زمن التنمر الجميل

447

 

بقلم/ ماهيتاب أحمد

 

لكل قصة روايتان، ولكل منا شخصيتان تتفقان في أشياء وتختلفان في أخرى. إحداهما تظهر للعلن والثانية تبذل من المجهود الكثير لتظهر الأخرى بالشكل اللائق.

 

كثيرًا ما يتبادر للأذهان عند ذكر فعل التنمر هذا الطفل المنعزل الذي لا يتكلم مع أحد ولا يحب الاختلاط، نتيجة التنمر عليه، سواء من أقرانه أو أبويه، أما اليوم قررت أن أتناول التنمر من منظوره القوي، المنظور الذي نتغافله في كثير من الأحيان، فعندما نرى شخصًا قويًا لا نعلم حقًا ما مر به ليكون بكل هذه القوة أمامنا، ما بالك بطفله!

 

“لارا” طفلة ذات خمس سنوات، جميلة، محبة للحياة وللناس ولأصدقائها، حباها الله “بالحَوَر” الذي كثيرًا ما تغنَّى به شعراء العرب قديمًا عن أنه من علامات جمال المرأة، لكن هيهات في مجتمع يُنصِّب نفسه حكمًا للمثالية التي لا يتسم بها هو بالأساس، فنحن بشر لا أحد منا كامل الأوصاف، برغم أني من موقعي هذا أرى طفله جميلة رقيقة بنقاء السماء في نهار ربيعي مشمش. أخذت الأم تتلقى تساؤلات قمة في الاستفزاز، على غرار “هو ده حول؟”، أضحك كثيرًا على قلة عقل، بل على غباء السائل والسؤال، لماذا السؤال في الأساس؟ وهل بالإجابة سوف تحصل على سر بداية الخليقة أم على جائزة نوبل للمعرفة؟ لن يكسبك السؤال إلا وقاحة، ويكسب الأم والطفلة خيبة أمل أنك لا ترى إلا ما أردت أن تراه.

 

لا تتعاطفوا مع “لارا”، فهي لا تحتاج إلى تعاطفنا، ولكنها تحتاج منا أن ندرس قوتها وثقتها بنفسها وحبها للحياة، في ظل ظاهرة التنمر ووجود هؤلاء المنصبين أنفسهم حكام على خلق الله.

 

وهنا يظهر الوجه الآخر للتنمر، هنا يظهر أن في كل محنة منحة، هنا يظهر دور الآباء في بناء وتقوية شخصية أبنائهم قبل خروجهم للعالم الخارجي، حتى يستطيعون مواجهته، وإن لم ينتصروا فعلى الأقل لن ينكسروا، بل يزيدهم هذا القبح جمالاً وقوة.

 

عندما رأت والده “لارا” هذا الهجوم قررت أن تصاحب ابنتها وتجعل منها الصديقة المقربة، خصوصًا أنها بنت لها شخصية وتتسم ببعض العناد، فخافت عليها أن تنكسر بهذا التنمر والقبح، قررت أن تريها حقيقتها، الجمال الحقيقى الذي تمتلكه “لارا”، الذي يقلل منه المتنمرون.

 

سافرت هي و”لارا” إلى شرم الشيخ في إجازة لكلتيهما وللمساعدة للتقارب بينهما، وهناك بدأ السحر، بدأت “لارا” العنيدة ذات الشخصية المستقلة تلين وتتقرب من أمها، وبدأ السحر عندما نظرت “لارا” لوالدتها: “مامي أنا مبسوطة”.

وهناك في شرم الشيخ وأثناء تجولهما بالصدفة التقى بهما مصور محترف واستفزه جمال “لارا” وبراءتها وشخصيتها القوية، وطلب من والدتها أن يجهز لها جلسة تصويرية.

 

قامت “لارا” بجلسة تصوير أبهرت المصور جدًا، بل أبهرت الأم بكل ثقة وجمال، وعندما رأت والدتها أنها كانت سعيدة وزادت ثقتها من نفسها أنتجت صورًا لها لشخصيات ديزني المفضلة لديها، ثم قدمت لها في مسابقة للأطفال عن تنكر الهالوين، وباكتساح فازت “لارا” بتنكرها بشخصية “بامبي” الكارتونية.

 

أصبحت الفتاه التي تنمروا عليها لها حساب على الإنستجرام بصور طفولية وبشخصيات كارتونية جذابة، وأصبحت أيقونة للأطفال وملهمة، بل وتتسابق محال وبرندات ملابس الأطفال لجعل “لارا” واجهة لعرض ملابسها.

 

فلنزرع الثقة في نفوس أولادنا ونحتويهم ونجعلهم أقرب الأصدقاء قبل أن يواجهوا المجتمع، فلنكن صمام الأمان والمرجع ومصدر الثقة، ولنجعلهم يكتسبون الثقة من أنفسهم ومن شخصياتهم، وليس من آراء حولهم ولا أحكامهم غير المنصفة.

 

“لارا” تعرضت للتنمر فصارت ملكة جمال الأطفال

 

المقالة السابقةالتنمر وأبلة فاطمة
المقالة القادمةلديك رسالة في صندوق الطعام!
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا