طلع الأمل اللي جواك

372

Joy.. عندما تكون امرأة بألف رجل.

 

لم تكن تعرف أن هذا سيحدث، حين مشيت في ذلك اليوم، وأن حياتها ستتغير كثيرًا بهذه الورقة”.

كلمات لم تسمعها جوي وهي تسير بخيلاء بعد أن تخلصت من ذلك المحتال الذي كان يريد سرقة اختراعها البسيط، والذي لم يكن سوى “مكنسة” منزلية صنعتها بنفسها.

 

هو أحد مشاهد الفيلم الأمريكي “joy”، أما ناطق الكلمات السابقة فكانت جدة البطلة “جوي” واصفة حياتها في المستقبل، بعد أن جعل المخرج الجدة هي راوي الفيلم حتى نهايته، بالرغم من وفاتها، لأنها كانت الوحيدة المؤمنة بقدرة “جوي” على تحقيق أحلامها، فهي “وُلِدت لتجد النجاح”.

 

مستلهم من قصة حقيقية.. لامرأة شجاعة واحدة بالتحديد”.

بهذه الكلمات يبدأ الفيلم، الذي تمثل فيه “جوي” حياة الكثيرات من النساء، سواء كنّ مصريات أو أمريكيات، فالجنسية لا تهم، فالقصة واحدة، امرأة لديها الكثير من المسؤوليات وفي الوقت نفسه تكافح لتحقيق حلمها الخاص، ولكن الفرق أن “جوي” لم تكن مثل غيرها من النساء وتخلت عن حلمها وسط زحام الحياة، بل أصرت على تحقيقه.

 

خدمة والدتها التي لا تفعل شيئًا سوى مشاهدة التليفزيون، هي مسؤولية “جوي” بالإضافة إلى مسؤوليتها عن الحسابات في الجراج الذي يملكه أبوها، وكذلك تلطيف الأجواء بين والدتها ووالدها المنفصلين.

 

لا تتوقف مسؤوليات “جوي”، فهناك زوجها الذي انفصلت عنه وتسمح له بأن يعيش في منزلها لأنه لا يملك مأوى آخر، وطفلاها الذي تسعى لتوفير أفضل رعاية ممكنة لهما، بالإضافة إلى أختها غير الشقيقة التي تنتقدها دومًا، أمام كل تلك المعوقات تسعى “جوي” لتحقيق حلمها الوحيد، أن يصل اختراعها المكنسة ذاتية التنظيف إلى جميع منازل الولايات المتحدة الأمريكية.

 

جمال الفيلم يظهر في عدد من المشاهد التي تبدو كإضاءات، وكأنها رسائل لمن امتلأ بالمرارة حينًا واليأس حينًا آخر، وينظر للحياة بعين من عدم الرضا لفشله في تحقيق أحلامه، بأن كل ما عليه فعله هو ألا يتوقف عن المحاولة مهما بلغ به الفشل.

 

بل إن الفيلم يبدو كأنه يبرز لسانه لهؤلاء المستسلمين، كأنه يقول “لا ترمِ الفشل على الظروف والحياة، فها هي قصة حقيقية لامرأة كانت تواجه الحياة وحدها بالرغم أن الجميع كانوا ضدها ونجحت”.

 

فـ”جوي” لا تخجل من الوقوف وسط الثلج مع ابنتها لتجربة المكنسة أمام المارة، بل إنها لا تهتم بالسخرية التي تتعرض لها وهي تعرض منتجها أمام صاحب شركة كبيرة في الدعاية والتسويق. وعندما تتم الدعاية للمنتج ويفشل تسويقه تتصل بمدير الشركة وتخبره بإصرار أنها ترفض ما حدث، وأنها هي التي ستقوم بعرض المنتج على التليفزيون بنفسها دون خوف من فكرة الظهور الإعلامي للمرة الأولى في حياتها.

