كبرنا يا أمي وصرنا نحن أو صديقاتنا، قريباتنا، أمهات أصدقاء أولادنا.. “سنجل ماذرز”. لنكتشف أن دراما الواقع غالبًا ما تكون أكثر سوداويةً وأشد ضراوةً من دراما السينما والتليفزيون، حيث تلك الأعمال الفنية التي كُنا نظنها تُبالغ، أو تحدث للآخرين فقط قبل أن يتضح أنها تحدث للجميع بما فيهم نحن.. عادي جدًا.
لذا في محاولة منّا للرصد، قررنا أن يضم هذا المقال 10 من أشهر السينجل ماذرز بالسينما المصرية، بين الأمس واليوم:
عزيزة/ الحرام (1965)
امرأة فقيرة تعيش مع زوجها “عبد الله” عامل التراحيل، الذي يجد عملاً يومًا ويجلس بجوارها عاطلاً أيامًا، ورغم شظف العَيش فإنها ترتضي تلك الحياة ما دامت مع الرجل الذي يُسعدها ويُتوجها ملكة على العالم. إلا أن الحال تسوء أكثر إثر مرض زوجها الذي يُلزمه المنزل، فتضطر هي للعمل بالتراحيل مُبتعدةً عن زوجها وأطفالها بالأيام كي تجلب لهم الرزق.
تعرفي على: 7 اعترافات خاصة جدًا لأم عزباء
منى/ إمبراطورية ميم (1972)
“منى” أم لستة أبناء، تعمل بوظيفة جيدة بوزارة التربية والتعليم، يموت زوجها فيصبح عليها تربية الأولاد والتَكَفُّل بهم ماديًا، ومع مرور الوقت ودخول أغلبهم بسن المراهقة، تزداد الأمور حِدِّة، إذ يبدأ الأبناء التمرُّد على سلطة الأم وقراراتها الديكتاتورية التي ترى أنها لصالحهم ولا مجال لمُناقشتها، ما يدفعهم للعناد، في الوقت نفسه تظهر بوادر قصة حب جديدة بحياة الأم، لكنها تقع بحيرة، هل يحق لها البحث عن سعادتها الخاصة، أم عليها الاستمرار في فَناء نفسها بفلك أولادها، وكفى؟!
عفاف/ غريب في بيتي (1982)
أرملة تعيش بمفردها مع طفلها الصغير ذي السنوات السبعة، تُحاول تحقيق أفضل مستوى معيشة تتمكن منه لطفلها وفقًا لإمكانياتها المتوسطة، بينما تسعى بالصباح كموظفة وباقي اليوم كأم، ناسيةً في خضم رحلتها أنها امرأة، تحتاج الحُب والائتناس برجل يُشاركها الحياة بأثقالها وهمومها.
عائشة/ لا تسألني من أنا (1984)
زوجة فقيرة أنعم الله عليها بنعمة الأبناء، لكن حرمها المال، ما يضطرها هي وزوجها لبيع طفلتها الصغرى لامرأة ثرية لا تُنجب، للإنفاق على باقي الأبناء وتعليمهم جيدًا، وإن كانت عائشة تشترط العمل كمُربية للطفلة كي تنشأ تحت نظرها. وحين يتوفى الزوج تتحول الأم إلى عائل الأسرة الوحيد، ومع السنين يكبر الأبناء ويتولون مناصب مرموقة، فيُطالبون الأم بالتوقف عن العمل، إلا أن أمومتها وشعورها بالمسؤولية تجاه ابنتها الأخرى يقف عائقًا بينها وبين رغبة باقي الأبناء.
هند وكاميليا/ أحلام هند وكاميليا (1988)
“هند” أرملة ريفية نَزَحَت إلى القاهرة للعمل بالخدمة بالبيوت لإعالة أسرتها، أما “كاميليا” فامرأة مُطلقة تعمل هي الأخرى كخادمة، لتعول أسرة أخيها مُقابل السماح لها بالعَيش معهم. ورغم أن الخادمتين تشقيان بكَد وضمير لتصبحان يومًا ربات بيوت، لكن يبدو أن هناك نساء كُتب عليها أن تشقى للأبد. بعد فترة تتزوج “كاميليا” رجلاً بخيلاً لتكتشف أنها تحولت من خادمة بأجر لخادمة بدون أجر، فتتمرد عليه وتتركه رافضةً ضياع عُمرها هباءً، أما “هند” فتحمل من “عيد” اللص الفهلوي، فتُجبره “كاميليا” على الزواج من صديقتها، قبل أن يُقبض عليه، وتضطر المرأتان للعمل بالبيوت وعلى النَصبات، لتوفير حياة كريمة للطفلة “أحلام” ولهما.
عائشة/ يوم مر ويوم حلو (1988)
امرأة تعيش بشقة بسيطة بحي شعبي مع 5 من الأبناء، وزوج اعتاد أن يعمل كموسيقِي بالجيش، قبل أن يُصاب بمرض صدري مُزمن أقعده بالمنزل، وتسبب في استدانة الأسرة. يتوفى الزوج فتجد عائشة نفسها أرملة عليها من جهة التكفُّل بتربية الأبناء ومن أخرى تسديد الديون، فتضطر لبيع مصاغها ونحاسها وكل ما يُمكن بيعه بمنزلها، ثم تشتري ماكينة خياطة تعمل عليها لتوفير مصاريف تعليم ابنها الصغير وجهاز الفتيات اللاتي أصبحن على وش زواج.
نعيمة/ الجراج (1995)
زوجة تعيش بجراج إحدى العمارات مع زوجها وأطفالها السبعة، تشقى طوال اليوم بين الخدمة والحراسة وتربية الأبناء، بينما زوجها ينهب شقاها ويُبدده على المزاج والنزوات دون أي شعور بالذنب أو الاهتمام بأكوام اللحم التي برقبته. وإمعانًا بعدم الرجولة يُسافر للخارج تاركًا كل شيء خلفه، ليس سَعيًا منه للمساعدة وتخفيف الحِمل عن زوجته، بل هروبًا من المسؤولية للأبد، فتصبح “نعيمة” زوجة مع إيقاف التنفيذ، بينما تؤدي المهام كلها وحدها كالعادة، وإن زاد عليها شعور بالخوف والخذلان.
شفا/ عرق البلح (1999)
في أحد نجوع الصعيد، يُقرر كل رجال الكَفر باستثناء الجَد العجوز والحفيد المراهق، تلبية نداء النداهة، والاغتراب، تاركين المسؤولية كاملةً من خلفهم على النساء، ومع الغِيبة تتمزق الخيوط بين النساء والرجال إلا من خطابات لا تُسمن ولا تغني من جوع، ومع الوقت تنهزم النساء واحدةً تلو الأخرى.
بين حاجتهنّ للحماية، الفَرح والاستظلال بكَنف رجل، والأهم احتياجهن الجنسي الذي يزداد ضراوة مع الوقت، تختلف درجة استسلام النساء لشبح الغواية. فَنجد مَن تُحاول مراودة الحفيد عن نفسه، ومَن تشُق ملابسها أمام الجميع، وهناك “شفا” التي تروح ضحية جمالها ونفاد صبرها فتدفع الثمن حياتها. المُلفت للانتباه أنه حتى وحين يعود الرجال للنجع، لا شيء يعود لأصله، كما لو أن طول الانتظار قطع كل أواصل المحبة، ومرارة الخذلان علَّمت النساء ألا يَقبلن شيئًا مُهددًا بالرحيل.
ثريا/ قص ولزق (2007)
زوجة وأم لأطفال تلعب بحياتهم دور الأم والأب، أثناء انهماك الزوج بالغربة لكَسب المال، تاركًا زوجته خلفها ينهشها الغياب، ومُعريًا حاجتها الأنثوية لإشباع رغبات جنسية مشروعة دون حذر. وبالرغم من أن الزوجة تُناشد الزوج دومًا بأن “ملعون أبو الفلوس.. بس انزل”، فإنه لا يستمع لها، مُعتبرًا إياها “بتدلع”، الأمر الذي يجعلها تُقرر بالنهاية البحث عن أي رجل يروي ظمأ جسد يخشى الذبول.
كريستين/ لا مؤاخذة (2014)
“كريستين” أرملة يتوفى زوجها، ورغم حالة الأسرة المادية الميسورة قبل وفاة الأب، فإن بموته وديونه التي تُحيطهم فجأة ينهار كل شيء، فتضطر الأم لنقل طفلها من مدرسته الخاصة إلى مدرسة أخرى حكومية، الأمر الذي يُحدِث شرخًا بحياة الطفل، ومع عدم قدرة الأم على مواجهة بعض المشكلات، يضطر الطفل للتظاهر بأن كل شيء على ما يُرام، حتى ولو كان ذلك يَعني أن يتظاهر بما هو خلاف حقيقته أمام زملائه، ليقي نفسه انقلابهم عليه واضطراره لمواجهة معهم غير محمودة العواقب.
..
الآن وبعد أن استعرضنا بعض النماذج، تُرى هل اختلف حال السينجل ماذر اليوم؟ هل نجحت في اقتناص حقوق أولادها، والثأر لكرامتها وسيرتها؟ هل ألزمت المجتمع بحدودها وفتحت لنفسها مجالاً مُتسعًا ومُتنفسًا للحياة؟ أم أن الدائرة المُغلقة التي أُجبِرت السنجل ماذر على الالتزام بها قديمًا ما زالت كما هي رغم السنوات والحريات والشعارات الرنّانة التي أفنى رواد المساواة والإنسانية حياتهم لإرساء قواعدها؟
دراما الواقع غالبًا ما تكون أكثر سوداويةً