عن الحب.. مش الفلانتاين

545

 

بقلم/ بسمة المهدي

 

هل استيقظت يومًا لتجد حالة من الهياج الإلكتروني على فيسبوك بسبب نظرة جورج كلوني لأمل علم الدين، أو إهداء محمد محسن أغنية لهبة مجدي على خشبة المسرح بمناسبة خطبتهما؟ فتجد معارفك على اختلاف أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية ينشر ويعلق على حالة “الكيوتنس” في تلك العلاقات العاطفية.

 

الحالة التي لا تقتصر على المشاهير، لتشملنا جميعًا، فمتى ارتبطت أنثي مصرية بذكر مصري تحولت حساباتهما على الشبكات الاجتماعية إلى حلقات من برنامج “تليفزيون الواقع” قصة حب ميرفت وعلاء، تبلغ ذروة أحداثها مع طقوس “الفلانتين”. مع كل مرة يرفرف فيها كيوبيد على حسابات المعارف على فيسبوك، تبادرني أسئلة من نوعية: هل هذا يعبر عن تقدير ووعي حقيقيين بالحب في حياتنا، أم عن حالة تصحر عاطفي يعيشها المتزوجون قبل “السناجل”؟ هل أقع في الحب رغمًا عني أم اختاره بكامل إرادتي؟

 

الحب -في رأيي- علاقة تشتبك مع أطراف عديدة، تبدأ بذاتك وعائلتك وتصل لأصدقائك، وقد لا تنتهي عند الشخص الذي قد يدفعك إلى اكتشاف الحب، بعد أن حملك على كراهية ذاتك. ومع هذا أجدني جاهلة في الحب، جهل يبدأ من علاقتي بذاتي ويشمل علاقتي بالآخرين. فأنا أتعلم عن الحب بقدر ما أراه وأتلقاه. لذا فرؤيتي المشوشة هي نتاج طبيعي لنشأتي في مجتمع يغض الطرف عن رجل يهين زوجته على قارعة الطريق، ويجذع إذا ما احتضن حبيب حبيبته على الملأ. نفس المجتمع الذي رسم أدوار العلاقات العاطفية بين الجنسين على أساس “الفريسة” أنثى و”الصياد” ذكر، يعلم صغاره بأن الحب لا يبني بيت زوجية بقدر ما تظبط زواياه الحسابات الرقمية من شبكة وقايمة ومؤخر.

تعرفي على: سبعة اساطير عن الحب لم تعرفيها من قبل

وفي محاولة لفك الاشتباك أهداني صديق كتبًا لمؤلف بارز في الكتابات المسيحية، الأب جان باول اليسوعي، ليس بدافع التبشير بمذهبه الديني، بقدر ما كان غرضه الانفتاح على مذهبه الفريد في الحب، فآراؤه تعبر عن دراسة عميقة لعلوم النفس البشرية، ممزوجة بتجربة روحية، دينها الإنسانية.

 

فالحب موضوع ممتد في كتبه، لا يكل من أن يتناول ماهيته بعيدًا عن كل الأساطير المتعلقة بالانجذاب الجسدي، أو العاطفة وليدة تلبية احتياج ما. ويعرف الحب في مذهبه بأنه الالتزام في قرارة نفس الإنسان بأن يقدم الأفضل للمحبوب، ولا يعني ذلك مسايرته طول الوقت، فقد يطلب الحب أن تكون قاسيًا معه.

 

وتأتي أهمية القوائم التي أعدها اليسوعي بما يعمله ولا يعمله الحب، لأنها تجيب عن أسئلة حول ماهية الحب ومظاهره، فهل يمكن أن نؤذي الطرف الآخر باسم الحب، أو نتحمل عنفًا نفسيًا وجسديًا ممن يرددونا حُبنا على ألسنتهم؟

 

ما يَعمله الحب؟

الحب يقبلك كما أنت. يشجع ما هو حسن فيك وفريد. يهتم بكَ ويقلق عليك. يدفع بك لتعطي الأفضل. يواكبك في عمق مشاعرك. يشجعك على الثقة بنفسك. الحب حليمٌ في تعامله معك. يحترم السر الذي ائتمنته عليه. إنه مترفق ويدافع دائمًا عنك في الحق. يضحك دائمًا ولا يضحك أبدًا عليك. يبحث عن ما هو حسن فيك وجميل ويجده. الحب يجعلك تفرح بما أنت عليه. يغض الطرف عن صغائرك وضعفك ويصلي ليلبي الله حاجتك وينمّيك. يجد الحب فيك فضائل لم يكتشفها أحدٌ سواه، يشركك في أعماق ذاته، يقف إلى جانبك عندما تكون بك حاجة إلى من يدافع عنك.