 

أما أهم مشهد في الفيلم فهو مشهد الحلم الذي يتكرر كثيرًا لـ”جوي”، والذي دفعها لمواصلة حلمها رغم سنها الكبيرة، فترى نفسها فيه عادت طفلة صغيرة وتخاطب نفسها: “لقد ظللتِ 17 عامًا، دون أن تحققي أحلامك، السبب ليس في من حولك بل فيك، أنت لا تختبئين منهم بل تختبئين من نفسك.

 

“الوصول للنجاح سهل لكن الحفاظ عليه هو الأصعب” هي الحكمة المناسبة لحال “جوي” بعد ذلك، فعندما تذوق طعم النجاح وتبيع أكثر من 50 ألف مكنسة، يأتي لها خبر وفاة جدتها الداعم الحقيقي لها، وعندما تقرر استكمال عملها رغم الديون التي تعاني منها، تظهر مشكلة قيام المصنع الذي تتعامل معه برفع الأسعار عليها، وسرقة براءة اختراعها.. وبالفعل ينجح صاحب المصنع في نسب اختراعها له.

 

العالم لا يمنحك فرصة، بل العالم يدمر فرصك، ويحطم قلبك”.

كلمات “جوي” وهي تبكي أمام عدم مساندة أسرتها لها، فيطلب منها أبوها وأفراد العائلة الاستسلام لمصيرها البائس، فهي مجرد إنسانة فاشلة، وغير مسؤولة، غير قوية، ولا يمكنها تحقيق أحلامها، وهي مجرد ربة منزل عادية وعليها أن تبيع منزلها وتعيش في غرفة مع أطفالها.

 

هنا يأتي المشهد الأخير الذي غيّر حياة “جوي”، فهي لا تستسلم، وتدرس الأوراق مرة أخرى، لتجد ثغرة بالفعل. فتخاطر بكل شيء وتسافر وحدها لتقابل رئيس المصنع الذي سرق اختراعها. ورغم أنها لا تملك سوى رغبتها في حماية حلمها، لكنها تستطيع بتلك الرغبة أن تجبره على توقيع ورقة التنازل عن المكنسة المنزلية.

 

لم تكن تعرف أنها ستنتقل في يوم من الأيام إلى بيت كبير وجميل، أمها كانت سعيدة، وبقيت بجانب بقية عائلتها، تراعيهم رغم أنهم قاضوها في أحد الأيام” بقية كلمات الجدة بعد خروج “جوي” مع ورقة التنازل، فهي لم تعرف بالفعل ثمن مخاطرتها، فقط أرادت النجاح ومواصلة حلمها، ومكافأة القدر لها كانت سخية، فهي صارت صاحبة شركة كبيرة في أمريكا وتتبنى نشر وترويج ابتكارات غيرها.

 

مرة أخرى مشهد النهاية الذي تسير فيه “جوي” بخيلاء، يبدو كأنه رسالة الفيلم الحقيقية، رغم تواضع الإمكانيات الخاصة بالسيناريو أو الموسيقى، فالحياة لا يكون لها معنى إلا إذا أصررنا على مواصلة أحلامنا ولم نتخلَّ عنها في زحام الحياة، بسبب السن أو الإمكانيات، أو كلمات البعض لنا بأننا لا نستطيع، الكاسرة لأي إرادة في التغيير.

 

أما أقسى رد يمكن أن يحصل عليه من وقف ضد أحلامنا هو مسامحتهم مع عدم الاستسلام، فالإيمان بالنفس وحقنا في الحلم هو المعنى الحقيقي للحياة، حتى لو كان حلم طفولة، وحتى لو كان الحلم هو اختراع مكنسة للتنظيف، فكما قال محمود درويش: “ما دمت أحلم فأنا حي.. لأن الموتى لا يحلمون”.

 

 

 

 

المقالة السابقة15 نصيحة ببلاش
المقالة القادمةلو نفسك تعمل دايت وتخس.. حلك معايا
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا