ما لم تخبرني به صديقتي عن علاقات المسافات البعيدة

1403

 

بقلم/ سميرة رأفت

“اختلفت المسافات والألم واحد” هكذا فكرت حين انتهت من سرد قصتها، نصحتني بعدم الدخول في علاقة طرفها الآخر بعيد، بررتْ بأن بُعد المسافة يخلق بعد في التواصل، البعيد عن العين بعيد عن القلب، فما بالك بالبعيد الذي لم تريه من قبل أصًلا! بعد الزواج ستكتشفين أن كل الوعود وهم وأن المسافات لم تكن حاجزًا، بل كانت طريقًا ممهدًا للكلام المعسول والأحلام الجميلة بالقرب.

 

للبُعد زهوته.. حين تنتهي بالقرب تخبو الأحلام وتختفي الوعود، وفي لحظة تجدين أن القرب يساوي البعد، لا جديد في حياة يجتاحها الملل، يملّ الحب حين يقتحم الروتين حياتكما، البُعد يزين الحياة والقرب يقتل الشوق، إذ تكثر الوعود والأحلام وتكثر عبارة “حين تصبح المسافات أقصر سأفعل وأفعل وأفعل…” فتتولّد الآمال لغدٍ منسوج من خيوط الشمس، وتكبر التوقعات لنصطدم بالواقع حين يحدث القرب، لا جديد، فقط المزيد من الوعود.

 

ربما تكون صديقتي مُحِقة، البُعد يزين العلاقة، لكنه يعذب القلب، في الواقع الشوق يقتل!

حين تكوني في علاقة طرفها الآخر بعيد فلمسة يد بين عاشقين عابرين في الشارع تجعلك تبتسمين، أنتِ تعشقين.. ويا حسرة من عشق ولم يطل!

 

صدقت أم كلثوم حين قالت “أمرّ عذاب وأحلى عذاب، عذاب الحب للأحباب” فالحب رائع، لكن الشوق اللا منتهي مُر.

لم تخبرني صديقتي عن لوعة الحب، والشعور بفراغات الأصابع، تلك الفراغات التي وجدت متى حييتي، ولكن الآن فقط تشعرين بها، فمن يجب أن يملأها بعيد كل البعد عنها، وعليكِ دائمًا أن تتحلي بحكمة سليمان، حتى لا تتخيلي أن إحداهن تملأ فراغات أصابعه.

اقرئي أيضًا: شكرا صديقتي: أجمل رسالة شكر لصديقتي الغالية

لم تخبرني صديقتي عن البكاء ليلاً حين يظهر شبح التفكير ويقرصك الشوق، وتتكشف الاحتمالات اللا نهائية، ويظهر خوفك وضعفك القبيح عاريًا أمامك، شعور مرير يجتاحك.. تحاولين عاجزة أن تطرديه بالبكاء فلا يذهب، بل يبتسم في شماتة، فهو يعلم أن حبيبك ليس هنا ليحميكي، وأن بوسعه الاستفراد بكِ كيفما يشاء دون حماية.

 

ابتعدي عن علاقات المسافات البعيدة، اهربي، ادخلي المحراب وغلّقي الأبواب وإن دقت بابك سُبيّها، العنيها بأقسى اللعنات، لا تدعيها تخدعكِ بكلامها المعسول، احذري، فإن فتحتِ الباب ستجتاح حياتك عاصفة الحب المستحيل، واللعنة على هذا الحب الشرير الذي تتجلى فيه قسوة ابن أفروديتي القاسي، وإن حن قلبكِ -مثلي- وفتحتِ الباب فلا تلومين إلا نفسك، ولا تلعني إلا المسافات ولا تدعي الله إلا بتقريب البعيد.

 

حذرتني صديقتي ولم أستمع، فكيف ستكون نهايتي التي تتأرجح بين كفتي القدر؟

نهاية حائرة بين قرب والمزيد من التباعد.. الكثير من الاحتمالات تفترش الطريق.. لكن الأكيد أنه حين يتركك حبيبك قاطن البلاد البعيدة، لن تتمكني حتى من صفعه، لن تتمكني من النظر لعينيه لتعرفي إن كان كلامه المعسول وصوته الملهوف حقيقة أم مجرد كذبة أخرى أتقن الكون نسجها.. لن تتمكني من اختلاس تلك النظرة الأخيرة، لن تتمكني من طلب فرصة أخرى ولن تستطيعي أن تعديه أنك في الشتاء ستكونين حبيبة أفضل، لن تعطيكم الحياة فرصة أخرى يا عزيزتي، في الوقع.. لن تعطيكم الحياة أي فرصة، فأنتِ ستعاقبين على مسافات لم تخلقيها.

 

تخيلي.. لن تعرفي حتى شعوره حينها، فقط المزيد من الاحتمالات والتوقعات.

اهربي يا عزيزتي.. اهربي من حب المسافات البعيدة، أو القي بكُلِّك فيها ودعي الاحتمالات تجرفك، لكن احذري من أن تمزقك، تمسكي بذاتك، ومهما حدث تذكري أن الحب هو من اختار منذ البداية، وحين يختار الحب يصمت الكون وننصاع له طائعين.

 

اهربي يا عزيزتي

 

المقالة السابقةأحلامي التى صارت كراكيب
المقالة القادمةاللهم لا تحولني إلى “نهى”
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا