بقلم/ كريستين عادل
اكتشفت من وقت إن الاكتئاب مش سيئ زي ما كنت فاكرة، أو مبقاش مرعب لي زي زمان.
زمان الأوقات اللي عديت فيها باكتئاب كانت مرعبة، كأني بواجه وحش أسود في كهف ضلمة، وأنا في قمة ضعفي ومعنديش أي قوة لمواجهته، وأنا كمان لوحدي محدش جنبي، وأنا بواجه الوحش اللي بيلتهمني وبياكل فيَّ.. بيقضي على روحي وعلى نفسي وعلى جسدي، وأنا لا حول ليَّ ولا قوة، بقف مكتوفة الإيدين قدام قوة هذا الوحش، وأنا بخسر الكتير اللي صعب تعويضه.
خلينا نتفق إن كلنا عُرضه للاكتئاب مع كل مواقف صعبة بنقابلها، أو تحديات أقوى مننا، أو ظروف أعلى من استيعابنا بتخلينا نكتئب.
إزاي بيحصل الكلام ده؟
في الوقت اللي بنواجه فيه ظروف وتحديات أكبر مننا (فقد – ترك – ظلم – خسارة – كسر في علاقة…) بنشعر إن عضلاتنا النفسية (قدرتنا على التحمل) مش قادرة تستوعب الأحمال دي، فبنعطل ونفقد السيطرة وندخل جوة مكان، أنا بطلق عليه “الكهف المظلم”.
إيه اللي بيحصل جوة الكهف المظلم ده؟
كل اللي بيعدي بفترات اكتئاب بيدخل جوة الكهف ده، وهنا يظهر نوعين من الناس:
1- نوع بيحب القعدة جوة الكهف وبيكتفي برثاء نفسه والبكا والصراخ وفقدان المعنى والرغبة في الحياة، وبيتعايش مع الاكتئاب وهو بيخسر كتير في تعايشه مع اكتئابه، وكل ما يزهق ينور شمعة صغيرة داخل الكهف المظلم، في محاولة لإقناع نفسه إنه بقى كويس، لكنه ما زال عايش داخل الكهف المظلم.
2- النوع التاني بيدخل الكهف المظلم، فبيلاقي نفسه لوحده مع أسئلة كتير مزعجة، ودي (المحطة الأولى) أسئلة بقى زي:
مين أنا؟ عايش ليه؟ إيه اللي وصلني لكده؟ يا ترى فين سبب المشكلة؟
الله فين في وسط كل ده؟ ليه أنا بتعرض لكل ده؟ إيه الغرض؟
بيقولوا لكل شيء سبب، يا ترى إيه السبب ورا اللي بعدي بيه؟
بعد وقت من الصراع مع الأسئلة دي في محاولة لإيجاد إجابات، بخرج وأنا أكتر قدرة على إدارة حياتي، وأنا مقررة أنا عايزة إيه وعايزة أوصل لإيه في حياتي.
المحطة التانية: بيمر بيها الإنسان داخل كهفه المظلم، هي محاولة اكتساب مهارات للتعامل مع نفسه بطريقة سليمة، زي:
1- الحديث الصحي مع النفس: فهم الأفكار والرغبات المُلحَّة، فهم المشاعر وتسميتها زي “أنا شاعر بخزي، أنا شاعر بحزن، أنا شاعر بترقب، أنا شاعر بأمل…”، تمييز المشاعر والتعبير عنها.
2- إيجاد طرق صحية للاستمتاع وللحفاظ على رتم وأداء اليوم.
3- ملاحظة النفس وفهمها قبل الوقوع داخل دوائر الاكتئاب الأعمق.
4- الكلام الإيجابي مع النفس والتقييم السليم للمواقف وللأفكار وللأشخاص.
5- التعامل مع مجتمعات آمنة داعمة.
(المحطة الثالثة) عنصر الوقت مهم جدًا.
أوقات كتير بنستعجل خروجنا من الكهف المظلم من غير ما نتعافى من الاكتئاب، ده طبيعي، لأن المرحلة دي مرهقة جدًا لأي شخص، لأنها مليانة بالصراعات المريرة والإجهاد النفسي المرهق واللخبطة في المشاعر والأفكار والرغبات، ولخبطة في أوقات النوم واضطرابات الأكل، لكن ضروري إننا ناخذ وقتنا ونحترم اكتئابنا.
وأوقات تانية لما بناخد الخبطة.. نفسنا مش بتستوعبها في وقتها، وكأننا واخدين بنج لمشاعرنا وأفكارنا، وكأن مفيش حاجة حصلت، وبعد شوية بيفك البنج بعد ما انغمس في روتين الحياة، وببقى عايزة أصرخ ومش عارفة، وعايزة أقع وبرضو مش قادرة، لأن ورايا مسؤوليات، وكأني ضيعت الوقت اللي كنت المفروض أبقى موجوعة فيه، حتى الوقت ده هقولك احترميه.
اعطي لنفسك مساحة تعترفي بوجعك وألمك وتصرخي وتكتئبي، لأنك إنسانة وده من حقك ومتستعجليش التحسن، لكن عيشي تفاصيل يومك وحياتك، عبري عن ألمك، ابكي، اتكلمي أو حتى متعمليش حاجة، واعطي الفرصة لنفسك المنهكة إنها تعبر عن إجهادها.
أوقات كمان وإحنا بنتعافى من اكتئابنا وبنحاول نعيش حياتنا الطبيعية بيعدي علينا وقت بنحس إننا واقعين أو الضغوطات بتتعبنا، قدراتنا مش زي الأول، بنُجهد بسرعة ومن أقل ضغط.. ده طبيعي، المهم في المرحلة دي إنك توازني بين المسؤوليات واحتياجك لنمط حياة هادي تكوني فيه أكتر تواصل مع نفسك وفهمها وإعطائها مساحة من الحرية والتعبير عن اللي في أعماقك.
أخيرًا.. الاكتئاب مش سيئ زي ما بنقول، الاكتئاب معناه إنك إنسانة طبيعية بتتأثر بكل اللي بيحصل حواليها ومعاها.. الأهم لو إنتي برة دواير الاكتئاب، اكبري واكتسبي مهارات تخليكي تتعاملي مع نفسك ومع ظروفك بطريقة أفضل، عشان لو جالك الاكتئاب تكوني مستعدة لمواجهته بأقل الخسائر، ومن غير ما تنغمسي في أعماقه، ولو إنتي واقعة في اكتئاب احترمي اكتئابك عشان يكون ضيف خفيف ويمشي بسرعة.
ينفع تطلبي المساعدة، حاوطي نفسك بناس بتحبك، وازني بين جوانب حياتك، افهمي نفسك وعبري عن اللي جواكي.. تاني هقولك احترمي اكتئابك واعطيه وقته، هتلاقيه هو كمان بيحترمك وبيعدي وسايبلك إجابات لأسئلتك، مهارات جديدة، قوة وطاقة جديدة عشان تحققي أحلامك.
إيه اللي بيحصلنا جوة كهف الاكتئاب؟