خمس عشرة أغنية تحكينا

1024

بقلم/ هديل عبد السلام


يحدُثُ أحيانًا أن نُدمن سماع أغنيةٍ ما، لأنّها تمسُّ أوتارًا بعينها في دواخلنا، أو أنها استطاعت أن تصِل إلى عُمقٍ ما في قلوبنا لم نصِل إليه من قبل، فنُدمنُ تكرارها فقط لأجل ذلك الإحساس بأن أحدًا ما يفهم ما يجري في داخلنا، أحدهم على ضفافٍ أخرى يفهمنا ويعي حالَنا وحالتنا. هذا العام، كانَ لي من الأغاني خمسة عشر.

 

1- فايا يونان، بزُرقة البحر في عينيها، وما يحملهُ صوتها الملائكي من أحلام، وهي تُخبّرُ عن حبيبها: “عيناكَ حُلمي الذي سيكون، كبيرًا كما يحلمُ المتعبون، كبيرًا كخيرِ بلادي”.

خير نعمةٍ ورحمةٍ يُمكن أن يُهديها الله للمُتعَب، هو أن يُلهمه الحلم والقُدرة على نسجِ الأماني التي رُبّما تُنسيهِ التّعَب، فيطغى الحلم على كُل الوجع والإرهاق، لأجلِ ذلك احتلّت فايا بجُملتها تلك المكانة الأولى في قلبي المُتعَب، لأجلِ صوتها ولأجلِ عينيْهِ اللتين أتيتاني كحُلمٍ كبيرٍ وسطَ التعب، حُلم يوازي في حجمه حجم الخيْر الذي كانَ يُمكن أن تغمرنا بلادنا بهِ لو أنها فقط تذكرنا، لو أنها تَنظُر داخل قلوبنا، لأجلِ عينيه، ولأجل يديه اللتين اختصرتا خيرَ البلادِ كلها وخضارها وبهجتها وحريّتها الموعودة، والعودة المُرتقبة إلى الخير المفقود وأكثر من ذلك، أكثر بكثير. “يداكَ تلوّحُ للعائدين، وتحمل خُبزًا إلى الجائعين”.
“أُحبُّ يديكَ – فايا يونان”.
https://soundcloud.com/faia-younan/ohebbou-yadayka

 

2- قد تلجأُ قلوبنا أحيانًا إلى غلق أبوابها ونوافذها من كل النواحي، ليسَ رغبةً في العُزلة بقدرِ ما تكون وسيلةً دفاعية للحماية، للفلترة، لتوضيح الرؤية، تعبًا من الخُذلان، عتبًا على الأحباب، تلكَ حالة نجحت العزيزة أمل مُرقص في توضيحها جليّةً في قولها:

“مش عَ زعل، مش عَ عجَل. يمكن تعَب، يمكن عَتَب

من كام سنة باب الهوى مسكّر، من شي سنة وأكتر”.

نحنُ لا نطلب وقتها سوى بعض الإصرار، قليل من الصبر والمثابرة لهدم تلك الأقفال. “دُق ضلّك دُق” هكذا طالبت أمل بحقّها في القليل من الصّبر على أبوابها المغلقة.
“دُق – أمل مرقص”
https://soundcloud.com/riyad-daghlas/amal-murqus-duq

 

3- أغنية “ألاقي زيّك فين يا علي”، رُبّما تكون من أكثر الأغاني التي تغنّي بها عددٌ غير قليل من الأصوات، لكنّي أدعو هنا لأن نقف دقيقةَ إجلالٍ للرقيقة ريما خشيش وهي تتغنّى بقدرٍ لا يُستهانُ به من الدّلالِ المصحوبِ بتنهيدة قد تأسرُ قلوبًا لم تعرف غير القسوة قائلةً:

“تحرَم عليّ الآه، لو قولتها لغيرك

وإنتَ أليف الحياة، وأنا في الحياة طيرَك

والقلب عندك دَوَاه خلّيه في تفكيرك”.

لن تملُك أمامَ قوّةٍ ساحرةٍ كهذه سوى تسليمها قلبك على طبقٍ من ذهب، عن طوعٍ ورغبة.
“يا كاويني يا علي – ريما خشيش”.
https://soundcloud.com/asma4th/rdyh4msgltkh

 

4- مشاعرنا دائمًا تصير أكثر قوّةً واتضاحًا في الليل، بعيدًا عن أشعة الشمس، وضجيج الناس، والزحام، زحام البشر والأصوات والأشياء، الليلُ أرض الهدوء، في الليل تستطيعُ إخفاء جراحك في العتمة، تصيرُ أوضح لنفسك ومخفيًّا عنهم، تتوحّد بذاتك، وتصيرُ جراحك لك وحدك، لا يشاركك فيها أحد، لذا كانت وجَب ذِكرُ دعوةُ رُبى شمشوم لليل بأن يبقى قليلاً حين قالت:

“شوَيْ شوَيْ يا ليل لا تروح، إذا بان النهار بتبان الجروح” فكانت تلك مُفضّلتي الرابعة.
“شويْ شويْ – رُبى شمشوم”.
https://soundcloud.com/3la2-kabaha/gb3xzsoiwbyn

 

5- يُرافقها في المرتبة الخامسة، أغنية “بساطة”، والتي تُجلي معنى قريبًا آخر وهو أنّ وحدة الليل لا يخترقها في داخلنا سوى أولئك القادرين على إشعارنا أننا أكثر قوة بين أيديهم.

“ساعات الليل بيجبرني أجيلك طير بلا مأوى
كأنّي فراشة رايحة لنار، ساعات عندك ببان أقوى”.

“الليل – بساطة”.
https://soundcloud.com/asma-hussein-ii/wuddqikcmjv0

 

6- أغنيتي السادسة بها من المصطلحات ما رُبّما يصعُب عليك أن تُصدّق أنها اجتمعت في أغنية من أكثر الأغاني رومانسية، سيد مكّاوي بصوته الذي لا يفشل في تذكيرنا بمنزل الجد والجدّة وما فيه من دفء، وبشوارع من الحُبّ ربما لم تعُد موجودة الآن، لكنّها واسعةٌ وفسيحةٌ وموجودة في ذاكرتنا وفي قلوبنا الشابّة.
“يا كتاكيتها، يا ننّوسُة، يا قطاقيطها، يا حنتوسة
أنا م النجمة في استنظارك، آديني نازلة
أما نهارك أبيض من طبق القشطة”.
“على قد الليل ما يطوّل – سيد مكاوي”.
https://soundcloud.com/yasser-naeim-1/innydrtf5cfw

 

7- تأتي في المرتبة السابعة العزيزة جوليا بُطرس بأفضل أغاني ألبومها الأخير، لتُدرّس بكُل رُقيٍّ حالةً خاصة يصعُب على معظمنا تقديرُها واستيعابها والتعامل معها، وهي حالةُ وجوب البُعد لأجلِ الحفاظ على ما تبقّى من الحُب، الإجازة المقصودة التي نحتاجُها لنستعيدَ قوانا ونحسم أمورنا، ونتخلّص من الضغوط التي رُبّما ورّطتنا فيما لم نُرِده فصِرنا على حافّة الخسارة الكبيرة.
لذا قالت جوليا:
“الأفضل نُبعُد يا حبيبي، وما نتلاقى ها الفترة
أحلى ما نوقع بمصيبة ونندم عليها بُكرة
لازم ناخُد فرصة صغيرة، ونتخلّى عن قصص كتيرة شغلتنا وتركتنا بحيرة
حبستنا بـ100 فكرة”.
“الأفضل نبعُد – جوليا بطرس”.
https://soundcloud.com/juliabotross-album/05-el-afdal-nibod

8- لا يُمكن أن أُكمل حديثي عن الأغاني الخالدة، دونَ أن آتي على ذِكر سفيرة البهجة وعودتها الرقيقة، المُفعمةِ بالدلال كما يجب أن يكون، لتُعيدَ تجسيد دورها الخالد كفتاةٍ مُعتدّةٍ بذاتها، عنيدة للغاية، تعرفُ قيمة ما بداخلها من حُب، واثقة، تعرفُ كيف توجّهُ رسالةً شديدة التهديد دونَ أن تتخلّى عن طبيعتها كفتاةٍ شقيّةٍ رقيقة.
“اسهر بقى لوحدك.. أنا أحب أنام بدري
وارمَح أوي بعندك، واستنّى أشوف عِندي”.

“اسهر بقى لوحدك – سيمون”.
https://soundcloud.com/sara-ramadan-1/2015-simon

9- لا جمالَ في الكون يُمكن أنا يُضاهي ما يحملهُ صوتُ غادة شبير، وليسَ من الإنصاف الحديث مطوّلاً عن غادة، بينما يكفي أن نقول:
“ولا عن ملامة ولا ندم
برجع ع حالي بجمعُن
كِلّي إلَك ما تغار”.

“إنت حبيبي – غادة شبير”.
https://soundcloud.com/walaa-hoboubati/nlwvt8puri8g

 

10- على سبيلِ المُصادفة التي قلّما تحدّث، ضلّت أغنيةٌ متناقضة طريقها فوصلت إلى يدي، نجحت بإعجازٍ بالغ أن تصِفَ حال نفوس معظم بنات هذا الجيل، من صراعاتٍ وصورٍ وألوانٍ وأحزانٍ وبهجات، وللمُفارقة غنّت هذه الأغنية فرقةٌ اختارت لنفسها اسمًا متناقضًا بدوره، “أقصى الوسط” فجاءت كلماتهم صادمة ولكنها في موضعها:
“إنتي حبيسة وحُرّة، إنتي حلوة بس مُرّة”.

“إنتي – أقصى الوسط”.

https://soundcloud.com/aqsaalwasat/aqsa-alwasat-enti

 

11- الأغاني التي تدعو للمصارحة، لعدم إخفاء الحقيقة لأن تقول للحلو يا حلو في عيونه، تحملُ دائمًا مذاقًا حلوًا وبسمةً صافية، هذا ما ميّز أغنيتي الحادية عشر والتي امتزجت فيها موسيقى شربل روحانا بصوت لبيبة وهي تُصارحُ محبوبها أنه:
“إنت الحلو خلّيك وبمين ما فكّرت، كل شي بيصير بيبلّش فيك وبيزهّر فيك”.

“إنت الحلو – لبيبة”.

https://soundcloud.com/tqassem/argjjgqd2rc3

 

12- في الثانية عشر، وبنفسِ الحلاوةِ والخفّة التي كسَت الأغنية السابقة، سلكَت جوليا بطرُس نفس نهجِ المصارحة والاعتراف، حينَ قررّت ألّا تتغاضى عمّا رأتهُ في محبوبها من صدقٍ وحُبٍّ وطلّة، رُبّما يكونُ ذلكِ دافعًا وشافعًا لها عندَ قلبه.
“من قلبك بتصارحني.. ما بتكذُب لا بتجرحني
ولا بتخجل من ماضيك.. ما هيدا الحلو فيك”.

“شو هالحلو فيك – جوليا بطرس”.
https://soundcloud.com/imadaq/chou-el-helo-fik

13- آية متولّي لها أسلوبٌ فريد الطراز، مزيجٌ بينَ السّرد والغناء، مع دقّات موسيقى خفيفة في الخلفية، تُجبرُك على تهدئة أفكارك إلى درجةٍ معيّنة تسمحُ بالتركيز مع صوتِ آية الذي ينسابُ بهدوءٍ لا يخلو من التوتر، كقطراتِ الماء التي تتساقطُ من الصنبور تباعًا يفصلُ بينها ثوانٍ معدودة وثابتة.
آية غنّت “أنا اتهدّيت” لتُجسّد حالة الإعجاب بين الغُرباء التائهين، كلاهما تائه، كلاهما مُتعَب، كلاهما يستجدي كتفًا للبُكاء أو عينًا تراهُ وتلحظُ همّه، لكنّه يستترُ خلفَ ستارٍ من القوة والتماسُك ويحتاجُ إلى جهدٍ غيرِ قليلٍ لهَد الحوائط التي بناها من حوله.
بدأت الأغنية بدعوةٍ صريحة من آية:
“تيجي نقوم نتمشّى، شكلك مهموم عاوزة أعرف مالك” وهي تعرضُ شيئًا رُبّما هو في حاجةٍ إليه لكنّهُ مع ذلك يلجأُ للمكابرة:
“لأ ده إنت عليك تُقل يهِد جبال وأنا اتهدّيت”.
لم تضَع الأغنيةُ نهايةً واضحة لذلك المشهد المُتكرّر، لكنّها تركتك أمامَ حالةٍ من التيه والاحتياج رُبّما تساعدك على تقديرِ ما حولَك من أكتافٍ وقلوبٍ تستندُ إليها فتمنعُكَ اللجوء إلى الغُرباء.

“أنا اتهديت – آية متولي”.
https://soundcloud.com/ayametwalli/wana-ethadeit

14- الجنونُ من طبعنا، نتصالُح مع تناقضاتنا ونرفُض أحيانًا التصالح مع تناقضات من نحبّهم، لكنّ جُزءًا من تناقضاتنا تلك هو في الأصلِ نابعٌ مِن أحبائنا، من افتقادنا لوجودهم حتى وهم أمامنا، من تصرّفاتهم غيرِ المحسوبة وتقصيرهم غير المقصود، أو رُبّما من إهمالهم أحيانًا لانشغالٍ أو لملل.
ياسمينا بعدَ أن سردت كل تناقضات مشاعرها تجاهَ من تُحَب، وصلت إلى نتيجةٍ واحدة، أنها حين قررت البحث عن البُقعة المُظلمة، عن مصدر العمى، وجدت نفسها تقول: “جيت تا لاقي ويْن العمى، لقيت العمى بقلبك.. العمى بقلبك”. فكانت تلكَ مُفضّلتي الرابعة عشر.

“جيت تا حبك – ياسمينا”.
https://soundcloud.com/ahmad-ali7/yasmina-fayed-ziad-sahab-jeet

15- يُمكنني أن أختم قائمتي بأغنيةٍ تُناسبُ ما نحنُ فيهِ من بردٍ في الشتاءِ وبردٍ في القلوب، بكلماتٍ تُناسبُ ما أصابنا مؤخرًا من فتور، وما في قلوبنا من أملٍ وحُبٍ يتوقُ للعودة إلى الحياة.
فكان صوتُ مُحسن الدافئ مناسبٌ للختام:
“صباح الجرح ع المكشوف، صباح الجرح في المدبوح
صباح ممسوح، ودموعه نازلة مفتفتة
شبه فتارين وسط البلد وسط الشتا”.
“مصر البعيدة – محمد محسن”.
https://soundcloud.com/mohsenband/t97g5phvfqkz

 

 

المقالة السابقة15 قرارًا فاجئت بها نفسي هذا العام
المقالة القادمةاستثمر في زوجتك
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا