لم يعد شهر رمضان خاصًا بموسم الدراما، بل أيضًا صار موسم للإعلانات التي تتنافس بشدة لتحظى بانتباه الجمهور، المرأة هذا العام كانت الحصان الرابح لدى صُنَّاع الإعلانات، بعد أن اختاروا أن ينصفوها لأول مرة، بعيدًا عن الأكليشيهات الخاصة بالجمال والشكل، أو التركيز على سلوكياتها وصفاتها بشكل ساخر، فقدمت صورة حقيقية عن المرأة المصرية بلا رتوش مصطنعة.
كان أبرز سماتها عرض نماذج حقيقية لنساء حققن نجاحات هائلة في مختلف المجالات، وكانت نسبة التمثيل التي حظيت بها المرأة مساوية معظم الوقت لنفس النسبة التي حظي بها الرجل، وأحيانًا كانت نسبة حضور المرأة أعلى -بعد رصد عدد لا بأس به من الإعلانات- كما شغلت منصب البطلة، ولم تكن مجرد ديكور كما يحدث في بعض الإعلانات.
وأبرز تلك الإعلانات التي يمكن وصفها بأنها أنصفت المرأة هذا العام هي:
1- بهية.. “اللي ربِّت واللي دايمًا وقت خوفي ف حضنها بمسك وأتبت“
هو إعلان خاص بالتبرع من أجل بناء مستشفي بهية لعلاج مرضى سرطان الثدي، على الرغم أن أبطاله من الرجال فقط، ولكن البطل الحقيقي الذي ظهر في كل تفصيلة في الإعلان هو المرأة وأهمية دورها في حياة من حولها، يتجلى ذلك بقوة في كلمات الأغنية التي يؤديها الرجال من فئات عمرية مختلفة وطبقات متنوعة، فهناك الشباب، وكبار السن، والأطفال، وهناك الصعيدي والسواحلي والقاهري والفلاح.
قيمة الإعلان المميزة تتمثل في نبرة الصدق التي تظهر في صوت أولئك الرجال وهم يتحدثون عن المرأة بالنسبة لهم في الحياة، وكذلك الدعوة للاهتمام بصحة المرأة وضرورة أن تكون من الأولويات، وليس مجرد شيء ثانوي، كل ذلك بنوع من الحب والتقدير والعاطفة الحقيقية، وهو ما ظهر في بكاء أحد الأطفال عندما تحدث عن دور والدته في حياته.
2- يسرا.. “الناس بتثق في الأسماء الكبيرة”
هو إعلان خاص بإحدى الشركات المعمارية، وتروِّج يسرا للشركة من خلال الربط بين اختياراتها الشخصية في الحياة واختيار الإقامة في منشآت الشركة. قيمة الإعلان لا تتركز في مضمونه، ولكن في اختيار سيدة لتكون بطلة الإعلان في سابقة من نوعها، فمعظم الإعلانات من هذا النوع إما يكون أبطالها من الرجال، وإما من النساء الجميلات الصغيرات اللاتي يُستخدمن من أجل جذب المُعلَن له، ولا تستخدم النساء كبطلات سوى في إعلانات لمنتجات تخص المرأة، لذا فقد أنصف ذلك الإعلان المرأة في أنها تستطيع أن تكون بطلة لأي نوع من الإعلانات وتساهم في نجاحه مثلها مثل الرجل.
3- “لولا أنتم ما كنت أنا.. لولا أنتم ما كنت هنا”
إعلان خاص بإحدى الشركات المصنعة للأجهزة الكهربائية، وهو من أجمل إعلانات رمضان على الإطلاق، ليس فقط بسبب مضمونه، ولكن بسبب كلمات الأغنية التي رغم بساطتها وقصرها استطاعت أن تنقل مشاعر عميقة عن الحب والوفاء للعائلة، للجمهور، للأب، للزوج، للزوجة.
الإعلان اعتمد على نماذج نسائية ناجحة في المجتمع للترويج لمنتجاته، هو أمر مختلف وجديد على الإعلانات المصرية، فبدأ بـ”نسمة محجوب” أول مطربة مصرية عالمية، ثم “رضوى الغمري” أول مدربة قفز حر مصرية، “مروة السلحدار” أول قبطانة بحرية مصرية وعربية، إلى جانب ثلاثة نماذج أخرى للرجال حققوا إنجازات، ولكن تبقى إنجازات المرأة في الإعلان هي الأقوى من حيث التأثير.
4- محمد منير “متبطلش أبدًا طموح.. روح مطرح ما حلمك يروح”
هل هناك أجمل من أن تعطي أملاً لربة منزل بسيطة وهبت حياتها لأبنائها، بأنها في أحد الأيام قد تصبح بطلة وتحقق إنجازات عظيمة؟ الإجابة هي لا بالطبع، وهو ما فعله إعلان بنك القاهرة الذي قدم أملاً جديدًا لكثير من النساء في دقيقة ونصف هي مدة الإعلان، حيث حرص على تقديم نماذج مصرية ناجحة في كل المجالات كترويج لدعم البنك لقصص النجاح.
الإعلان يُعد مبتكرًا لأنه لم يركز فقط على القصص الناجحة المشهورة، بل اختار القصص غير المعروفة رغم قوة تأثيرها وكفاح صاحباتها، مثل قصة “أماني خليل” التي تأهلت لأكبر سباق ماراثون في العالم وعمرها 52 عامًا وربة منزل، أو “شيماء أبو الخير” التي فازت بجائزة تصميم أحسن قطعة أثاث في العالم، كما أنه لم يقتصر فقط على قصص النساء اللاتي فُزن بجوائز، بل عرض قصة كفاح النساء من أجل أسرهن مثل قصة “لقاء الخولي” التي تعتبر أول أسطى ميكانيكي فتاة في الصعيد، وهدفها الحفاظ على مهنة والدها.
5- “اخترت أن أكون حرة.. اخترت أن أكون أنا“
هو إعلان خاص بإحدى شركات البصريات، وهو ليس موجهًا فقط للمرأة في مصر بل على مستوى العالم العربي، ويُعَد أحد الإعلانات المبتكرة التي لم تعتمد على الأغاني أو الموسيقى، بل على النثر المُقفَّى الذي تلقيه إحدى الفتيات عن دور المرأة في الحياة، الذي يختزله المجتمع في كثير من الأحيان في الزوجة والأم، وأن النساء عليهن أن يتبعن حدسهن ورؤيتهن في تحقيق الأحلام ولا يتأثرن بما حولهن، وأفضل جزء هو “لكنني من هذا أكيدة، أن أصوات الرفض لم توقفني، ورنين اللا لم يربكني، أحكامهم صارت ذكرى بعيدة، لأني اخترت أن أرى في داخلي الغنى، اخترت أن أكون حرة، أن أكون أنا”.
أما بطلات الإعلان نفسه فهن مجموعة من أهم النساء المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، مثل “آسيا” وهي فاشون بلوجر ومصممة أزياء، و”تمارة القباني” وهي مذيعة وفاشونيستا وعارضة أزياء، “نور عريضة” أيضًا فاشونيستا وعارضة أزياء، و”فاطمة المؤمن” عارضة أزياء وفاشون بلوجر، و”مريم يحيى” أيضًا موديل وفاشون بلوجر.
6– شريف منير.. “مين اللي بيختار التلاجة؟“
هو أحد الإعلانات الخاصة بشركات الأجهزة الكهربائية، وبطلا الإعلان شريف منير وبيومي فؤاد يظهران كلاهما وهما يديران مناقشة حول الأسباب التي تجعل النساء هن من يخترن أنواع و”براندات” الأجهزة الكهربائية، على الرغم من أن الرجل هو الذي يدفع.
ميزة الإعلان أنه لم يقدم ذلك النقد الساخر للمرأة، بل اعتمد على شكل كوميدي لايت في وصف أنواع النساء، وفي النهاية يقدم اعترافًا بمدى ذكاء المرأة في الاختيار، وأنه مهما اختلف نوع المرأة (الفنانة- العملية- الرياضية) فهي تستطيع الاختيار الأفضل لنفسها ولبيتها.
7- ريم مصطفى.. “وليه أنا اللي أتخلَّى عن اللايف ستايل بتاعي؟!”
هي سلسلة إعلانات جمعت بين الممثل كريم فهمي والممثلات ريم مصطفى وريهام عبد الغفور وأروى جودة، للترويج لإحدى الشركات العقارية، وفي الإعلان يقارن بين دور الرجل والمرأة في إدارة شؤون المنزل ومن يقع على عاتقه المسؤولية الأكبر، الإعلان لم يحصر دور المرأة في رعاية شؤون البيت والأطفال فقط، بل قدم رؤية جديدة تتناسب مع الجيل الحالي، عندما أظهر حق المرأة في ممارسة هواياتها، والحفاظ على “اللايف ستايل” الخاص بها حتى بعد الزواج، وعدم الجري وراء مقولة إن المرأة تغير نمط حياتها بمجرد الزواج، بل على العكس، يعزز أيضًا فكرة أن الرجل لا بد أن يساعد المرأة في رعاية الأطفال والاهتمام بهم من أجل راحة المرأة.
وفي النهاية يمكن القول إن إعلانات رمضان هذا العام تفوقت على ما تفعله جمعيات حقوق المرأة منذ عشرات السنوات، حيث بعثت رسالة إلى المرأة مضمونها “لا تتخلي عن آمالك في الحياة، انجحي وحققي ذاتك وكوني نفسك” ببساطة، وفي نفس الوقت لم تتخلَّ عن العمق المطلوب، بعد أن عرضت الحياة الحقيقية للمرأة المصرية التي أثبتت بحق أنها أيقونة رغم كل ما يعترضها من صعاب.