كيف يمكننا أن نصل إلى معرفة الله؟
ما هو الطريق الصحيح؟
هل نصل إليه بالزهد في ملذات العالم والتقشف، أم من خلال اتِّباع تعاليم رجال الدين؟
هل تساعدنا القراءة ومعرفة العالم، أم نحتاج أيضًا لمعرفة أنفسنا؟
هل هناك طقوس أو تعاليم صحيحة هي التي ستوصلنا لمعرفة الله؟
كل هذه الأسئلة طرحها “سيدهارتا” بطل رواية الكاتب السويسري من أصل ألماني “هرمان هسة”. نشرت الرواية المكتوبة بالألمانية عام 1922 بعد رحلة قام بها الكاتب إلى الهند.
“سيدهارتا” هو اسم بطل الرواية، وهي كلمة تعني “الرجل الذي بلغ هدفه” باللغة السنسيكريتية.
اقرئي أيضًا: شكرًا يا الله.. لأنك الله
في ظلال البيت
تبدأ الرواية بـ”سيدهارتا” الذي قضى سنوات صباه وبداية شبابه مع أبيه ورجال الدين من البراهمة، وتعلم منهم ممارسة التأمل، وعلموه كل ما بلغته معرفتهم، لكنه لم يكن سعيدًا رغم هذا ولم يستقر قلبه، بل امتلأ بالتساؤلات والتطلعات للمعرفة، وكان يشعر دائمًا أن ما تعلمه منهم لا يكفيه.
الزهد والتقشف
يقرر “سيدهارتا” أن يلتحق بجماعة من النساك “السامانا” الذين تجردوا من كل شيء. يترك بيته وعائلته ويتخلى عن الأمان خلف أسوار البيت، ليبدأ رحلته التي يتبعه فيها صاحبه “جوفيندا”. يتخلى عن ثيابه وأمواله ويمارس التقشف والترفع كي تخلو روحه من الشهوة والأحلام والمتعة والآلام، معتقدًا أنه إن انتصر على ذاته سيصل إلى السر الأعظم، لكنه لم يقنع بكل ما تعلمه، كان يعود دائمًا إلى ذاته رغم تمارين التأمل الطويلة، ورأى فيما تعلمه مجرد هروب وفرار مؤقت كفرار شارب الخمر. فكان يرى فيما يصل إليه السامانا ما يمكننا تسميته بـ”الكرامات”، كالسير على الماء أو السيطرة على إرادة الآخرين مجرد حيل تلهي عن الوصول إلى الهدف الحقيقي.
رفض اتباع التعاليم
بعد قضائه ثلاث سنوات في حياة التقشف سمع “سيدهارتا” وصديقه عن “بوذا” المستنير، وقررا أن يذهبا إليه ويستمعا إلى تعاليمه. وحين فعلا هذا قرر “جوفيندا” صديق “سيدهارتا” أن يتبع “بوذا”، بينما أصر “سيدهارتا” على المُضيِّ في رحلته، رغم إعجابه بتعاليم “بوذا” وإيمانه بها، إلا أنه رأى أن عليه أن يصل إلى الحقيقة بنفسه، وأن الهدف ليس التعاليم وإنما رحلة الوصول إليها، حيث قرر أن يصل للحقيقة بنفسه كما وصل إليها “بوذا”.
تغيرت حياة “سيدهارتا” فيما بعد، عندما فكر في أن كل ما فعله في رحلته كان محاولات للهروب من ذاته والتغلب عليها، قرر أن عليه أن يعرف نفسه أكثر وأن ينخرط في الحياة والعالم، وأن يتوقف عن احتقار حواسه ويبدأ باستخدامها في استقبال رسائل الطبيعة والعالم من حوله.
المال
ذهب “سيدهارتا” إلى المدينة، حيث تحركت داخله مشاعر الحب والشهوة للغانية “كماله”، ومن أجل الوصول إليها عمل في التجارة، وبمرور الأعوام صار من الأثرياء، وببطء تسللت الدنيا إلى قلبه وانهمك في الملذات من النساء والنبيذ والقمار، وبعد أن كان يتعامل مع كل هذه الأشياء باعتبارها لعبة يمكنه الانسلاخ منها وقتما شاء، واعتقاده أنه يفعل كل هذا ليتعلم أكثر عن نفسه وعن الناس، انخرط فيها وصار أسيرًا لها وفقد روحه في ملذاتها. حتى رأى حلمًا فيه طائر تملكه عشيقته “كماله”، رآه ميتًا في قفصه، واستيقظ وقد أدرك أنه أضاع مع هذا الطائر الميت كل ما هو خيِّر وقيم في نفسه.
اشتاق “سيدهارتا” إلى ذاته، وإلى طريق البحث الذي بدأه، وقرر أن يستغنى عن كل ما امتلكه، البيت والحدائق والمال و”كماله” عشيقته أيضًا. ليدرك أنه وُلِد من جديد مرة أخرى.
الاستماع إلى النهر
في هذه المرحلة قابل ملاحًا فقيرًا، ركب معه زورقه وعاش معه في كوخه، بدا الملاح رجلاً بسيطًا قليل الكلام، لكنه كان ينصت إلى العالم من حوله ويتعلم من النهر الذي يعبره يوميًا ما لم يعرفه “سيدهارتا” طوال رحلته، ليساعده على الوصول لما أراد بحكمته البسيطة. وفي حياته إلى جوار النهر، يمر به الناس بمشكلاتهم وحكاياتهم ومعارفهم، لكنه يبقى أيضًا في عزلته التي اختارها مع النهر وصديقه الملاح.
والبنون
على ضفاف النهر يلتقي بابنه من عشيقته “كماله” بمصادفة غريبة، يحاول أن يتودد إلى الصبي ويُنشِئه في كنفه ويمنحه من معرفته، يدرك التعلق القلبي بالأبناء، ويخشى عليه من أن يمر بتجربة تشبه تجربته، إلى أن يدرك أنه يقيده، ويحبسه عن ممارسة تجربته الذاتية بحجة تجنيبه الألم. فيتركه أخيرًا ليرحل.
الوصول
بتحرره الأخير من علاقته بابنه يدرك “سيدهارتا” مبتغاه، يتفهم أخيرًا سر الكون ووحدة الوجود. يفهم الزمن والعلاقة بين الموت والحياة، يفهم دورة الكون وعلاقة الفرد بها وبالله.
سواء كان صوفيًا أو راهبًا أو ناسكًا أو شيخًا، فـ”سيدهارتا” هو الإنسان الباحث عن الله، الساعي خلف الحقيقة، الذي يحاول أن يجرب ويفهم بنفسه دون اكتفاء بما يتعلمه من شيوخه. “سيدهارتا” هو الباحث الذي لا يخاف من السير في أي طريق مهما بدت صعوبته، ليصل إلى معرفة نفسه وإدراك العالم من حوله كي يصل من خلال تلك المعرفة إلى معرفة الله.