كثير من النساء على مستوى العالم يُصبَن بما هو معروف باسم اكتئاب الحمل واكتئاب ما بعد الولادة، قد يستغرق بضعة أيام وقد يأخذ شهورًا وسنوات حتى يتم الشفاء منه، وبالرغم من ذلك فإنه لا يتم أخذ هذا المرض على محمل الجد، مما يجعل النساء في حالة اكتئاب مزمن. هنا نجد كتاب “شوربة دجاج لروح الأم الجديدة Chicken Soup for the New Mom’s Soul” يُحمّل مسؤولية الترويح عن هؤلاء الأمهات بحكايات عن أمهات أخريات قررن مشاركة تجاربهن مع العالم والتخفيف عن آلام الأخريات. يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة عملاقة كلها تحت نفس الفكرة ولكنها موجهة لفئات مختلفة متعددة في المجتمع اعرفها هنا: أضغط هنا
قد يبدو اسم الكتاب غريبًا، ولكنه مأخوذ من الثقافة الأمريكية، حيث يُعتقد أن شوربة الدجاج تُشفي الجسد المريض، لذا فهذا الكتاب بمثابة شوربة دجاج للروح المريضة للأم الجديدة.
يحتوي الكتاب على العديد من القصص الحقيقية التي ترويها صاحباتها والمتعلقة بالحمل والولادة أو الأشهر والسنوات الأولى في حيوات أطفالهن، بعض القصص قد تخطف القلب من شدة رقتها وجمالها، والبعض الآخر يستدعي الدموع من شدة الألم الحقيقي الذي تحكيه صاحبة التجربة. التجارب الواردة بالكتاب لا تقتصر على زمن محدد، فبعض الأمهات تروين قصصًا لم يمر عليها سوى بضعة أشهر وأخريات تروين قصصًا حدثت منذ ربع قرن مضى، فنجد على سبيل المثال حكاية لسيدة تروي بأدق التفاصيل كيف كان يوم ميلاد ابنتها، ثم نفاجأ بأنها تقارنه اليوم بيوم ولادة حفيدتها.
لا يتوقف الأمر عند ذلك، لأنه يوجد بالكتاب أكثر من 70 قصة قصيرة أو شديدة القصر، تحكي حكايات مختلفة عن الولادة بدون وجود الزوج، حكايات عن أهمية الأصدقاء، قصص عن الربتة الحانية التي تأتي في وقتها تمامًا من الغرباء لتمحو آثار الوحشة والتعب والإرهاق، وتجعل من العالم مكانًا أفضل بالنسبة لصاحبة الحكاية. ولأن الكتاب يتكلم عن فئة مهمة جدًا ولكنها ليست وحيدة في الحياة، فكان من الواجب أن يشارك الأزواج أو آباء الأطفال في رواية حكاياتهم هم الآخرون، فيروون ساعات الانتظار والقلق في غرف الانتظار، المحاولات الأولى الفاشلة لمساعدة زوجاتهم، قلة النوم والإرهاق الشديد وروعة الابتسامة الأولى التي يعرفها بها أطفالهم.
أكثر القصص التي لفتت انتباهي وجلبت الدموع إلى عيني، 3 قصص. تحكي الأولى عن تجربة ولادة طفلة للمرة الثانية والخروج بالطفلتين لشراء مستلزمات المنزل، فلو كان النزول بطفلة واحدة يشبه الجحيم فالخروج مع طفلتين هو الجحيم ذاته، فالكبرى تغار من الصغرى، والصغرى لا تكف عن البكاء، وتحوّل الأمر إلى عقاب وإقامة في حمام المبنى بدلاً من شراء ما ينبغي شراؤه، وقبل أن تنهار الأم باكية، تفاجأ بسيدة غريبة عنها تراها لشخصها وتجاملها بدلاً من أن تجامل أطفالها بجملة واحدة “هؤلاء البنات محظوظات بالحصول على أم مثلك”.
أما الثانية فتروي قصة عذاب يعرفها كل من لديها طفل رضيع تحاول أسنانه شق طريقها للظهور العلني الأول، وكيف أن الأيام تصبح نهارًا متواصلاً مليئًا بالصراخ والبكاء. كانت بطلة القصة تعاني من يوم من هذه الأيام، تخرج فيها عن شعورها فتلعن الطفلة والأمومة والأب، تكره حياتها وتتمنى لو تنهيها الآن حتى تستريح، وفي لحظة غير متوقعة أبدًا، تجد أن طفلتها الصغيرة تحتضنها للمرة الأولى وبدون أي سبب، فتتلاشى لعناتها وتذمّرها، وتحتضنها هي الأخرى.
القصة الثالثة مفعمة بالمشاعر، ففي وسط مرض الزوج ودخوله المتكرر للمستشفى، تجد الزوجة نفسها حاملاً للمرة الرابعة، وفي وسط أفكارها التشاؤمية تجد أن خبر حملها قد أعطى زوجها سببًا ليحارب المرض ويظل على قيد الحياة. بين الدخول المتكرر لزوجها غرفة العناية المركزة والحمل والولادة وإزعاج المولود الجديد، تنشأ علاقة جميلة بين الأب والابن تستمر لمدة عامين فقط، لتنتهي بموت الأب واختفاء جسده من الحياة، ولكن تظل روحه معلّقة ومصاحبة لابنه الصغير لبقية عمره.
قد يكون الكتاب مكتوبًا بصيغة غير احترافية، ولكنه مكتوب بمنتهى الصدق الذي يدخل القلب مباشرة، لأنه ينقل واقعًا حقيقيًا عاشه أصحاب وصاحبات القصص، لم يحاولوا الكذب أو التجمّل، فقط عادوا إلى ذكرياتهم وشاركوها بطريقتهم مع أولئك الذين يحتاجون إليها. وبالرغم من أن بعض الحكايات قد تكون موجعة وتسبب الألم عند قرائتها، خصوصًا لمن مر بتجربة مشابهة، ولكنها مهمة بنفس قدر الحكايات السعيدة ورؤية الطفل لأول مرة على شاشة جهاز الموجات فوق الصوتية (السونار)، لأنها أيضًا تحمل رسالة لأم أخرى في مكان آخر، تقول لها إنها ليست الوحيدة التي تعرف هذا الشعور، فجميعنا مررنا بالأوقات السيئة التي تمنينا فيها أن ينتهي العالم عند هذا الحد، ولكنها سرعان ما ستنتهي وسيكون هناك أوقات أطيب وأكثر هدوءًا لنتذكرها دائمًا ونحمل أثرها في أرواحنا.