بقلم: أمل محمد عبد الجليل
أكتب الآن في ليلة من الليالي التي لا تبدو أنها سَتمُر مُرور الكِرام، فالوقت مناسب تمامًا لِتَذكر كل ما هو مُوجِع. التواريخ التي حُفرت في الذاكرة، الأغاني، الأماكن، حتّى تلك الأحاديث الفارغة التي لا أذكرها، بدت لِي الآن أكثر معنى من أي شيء آخر، كل ذلك وأكثر مما قرروا فجأة أن يكونوا أخصامًا عنيدة ضد أهم معاركي مع نفسي، ألا وهي التجاوز.
كُل هزيمة تَتلقاها، تشعر وكأنّها الأخيرة، ولكنّها أَتَت لِتُربت على كتفَيْك وتقول إنَّ سَابِقتها كانت هَينة بعض الشيء، تأتي لتؤكد أنّ الحياة لا زالت قادرة على صُنع المزيد من المفاجآت، التي غالبًا ستكون أكثر سوءًا.
كُنتَ شديدة العلم بأنّي صاحبة الخَيبات المُتتالية، ولكنّي لمْ أُدرك يومًا أنّكَ ستكون خَيبتي التالية. كنت أظن دومًا أنّك انتصاري على العالم، على القلق، الخوف وكأنني معك ولأول مرة أشعر بالأمان كمَا لم أشعر من قَبل، أسمع أغاني الغرام وكأني كنت صمّاء قبل وقتنا هذا. أُعيد ترتيب المَشهد بشكل جميل وكأنّي أكتشف كل شيء معك من جديد، كأنني أُولَد لأول مرة.
اقرأ أيضًا: بعد رحيل الأحباب: كيف شكَّلتني تجارب الفقد
فلا عُدت أؤمن بالمنطق ولا النظريات ولا الوقت، خذلتُ إيماني كله في الصُدفة التي جمعتنا، كل شيء كان جميلاً حينذاك، جميل بشكل كان يُثير مخاوفي مِرارًا. لمْ أتخيّل قَطْ أن تكون أنتَ إحدى هزائمي، فكيف يهزمك شخص بَدا يومًا أحد انتصاراتك الصغيرة؟
أحمل العديد من التساؤلات التى تجعل خطوة التجاوز تزداد صعوبة، فلا أنا أجِد إجابات تُرضيني ولا يكف رأسي أبدًا عن الأسئلة. كيف يُمكن لِشخص أن يكون بِذاته الجانب الجميل من الحياة، أن يكون مصدر الإلهام، وأن تكون عَيْناه بوابة للأحلام؟ يبتسم فترى في ابتسامته كم أنّ العالم وَردي وما زال هناك مُتسع للأمل وللحب.
وفي غفلة من الزمن، يختفي كل ذلك، ليؤكد لك بطريقة غير مباشرة أنّ لا مكان للأحلام هُنا.
أعترف، إننا لا نفقد الأشياء/ الأشخاص فحسب، ولكن نفقد جزءًا منّا، فكل مرة يغيب أحدهم، لنتدارك مؤخرًا أننا ننفصل عن ذواتنا للأبد ونكفُر –للأسف- بالبدايات ودهشة الصدف ولذة المواعيد.
أنا بخير.. أنا فقط أشعر أنّي لا أملك شيئًا وأنّ الحقائق –جميعها– مُبهمة أمامي، وأنّه لا شيء حقيقي الآن سوى أننا افترقنا وعليّ تقبُل هذا.
أحيانا يُراودني أنّ كل ما يدور في رأسي حُلم مثلاً، أو إنْ صَحَّ التعبير كابوس هاجمني ذات ليلة ومن حينها لم يأتِ النهار.
الهزيمة كانت تَكْمن في ثقتي بِك، في ثقتي بنفسي التي فقدتها، في الخسائر النفسية الفادحة التي لازمتني حِينها وما زالت تُرافقني حتى الآن، ولم يكن الوقت كفيل بها للأسف.
أفكر أحيانًا، ألَمْ تكن هناك نهاية أقل قسوة؟
من المؤكد أنّه كان من ممكن أن تنتهي القصة دون أنْ تترك لِي في ذَيلها ذاك الخراب، على الأقل نهاية تليق بي.
مِن تصارع الأحداث ورَفضْ رأسى التصديق، كِدتُ أرى ذاكرتي تتساقط أمام عيني، وكأنها أَبت أنْ تُسجِل أحداثًا جديدة، غير مكترثة، فالعالم يدور ويدور وأنا هُنا في مكاني في نفس ذات اللحظة التي توقّف عالَمِي عندها، كُنتَ أنتَ عالمِي وكنتُ أنا في غاية الرضا بهذا. ولكنْ لا بأس، أنا الآن أفضل، أَخْطُو خُطوات ثقيلة نحو التعافي –ليس منك– ولكن من قسوة التجربة.
وعلى رغم ثقل خُطواتي، فأنا لا أملك انتصارات غيرها الآن. وعلى بالى دائما جملة أبلة تهاني:
ولأنّ الحياة ستظل تُفاجئنا دائمًا ولأنّ البهجة تبحث عنّا كما نبحث عنها