 

إنه رفيق حتى في مجابهته لك، يتحمل مسؤولية سلوكه ويقول لك الحق في كل حين وبصدق، يهتم بك وبما فيك من حاجات. هو يقسو عليك ويلين بحسب الواقع الذي تعيش، يقدرك قويًا ويقبلك في ضعفك ويتفهمك في أيامك الصعبة.

الحب يبقى دائمًا بجانبك ولا يهملك ولا يتخلى عنك.

 

ولأن بالأضداد تعرف الأشياء، أعد قائمة أخرى بما لا يعمله الحب. جاءت القائمة كصفعة على وجهي، لتوضح لي أن الكثير من أفعالي الأنانية والاستعلائية تجاه المقربين مني اتخذت من الحب ستارًا، وبالمثل عومِلت ممن ادّعوا حرصهم وخوفهم على مصلحتي، وحبهم لي. وفي المقابل أدركت أن قراري بالابتعاد عن من استئنست روحي بوجودهم لإيقاف أذى واقع على نفسي، لم يكن من ضرب الأنانية، لأن الحب يحرم على أن أصبح ممسحة للآخرين، أو مطية لتحقيق نزواتهم، كما قال اليسوعي، “بل قد يطلب الحب أحيانًا أن أعاكسك أو أتركك وشأنك”.

 

ولأن الحب على اختلاف مستوياته، وأشكاله، يظل تجربة تحتفظ بفرادتها مع كل مرة تتلاقى فيها روحان. فالقائمة ليست حصرية بقدر ما تحث كل منا أن يعد قائمته الخاصة عن أشكال الأذى التي تتلون باسم الحب، وجميعها تنطلق من الحب المشروط، الذي “يتخلى عنك لأنك لم ما لبيت مطالبه”.

 

ما لا يَعمله الحب

الحب لا يستعملك ولا يحتقرك، لا يطلب منك أن تعيش على غير ما تبغي. لا يلومك ولا يحقد عليك. لا يغضب ولا يحاول فرض إرادته بالصياح أو الدموع. إنه لا يقطع الحوار معك. لا يرهقك بنصائح لم تطلبها، ولا يحكم عليك أو ينصب ذاته طبيبًا نفسيًا لكَ، لا يكون قبوله لك بمثابة انعدام من لدنه ولا يتطلب منك يومًا بعد يوم أن تبرهن عن صدقك ومحبتك. لا يجد في نفسه حاجة إلى أن يكون دائمًا على حق، ولا يحرض أو يمتنع عن مواجهتك، لا يعاقبك بحقد إذا ما أخطأت.

 

لا يدون كل ما أسأت به إليه، ولا يحاول لفت انتباه الآخرين إليه، ولا يبين لك كبره ليجعلك تعي الصغائر التي فيك. لا يضعف ثقتك بنفسك ولا يستعملك من أجل نزواته الشخصية، ثم يميل عنك ويمضي.لا يصب عليك غضبه وكأنك مستوعب مهملات.

 

الحُر يليق بالحب

يتطلب الوصول إلى درجة الالتزام التي تحدث عنها اليسوعي كأساس لأي علاقة حب، أن تكون حرًا. فالإنسان الحر وحده هو الذي يقرر بإدارته أن يبدل الكثير من عاداته ومن القيم التي توجه سلوكه، لكي يبذل من نفسه من أجل غيره. فالحب يبدأ عندما تسأل نفسك ماذا يمكن أن أقدم للآخر، وينتهي عندما تواجه من تحب بـ”ماذا فعلت لأجلي؟”.

 

ولأنه ليس من اليسير أن نترك ما ألفينا عليه آباءنا في مذهب الحب المشروط، وجب علينا تذكير أنفسنا بأن الحياة لا تستقيم دون تحرر ذواتنا من آسر الدخول في علاقات منتهية الصلاحية.

 

 

 

المقالة السابقة10 أفلام رومانسية من أرض الواقع
المقالة القادمةاستخدامات الميكرويف: 14 شيء لا توضع في الميكرويف .. احذريها
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا