البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي

2462

بقلم/ آية إبراهيم

يأسرني أدب الرسائل عن غيره من أنواع الأدب الأخرى، أحب أنها أحيانًا تصل إلى أشخاص كثيرين لكن لا تصل إلى المُرسل إليه، يروق لي أن نكتب للغائبين والحاضرين الذين لا نعرف كيف نبوح لهم بما في داخلنا، أو الذين لم يأتوا بعد، لكنهم أخذوا في القلب مُستقرًا ومقامًا. تمسّني بعض الرسائل رغم أنها لم تُكتب لي، فماذا عن الذين كُتبت لهم، وكأن كتب الرسائل تحمل شعور المُرسِل بين طياتها، تحمله حيًا وصادقًا ودافئًا.

أما بعد/

أحببت أن أكتب إليك رسائل، لا أعلم إن كنت ستقرؤها يومًا أم لا، أنت الغائب الذي لم يأتِ حتى الآن، أنت الذي تملكتني بينما لا وصل بيننا. رتبت أوراقي بعناية واستعددت بجوارحي لأكتب بأصدق ما يحمله قلبي من شعور، رقّمت الرسائل ووضعت عليها التوقيتات بالساعة والتاريخ، لربما تصلك يومًا فتكون مُرتبة، رغم أن رسائلي نفسها عشوائية تمامًا (تُشبهني وتُشبهك) كيفما كانت أحبها، لا لأني من يكتبها، بل لأنها الشيء الوحيد الذي يجعلني على وصال معك.

إلى من يقرأ الآن لا إليك، بعض رسائلي..

الرسالة الأولى

جاء قرار الكتابة إليك بعد شجاعة كبيرة حاولت أن أستجمعها. تعرف أن الكتابة مواجهة تحتاج صدقًا كبيرًا، والأمر يبدو غريبًا، أن أحب شخصًا غير موجود، أو تحديدًا لا يعرف أني هُنا، وأن أنتظره وأشتاقه دون مؤشر على مجيئه.. الاحتمال الأكبر أنك لن تأتي، لكن ذلك لن يُزعجني. إنها مشاعرنا ليست بأيدينا، نحن نعيش على الاحتمالات، نعيش على أمل أن يحالف الحظ قلوبنا يومًا.

الرسالة الثامنة

تمنيت لو أن هناك جانبًا آخر للقصة عندك لا أعرفه، لو أن كلماتي تستوقفك، لو أن رسائلي التي لا أرسلها تصل إليك، أن يأتي يوم ونتبادل أطراف الحديث. تحكي لي وأحكي لك، ويمر الوقت سريعًا دون أن نشعر بشيء سوى هدوء أرواحنا بعد تلك الرِفقة.

الرسالة الثانية عشر

لو أن الأيام السخيفة والمرهقة تنتهي عندك فيزول كل شيء بك، بسماع صوتك مثلًا.. بصدفة عابرة تجمعنا في الطريق، بأي شيء منك، لا حاجة لأي شيء سوى وجودك، لأتجاوز أيامي السيئة، أو هكذا أظن. أردد كل ليلة “لو أنك هُنا”.

الرسالة الخامسة عشر

مساؤك.. لا جديد. الأفكار تذهب حولك وتأتي، أتعلق بمجيئك وأفلت يدي من انتظارك في اليوم والليلة عشرات المرات، أصاب بالصداع من فرط انشغالي، فيتحول الأمر لكراهية بحتة لوجودك وغيابك على حد السواء، كل هذا ولا شيء منك.

الرسالة السابعة عشر

يأبي قلبي ألا يميل إليك.. حياتي مُظلمة تمامًا ولا نور في قلبي سوى عند اللحظة التي تظهر فيها، ولو من بعيد.. ولا أمل في قلبي إلا سواك. عزيزي.. هلا أتيت فيطمئن قلبي بك؟

الرسالة الثامنة عشر

أكتبها بينما أنتظر حفل أم كلثوم المُذاعة في الساعة العاشرة مساء كل يوم، فجاءتني بألحان أغنيتها المُحببة إليَّ “أغدًا ألقاك”. بالتأكيد مُصادفة، لكن تمنيت لو أنها إشارة إلى لقاء يجمعنا في القريب.. “آه من فرحةِ أحلامي ومن خوف ظنوني”.

الرسالة الحادية والعشرون

سيكون من اللطيف جدًا لو أنك تشتاق إليّ الآن أو تبحث عني!

الرسالة الثالثة والعشرون

أتوقف عن الكتابة إليك أيامًا، أحدث نفسي أن كيف أكتب للمجهول الذي لم يأت بعد؟! يقاومني كبريائي مرة ويهزمني الاشتياق مرة أخرى، وينتهى الأمر أن أكتب عتابًا يليق بي وبك.. لماذا أنت بعيد إلى هذا الحد؟

الرسالة السابعة والعشرون

هذه الليلة أشعر وكأنني أحب الغياب والغائبين، ولربما أنتمي إليهم قريبًا.. لا أمِّل من الانتظار. فقط أحاول ألا أنتظر، لا شيء يهم الآن، أكِّن شعورًا بالامتنان تجاه شعوري كيفما هو.. الحب، الشوق، الشغف.. كلها أشياء تقول إن لي قلبًا ينبض، وهذا وحده شيء عظيم، أتأمل السيدة فيروز وهي تُغني “أهواك بلا أمل وعيونك تبسم لي”، نعم يا فيروز هكذا تمامًا.

الرسالة قبل الأخيرة

لا أعلم عند أي محطة سينتهي بي الأمر، هل أسلمك الرسائل أم أمزقها قبل أن تصل إلى يديك؟ تُرى سأنساها وأنساك وكأنك لم تمر على قلبي؟ ولكن كيف وقد بقيت فيه لأيام وليالٍ طوال، ليس لدي فيها حيلة سوى الكتابة؟1 على كل حال مُلهمي أنت وأجمل أبطالي، ولو تبخرت المشاعر من بعد، سأبقيك سرًا لطالما أحببت أنه شغلني.

يُتبع..

المقالة السابقة10 تطبيقات تساعدِك على تنظيم إجازتك ورحلتكِ إلى الشاطئ
المقالة القادمةزمن الصيف الجميل: ذكريات البهجة رغم ضعف الإمكانات
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا