بقلم: جيلان صلاح سلمان
أمس، بينما أستمع لأغنية تميم يونس الجديدة سالمونيللا كنت أحذف تعليقًا مسيئًا تركه أحد الرجال على بوست خاص بي على فيسبوك، بعد أن تجاهلت رسالته الخاصة التي وصفني فيها بالأميرة وجميلة الجميلات.
لم تغضبني أغنية سالمونيللا ، على العكس، فهي واقع تعيشه المرأة المصرية كل يوم. هناك من يتوددون لها، يحاولون مصادقتها أو إغراقها بالمشاعر واللمسات العاطفية، وكأنما رد الفعل المفترض هو الاستجابة لهذه الإطراءات دون أدنى تفكير. فأين تجد الفتاة في عصر قل فيه الرجال، وزادت الأعباء الاقتصادية، رجلاً يريدها بكل هذا الشغف والعنف؟
فحتى العلاقات العاطفية غير المقننة، والتي لا يوجد هدف منها، لم يعد الكثيرون يسعون إليها، نظرًا لارتفاع التكاليف، هرب الجميع إلى شبكات التواصل والإنترنت للبحث عن جميع أنواع الحب، حتى الممارسة الجسدية لم تسلم منها شبكات التواصل، بجميع أنواع الانحرافات الجنسية، المهم أن الفتى والفتاة سيجدان ما يمكنهما من ممارسة ما يرغبان فيه سرًا.
ليست هذه هي المرة الأولى التي أواجه فيها موقفًا مثل السابق. ذات مرة، حاول شخص مرتبط بالفعل التودد إليّ، وعندما تجاهلته، أعطى تقييمًا سلبيًا لمقال نشرته على أحد منصات النشر، وكتب أسفل منه تعليقًا سُميًّا أفرغ فيه انفعالات راجعة إلى تاريخ المحادثة، التي حاول من خلالها اجتذابي بشتى الطرق التي رفضتها. رد فعل الرجل المصري عنيف جدًا تجاه الرفض، وإذا كان هناك “تريند” للفتاة المجنونة التي لا تقبل الرفض أو التجاهل من حبيبها، فإن الحبيب الذي لا يقبل “لا” كإجابة على طلب صداقته، مواعدته… إلخ، هي ظاهرة تستحق التوقف أمامها.
كيف تجعلك الميديا تتعاطف مع الجاني!
ظهر مؤخرًا مسلسل على منصة نتفليكس الإلكترونية، بعنوان أنتِ/ You. يتحدث –ربما لأول مرة- من وجهة نظر متلصص على النساء، معجب، لا يقبل الرفض أو أن تهجره امرأة، وعلى أساس الشخصية التي يقوم ببحثه عنها، يبدأ في نسج شباكه حولها، يدخلها عالمه، ويتخلص من أي عائق يقف بينه وبينها. لاقى المسلسل نجاحًا ساحقًا، وتعاطفًا مع الشخصية الرئيسية “جو جولدبرج“، على الرغم من أنه قاتل سايكوباتي ومتلصص على النساء.
تعاطف الجميع مع رجل احترف اختراق حسابات النساء، ودمج نفسه بحرفية في حيواتاهن، عن طريق تتبع متقن لاهتماماتهن، والذي سهَّلته الحياة المفتوحة في السوشيال الميديا، التي يستطيع أحد المختلين عن طريقها تتبع حياة أي شخص يريده، حتى المشهورين.
وفي عالم تشعر فيه النساء بالخطر في كل خطوة يخطينها خارج المنزل، يبدو نموذج “جو” تكريسًا لهذه الخطورة، بل ومحاولة تجميلها، حتى أن البطل الرئيسي بن بادجلي، أثناء مقابلة له مع بطلة مسلسل “جين العذراء”، ذهل من قدرة المجتمعات على التعاطف مع رجل أبيض أعزب، وقارن الوضع في حالة أن بطل مسلسل “أنتِ” كان رجلاً أسود البشرة (أفروأمريكي) أو من أصل لاتيني أو آسيوي.
مسلسل You أحدث ثورة عند الذكور المصريين في العشرينيات-الثلاثينيات، أغلبهم إن لم يكن جميعهم تعاطفوا مع “جو”، بل أن أحد أصدقائي هاجم حبيبته “بيك” ورأى أن “جو” أحبها بإخلاص، بينما هي التي استغلت مشاعره بادِّعاء دور الضحية الذي تجيد النساء لعبه. تجاهل صديقي المتمرد أن “جو” قاتل محترف، يجيد إخفاء آثاره، وتعاطف مع حبه المريض المهووس بـ”بيك”، والذي رأى أنها استحقت ما حدث لها، لأنها من نوع الفتيات اللاتي يستمتعن بإثارة التعاطف، مع عدم الوفاء لرجل بعينه، بل لأي رجل يظهر تجاهها تعاطفًا أو اهتمامًا.
الثقافة الشعبية المعادية للمرأة
في أغنية سالمونيللا شعور مرعب بالترقب من شاب مصري، يهيم حبًا في محبوبة مفترضة، فهو سيرسم لوحتها، سيشترك لهما في أحد النوادي الراقية، سيفتعل المشاجرات فقط ليصالحها، بل وسيطهو لها بنفسه، ثم ينقلب 180 درجة عندما يتخيل رفضها له. سيمزق لوحتها، سينشر عنها فضائح ويلوث سمعتها، سيحلم بأن يصيبها مرض لتفقد جمالها، وعندها لن تجد سواه. فيما يشبه هيام أحدب نوتردام بهيكل إزميرالدا العظمي، عندما لم يستطع نيل حبها حية، فاكتفى بها ميتة.
حكاية الشاب المحب المهووس بامرأة واقتفاء أثرها، يعطي جرس إنذار عن الشخصية المؤذية للنفسية أو للمشاعر، والتي ليست بالضرورة رجلاً، ولكن أحد أفراد الأسرة أو صديقة. والإحصائيات العالمية تشهد بتعرض المرأة للعنف أو العلاقات المسيئة بنسبة -حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية عام 2017- تصل إلى 35% بمعدل امرأة من بين كل ثلاث نساء.
شخصيًا لم أستمتع بمسلسل You ولا بأغنية سالمونيللا وإن أثارا اهتمامي بشدة، ربما لأن من ذاق مخاوف التعامل مع شخصيات سايكوباتية لن يعتبر الأمر مجرد مزحة أو مسلسل عن رجل وسيم، لكنه فقط يمارس الشر على الهامش. لكن الأزمة ليست موجودة في مسلسل أو أغنية. لدينا ثقافة سينمائية وغنائية تكرس للعنف الجنسي والبدني والاستغلال النفسي للمرأة، بدعوى الحب. وعلى الأقل فأغنية سالمونيللا قد لا تؤخذ بجدية، لكن أغنية مثل “واحدة تانية خالص” لدنيا سمير غانم، أو معظم الشخصيات النسائية في أفلام تامر حسني، والأغاني التي كرَّس فيها على مدار عقد للتحرش، هي كلها مغذيات لضياع مبدأ استقلالية المرأة الشخصية أو العاطفية، وطلبها لحب يحترم كيانها، ولا يعتمد على نيل قبول الطرف الآخر.
عشان تبقي تقولي لأ
تميم يونس يثير الجدل على مدار عدة سنوات بأغانيه، والتي أرى أنها تحدث حوارًا ونقدًا مجتمعيًا هامًا وجادًا، على الرغم من طبيعتها الخفيفة والتي قد تبدو تافهة. تميم الذي احترف دراسة وتطبيق تأثير الإعلان على سيكولوجية الفرد من خلال حملات إعلانية ناجحة لبراندات مثل فودافون ونسكافيه وأورانج. حتى اختيار العسيلي (وهو مطرب الأفراح الذي تُستخدم الكثير من أغانيه كعنوان لبداية العشاق حياتهم الزوجية الجديدة)، جاء في محله كصورة ذهنية لمطرب يكرس للرومانسية، بينما ظهرت مؤخرًا لمحات من حياته الشخصية وتعامله مع المعجبين، تظهر جانبًا مظلمًا يتنافر مع البيرسونا اللذيذة المحبة، التي تكرس لها أغانيه.
وما زال تميم قادرًا على إثارة الحراك الشعبي العام، فقد أصبح ظاهرة للثقافة الشعبية pop culture، ونرى تأثيره من خلال محاولة تطويع ما ينتجه من أعمال إبداعية، لتفصيلها على أعمال أخرى، سواء مكتوبة أو مرئية. تميم يفضح ويجرد الثقافة الشعبية، والتي هي في حقيقتها –للأسف- معادية للمرأة. ليس هو الأول ولن يكون الأخير، لكن اختياره الصادم والهجومي جعل منه هدفًا لتصيد الطبيعة المصرية المعادية لتحرر واستقلالية المرأة، وإلا –بالله عليكم- ما الذي يجعل أغنية تميم أسوأ من واحدة ينظر فيها المطرب لمؤخرة امرأة، بينما يشدو “أكتر حاجة بحبها فيكي هي دي”؟!
اقرأ أيضًا: العنف ضد المرأة 1: حكايات ضحايا العنف الجنسي