أوبرا وينفري.. أوسكار أنجح ست

808

انجي ابراهيم

تم نشرة في 09/19/2016

وقت القراءة : 4 دقيقة

 

مفتتح:

في 2010 كنت بدرس كورس إنجليزي وبيزنس، ضمن منحة مقدمة من إحدى المؤسسات المعنية بالشباب، وقتها المسؤولة عن الكورس طلبت من كل بنت فينا تعمل برزنتيشن عن شخصية ما، أنا فاكرة البرزنتيشن بتاعي، فاكرة ارتباكي ودقات قلبي السريعة، فاكرة شرايح الباور بوينت وهي بتتابع قدامي وأنا بشرحها بلغة إنجليزية سليمة لكن مش مفهومة من فرط عصبيتي وتشتتي وأنا بتكلم، وفاكرة كمان إن البرزنتيشن بتاعي اترفض، المدربة قالتلي بالحرف الواحد “البرزنتر لازم يكون حيادي.. إنتي حماسك كان مغطي على مهنيتك وإنتي بتقدميلنا العرض.. عرضك مرفوض”.

 

البرزنتيشن ده كان عن أوبرا وينفري.. الست الوحيدة اللي اتمنيت أكون هي ولو ليوم واحد.

 

***

 

“لقد ظللت في السجن حتى قاربت على التعفن حتى الموت، أعرف كيف يبدو الأمر عندما تريد أن تذهب لمكان ما ولا تستطيع، أعرف كيف يبدو الأمر عندما تريد الغناء ولكن عوضًا عن ذلك يضربونك”.

 

تلك كانت كلمات “صوفيا” في فيلم “اللون الأرجواني”، أحد أعذب الأفلام التي يمكنك مشاهدتها، ربما كلمات “صوفيا” تلك هي بالضبط ما جعل “أوبرا وينفري” التي قامت بالدور وترشحت عنه لجائزة أوسكار، أن تصبح أغنى سيدة سوداء في أمريكا.

 

لم تحصل “أوبرا وينفري” على طفولة بالمعنى المفهوم، فهي ولدت لأبوين مراهقين دون زواج، وعاشت مع جدتها في كوخ دون كهرباء ولا ماء، وكانت طفلة حافية دون حذاء حتى بلغت السادسة من العمر، وفوق كل ذلك البؤس قرر أقاربها أنها فريسة سهلة، فتعرضت لتحرشات عديدة وصلت لحد الاغتصاب الكامل من أحد أقاربها، ثم حملت سفاحًا في الرابعة عشر من عمرها، ومات طفلها بعد ساعات من ولادته.

 

أي طفولة تلك التي يمكننا أن نتحدث عنها؟! تلك الطفولة تلخصها كلمات “صوفيا” التي ذكرناها آنفًا، فتلك الفتاة الصغيرة كادت فعلاً أن تتعفن حتى الموت في منفاها اللا إنساني ذلك، تلك الطفلة كانت تعرف كيف يكون الشعور عندما تريد شيئًا ما ولا يمكنها الحصول عليه، وتحصل على الألم عوضًا عنه.

 

كان من الطبيعي أن تكبر تلك الطفلة لتكون مراهقة متمردة، وبالفعل، واجهت “أوبرا” وحشية العالم الذي كاد أن يفترسها بوحشية من نوع آخر، أدمنت جميع المواد المخدرة وكانت تصرفاتها خارجة عن السيطرة تمامًا، حتى أن أمها (التي تذكرت فجأة أن لها ابنة) أودعتها دار رعاية “جوفينيل” لتأهيل المراهقين الجانحين.

 

تقول “صوفيا” في فيلم “اللون الأرجواني” موجهة حديثها لبطلة الفيلم “سيلي”: “أود أن أشكرك على كل شيء فعلتِه من أجلي، أتذكر يوم تقابلنا في المتجر وساعدتني، عرفت لحظتها أن الله موجود.. عرفت لحظتها أن الله موجود”.

 

ربما مرة أخرى تتحدث “صوفيا” بما اعتمل في قلب “أوبرا” يومًا ما، ربما وجودها في دار الرعاية ومقابلتها لأشخاص يساعدونها كي تكون أفضل ساعدها في أن تعرف أن الله موجود، وتخرج لتصبح مراهقة صالحة، اجتماعية جدًا للدرجة التي جعلتها تحصل على لقب “ملكة جمال المراهقات السود في تينيسي”، وتجعلها في عمر السابعة عشر مشارِكة في جميع النشاطات التي يمكنها أن تشترك فيها، وحين كانت في سنتها الأولى في الجامعة عملت “أوبرا” كمقدمة برامج في الإذاعة، ثم انتقلت للتليفزيون، لتصبح ملهمة العالم.

 

بدأت “أوبرا وينفري” بث برنامجها “شيكاجو صباحًا” في سبتمبر 1984، ولاقى البرنامج نجاحًا غير متوقع، ما جعله بعد عام واحد يتم تغيير اسمه إلى “أوبرا وينفري شو”، وكانت تلك معجزة حقيقية في هذا الوقت، ولكن المعجزة ظلت تحدث لمدة سبعة وعشرين عامًا، هي مدة إذاعة برنامج “أوبرا وينفري” والذي أذيعت الحلقة الأخيرة منه عام 2011.

 

ظلت “أوبرا وينفري” طوال تلك المدة تتضخم إنسانيًا، ناهيك بثروتها التي بلغت أكثر من 2 بليون دولار، وكونها تحتل رقمًا في قائمة أغنى أغنياء العالم، إلا أن كل تلك الأموال لم تجعل “أوبرا وينفري” تنسى تلك الفتاة الصغيرة الحافية المنبوذة المغتصبة، وقررت أن تكرس نفسها لمساعدتها.

 

اهتمت “أوبرا وينفري” بمساعدة الفتيات وأنشأت مؤسسات ومعاهد تعليمية خاصة بهن، وتتبرع سنويًا بملايين الدولارات كي لا تتعفن إحداهن في السجن حتى الموت.

 

هناك من يعيش مأساة فيسقط، وهناك من يعيش مأساة فيتخطاها وينجح، أما “أوبرا وينفري” فقد نجحت دون أن تتخطى مأساتها، وربما هنا بالضبط تكمن روعتها، فهي لم تنس يومًا أنها كانت لقيطة ومنبوذة أحيانًا، ومدمنة أحيانًا أخرى، ومظلومة في الكثير من الأحيان، لم تبعد “أوبرا” يومًا السيناريو البديل الذي كان يمكن أن يحدث لها عن ذهنها، فكافحت بضراوة كي لا يحدث لأخريات.

 

كانت “أوبرا” تتبنى رسالة ضخمة، لا مشروع برنامج تليفزيوني ناجح، فهي اهتمت بتثقيف المجتمع من خلال “نادي كتاب أوبرا” الذي كانت تفرد له حلقات طويلة من برنامجها، وتبنت قضايا كبيرة منطلقة من تاريخها الخاص، والذي جعل الرئيس “بيل كلينتون” يقوم توقيع قانون خاص بالمسيئين للأطفال عرف باسم “قانون أوبرا” عام 1993.

 

لم ينته دور “أوبرا وينفري” بانتهاء بث برنامجها، ولكنه بدأ بشكل أقوى، تفرغت “أوبرا” لمشاريعها الخيرية جنبًا إلى جنب مع مشاريعها الربحية المتمثلة في “استوديوهات هاربو” ومجلة “أو”، فتبنت خمسين ألف طفل إفريقي لتنقذهم من المصير الذي كان يمكن أن يلتهمها صغيرة، وتتابع المؤسسات الخيرية التي تقوم بالتبرع لها بمبالغ طائلة، ربما لن تتمكن تلك المؤسسات دونها من القيام بواجبها نحو الأطفال المعوزين، بل إن “أوبرا” تهتم بحقوق الحيوان أيضًا، ويصل نشاطها إلى المشاركة مع جمعيات لحماية الحيوان.

 

لم تنس يومًا “أوبرا” أنها كانت طفلة محتاجة للرعاية والحب، فآثرت أن تمنح ما افتقدته في طفولتها لأطفال آخرين يكبرون لينقذوا غيرهم وتستمر متتالية حب خالص، وإنسانية لم يقدر على تشويهها كل البؤس الذي تعرضت له، فحق لها أن تكون اسم علم يكفي نطقه كي تقفز صورتها إلى ذهنك، وألا يحتاج اسمها إلى تعاريف أخرى ليفهم الآخرون عمن تتحدث عندما تقول “أوبرا”.

المقالة السابقةاشتباك.. مقطع أفقي في مصر بعد تلاتين ستة
المقالة القادمة7 مُشكلات تواجه المُطلقات.. لكنهن لا يخشونها
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا