 بأهرام الجمعة، شريحة كبيرة منا إن لم تكن أرسلت رسالة للبريد فهي على الأقل تحتفظ برسائل بريد الجمعة في مكان خاص، إن لم يكن بالشكل المادي ففي عقلها وقلبها. بريد الجمعة تلك الطبطبة الإلهية التي سخّرها الله لنا عن طريق عبده “محمد عبد الوهاب مطاوع” والتي أصبحنا نقتفي أثرها كلما ضللنا الطريق.

المقالة السابقةليالي أوجيني..الحب المُستحيل
المقالة القادمةرسايل.. البحث عن معنى الحياة
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا