“أُريد رجلاً” عمل درامي مُستفز أم واقعي؟

409

“أريد رجلاً” مُسلسل تليفزيوني مصري، مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتبة نور عبد المجيد، أُعيد عرضه حديثًا على القنوات الفضائية، ليُثير جدلاً بين مُتابعيه، بسبب قصة حب “سليم” و”أمينة” التي لفتت الانتباه، وأثارت غيرة الكثيرات، لتهل علينا يوميًا وبعد كل حلقة مُقتطفات من الحوارات الرومانسية بين الحبيبين، يتم نشرها مع الكثير من التنهيدات والـ”جاتنا نيلة في حظنا الهباب”.

 

فـ”سليم” -كما جاء في أول المُسلسل- شاب وسيم، يعمل وكيل نيابة ينتصر للحَق، من عائلة كريمة، إمكانياته المادية مُمتازة، وفوق كل ذلك رومانسي وحساس فعل المُستحيل ليتمكن من الزواج بحبيبته التي يتمنى لها الرضا ترضى، ما أدى بالتبعية إلى رفع شعار “كُن لها سليمًا، تكُن لك أمينة”.

 

وهنا جاء دور التيار المُضاد، الرافض لسياسة “النحنحة والاستغفال”، فإذا بمن شاهدوا المُسلسل كاملاً يقومون بصفع الحالمين، ونشر تفاصيل الحلقات المُقبلة وإعلان قيام “سليم” بالزواج من أخرى، وهو ما يُبرهن مقولة إن “مفيش حاجة بتفضل على حالها”.

 

ما أسقط البطل من نظر الغالبية العظمى من النساء، حتى ولو كان زواجه الثاني جاء على مضض دون إرادته، ما جعله طوال الوقت شاعرًا بالذنب، والأذى الذي ألحقه بحبيبته، ليحاول تعويضها بإغداق الحُب عليها، قبل أن ينكشف السر بطريقة ما، فتُقرر “أمينة” الانتقام لكرامتها، ولو كان ذلك يَعني في المُقابل خُسارة حُب العُمر.

 

فلم تعد النساء كالسابق يتقبلن الهجر والخيانة، أو اقتسام الزوج مع أخرى، المُبررات لم تعُد كافية، والتضحية “مبقيتش جايبة همها”، أما الأسطوانة التي تُحَمِّل الذنب للزوجة وحدها وكونها من اضطرت زوجها للبحث عن أخرى، ففقدت سحرها وانكسرت ليصبح على كل طرف في العلاقة دفع ثمن ما اقترفه، دون أن يتحمل طرف وحده الخسارة.

 

لذا -على عكس من رأى المُسلسل مُهينًا للمرأة خادعًا لها باسم الحُب- أرى أن هذا العمل الدرامي أحد أكثر الأعمال التي انتصرت فيه المرأة لنفسها، لكرامتها وكبريائها، ففي الوقت الذي شاهدنا فيه نساء مُنكسرات بفِعل الحُب، وجدنا كذلك من دافعن عن حقوقهن، ورفضن الرضوخ لسطوة المُجتمع أو الاكتفاء بالنظر من خلف نظارته السوداء.

 

إذ عرض لنا المُسلسل نماذج لسيدات عديدات، فرأينا:

– من خيَّرَت زوجها إما هي وطفلتها وإما المرأة التي أحبها عليها.

– من قررت الانتقام –إثر الزواج الثاني- بضرب كرامة زوجها في مقتل تمامًا كما فعل معها.

– من رفضت الاستمرار في نصف زيجة بسبب عدم قُدرتها على الإنجاب، ثم رفضت الزواج مرة أخرى فقط لإسكات المُجتمع المريض عن الخوض في سيرتها.

– من وقفت في وجه الزواج الصالوناتي من أجل ضِل الراجل، ففارس الحلم، وإلا فلا.

– من تذللت ورضخت للرجل الذي أحبته على حساب كل شيء.

– من ظلمت وتحكمت بمصائر الآخرين، لفرض رأيها ولو بأي وسيلة.

– من أحبت الرجل المناسب في الوقت غير المناسب فخانها حظها في أول الرحلة ثم في آخرها.

– من اختارت مُستقبلها المهني على حساب بيتها وزوجها، قبل أن تكتشف فداحة الخُسارة.

 

وأمثلة أخرى كثيرة، ما يؤكد حِرص صُناع العَمل على فَرد مساحة عريضة ومتنوعة لنساء كثيرات من خلفيات ثقافية مُختلفة، بأحلام وطموحات متنوعة، وعُقد شخصية مُتفردة، فلكلٍ منا “كلاكعيه” الخاصة جدًا والتي تؤثر بشكل أو بآخر على حياته واختياراته.

 

وبالطبع أمام عمل فني كهذا لا بد أن تختلف قرائتنا له وفقًا لأفكارنا الشخصية، ومبادئنا التي نؤمن بها فنُدافع عنها، فمن أراه أنا على صواب، وارد جدًا أن يراه غيري على خطأ.

 

على سبيل المثال:

– في الوقت الذي غضبت فيه الكثيرات لأن “سليم” تزوج على “أمينة”، وجدت أنا ذلك “عادي بيحصل”، لا أقبله بالطبع، لكنه لا يُفاجئني. ففي حياة كل منا صار هناك ذلك الثُنائي السعيد جدًا والذي وصل لنفس النهاية، في صدمة من الجميع، حتى أبطال الحكاية أنفسهم.

أما الـ”مش عادي” -من وجهة نظري- فكان قصة الحُب اللي مفيهاش غلطة، خصوصًا أن الحياة أثبتت أن وحدهم البُلهاء من يُصدقون ذلك، دون أن يتعارض ذلك مع حقيقة كَون الحُب عظيمًا وموجودًا، بل وأحد أفضل المشاعر والتجارب في الحياة.

 

– وفي حين رأي الكثيرون والد البطلة ما هو إلا ضحية لجبروت زوجته التي رفضت أن تتركه يتزوج عليها المرأة التي أحبها، ما جعله تعيسًا، حتى أن أول ما فعله بعد موتها كان قراره بالبحث عن حبيبته القديمة.. وجدته أنا ظالمًا لنفسه ولمن حوله.

ظلم نفسه حين تخلى عمن جعلته سعيدًا من أجل البقاء مع ابنته، ثم ظلم ابنته حين جعلها تعيش في منزل خالٍ من الحُب، وظلم زوجته حين استمر معها مُرغَمًا فلم يستطع إسعادها أو يسمح لها بمُحاولة إعادة اختراق قلبه.

 

– وهناك أيضًا الزوج الذي اعتاد خيانة زوجته حتى وقع في الحُب “بجد”، إلا أن المرأة التي أحبها لم تغفر له خداعها وعدم إخبارها بحقيقة زواجه، حتى ولو كان الزواج فاشلاً وعلى حافة الطلاق. ليصبح المُستفِز هنا ليس الزوج البصباص الذي يُحاول عَيش دور الضحية/ الرومانسي، بقَدر ما هي الزوجة التي تعلم أفعال زوجها لكنها تصبر وتحتسب لعله يعود إليها بعد أن يمَّل أو يعرف أن الله حق.

 

– أما أكثر شيء مُثير للانتباه في المسلسل –في رأيي- هو قُدرة كل أبطال العمل -بسم الله ما شاء الله- على إيجاد الحُب مرة أخرى، سواء بعد الانفصال عن الزوجة أو وفاتها، أو حتى في حياة عينها، وهو أمر وارد فعلاً للأسف وقُابل للتصديق، لكن هذا لا يُقلل من حقيقية كَونه مُحزنًا للغاية.

لأنه يُثبت أننا لسنا سوى محض تجارب في حياة الآخرين، وأنه مهما بلغ الأثر الذي تركناه في حياتهم سيستمرون بعدنا “عادي جدًا”، مثلما ستستمر حياتنا دونهم “برضو عادي”. وهو ما يؤكد ضرورة النظر للعلاقات باعتبارها مثل كل شيء في الدنيا له أول وله آخر، ومهما بلَغَت قوته ليس عليه –بالضرورة- الاستمرار للأبد، فكل الأشياء إلى زوال، حتى المشاعر.

 

وإن كُنت لا أريد لمن يقرأ هذا المقال أن يتصور أنني أكتبه من منطقة سوداوية، أو أنني امرأة لا تؤمن بالحُب وسِحره، كل ما في الأمر أننا كبرنا، وصِرنا ننظر للحياة بواقعية ونظرة أكثر شمولية، فليس فينا الشياطين أو الملائكة، بل نحن مُجرد بشر، نُخطيء فنندم، أو نتمادى في الخطأ، يُستهان بنا ويتم استغفالنا فنغفر، أو نرفض مُلملمين بقاينا للرحيل.

 

ولأنه ما من صواب أو خطأ في المُطلق علينا أن نعيش تجاربنا دون أحكام أو توقعات مُسبقة وفقًا لقواعدنا الخاصة، لا قواعد أملاها علينا الآخرون، وأن نُحَكِّم إنسانيتنا ولا شيءٍ آخر بين بعضنا بعض. والأهم ألا نسمح للحياة أن تُثير دهشتنا حين يسقط النُبلاء في الوَحل، أو حتى حين نسقط نحن. فالعيب وقتها لن يكون في السقوط نفسه بقَدر ما سيكون في تصورنا أن هناك من هُم معصومين من الخطيئة في الأساس.

 

 

المقالة السابقةمفيش حاجة جاية في السكة ولا إيه؟
المقالة القادمةخد القرد على ماله
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا