وهم الاستقرار

675

 

بقلم/ إيمان عمر

 

عندما كنت جنينًا في بطن أمك تشعر بالأمان والراحة، حيث كل ما تريده يأتي إليك دون أن تتحمل حتى عناء السؤال. قطعًا لو خُيِّرت حينها بين الخروج للحياة أو البقاء هكذا في هذا المكان المظلم لاخترت أن تبقى فيه للأبد، ولكن تأتي قوة لتدفعك للخارج رغمًا عنك، وعندما تخرج تشرع في البكاء المرير وتملأ الدنيا ضجيجًا ولسان حالك يقول “لا أريد أن أخرج من هنا، لا أريد أن أفقد أماني، لا أريد أن أختبر المجهول، أنا هنا أشعر بالأمان، لا أريد أن أختبر أي شيء جديد.. اتركوني”.

 

ولكن هيهات.. لا بد أن تخرج، نعم سوف تبكي قليلاً، ولكن بعد ذلك ستبهرك التجربة، ستستهويك الألوان وستعشق الوجوه وتعبيراتها، وستقول حينئذ حسنًا لم يكن الأمر سيئًا كما كنت أعتقد، إذًا لماذا كان كل هذا الخوف والبكاء والنحيب عندما أخرجوني من هذا المكان المظلم الموحش؟ فلولا رؤية الضوء هنا لبقيت للأبد موقن أنه لا يوجد شيء أي شيء في الوجود سوى الظلام.. على أي حال لقد كانت تجربة رائعة، فأنا مستمتع هنا حقًا.

 

وتمر الأيام، وبعد ذلك نجدك تقول “ما هذا الإحساس المزعج؟! يا إلهي! ثمة شيء يبدأ في البروز في فمي، إنه يخترق جلدي وأنسجتي! ما هذا الإزعاج؟! لمَ كل هذا الألم؟! لا أريد هذا الشيء الغريب الذي يؤلمني، حقًا لا أريده. شيئًا فشيئًا يتلاشى الألم وتبدأ أسنانك في الظهور، وتبدأ بتذوق شتى أنواع الأطعمة، وتختبر مذاقاتها، ثم كسابق عهدك تقول “لقد كانت تجربة مشوقة حقًا أن أختبر كل هذه المذاقات الرائعة، ولم يكلفني الأمر سوى الصبر قليلاً وتحمل بعض الألم”.

 

وهكذا الإنسان، ومنذ لحظة ولادته وهو يتلقى نفس الرسالة مرارًا وتكرارًا “إن منطقة راحتك ليست هي الحياة، وإنما حياتك على الضفة الأخرى. كل ما عليك فقط أن تتخلص من خوفك وتتحمل قليلاً عناء عبور النهر”.

 

ولو تأملت قليلاً في حياتك لوجدت أن في كل مرة تركن إلى منطقة راحتك وتتشبث بها، تأتي قوة ما لتدفعك خارجها دفعًا، لأنك ببساطة تقاوم سنة كونية، وهي التغيير، فالتغيير قادم لا محالة، لذلك سوف تفعل خيرًا بنفسك إذا أقنعتها بضرورة الخروج من حالة الثبات هذه، التي طالما تشبثت بها، وأقنعت نفسك أيضًا أن دوائر الراحة هذه التي اعتدت العيش بداخلها لن تدوم لك إلى الأبد، وأنها حتمًا سوف تقذفك خارج أقطارها يومًا ما، سواء رغبت في ذلك أم لم ترغب.

 

إذًا فالأفضل لك أن تذهب إلى الضفة الأخرى برغبتك، لكي يكون عبور النهر رحلة ممتعة، بدلاً من أن تكون شاقة ومرهقة، لأنك أٌجبرت على ذلك، ولكي تستطيع أيضًا أن تحدد بحرية إلى أي وجهة تريد أن تتجه، وعلى أي ضفة جديدة تريد أن ترسو سفينتك بدلاً من أن تُدْفع دفعًا وتتقاذفك أمواج الحياة وتلقيك على أقرب شاطئ يقابلها، وأنت لا تملك من أمر نفسك شيئًا.

 

إذًا هيا.. دعنا نعبر إلى الضفة الأخرى، فثمة حياة رائعة تنتظرك هناك.

 

الخروج من منطقة الراحة سنة كونية

 

المقالة السابقة30 سؤال لشريك حياتك غير “إزيك؟”
المقالة القادمةنصائح لشراء الأدوات المستعملة بأمان
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا