المرة الأولى التي أسمع فيها هذا اللفظ كنت في سن ما قبل المدرسة، في الرابعة أو الخامسة على أقصى تقدير.. سمعته من ابنة عاملة الحضانة التي كنت أذهب إليها، كانت تكبرني بأربعة أعوام، تصحبها أمها معها إلى الحضانة عندما ترفض البنت الذهاب للمدرسة أو عندما تمرض مثلاً.. كانت تحبني وتلاعبني.
في هذا اليوم جاءت “ع” ورفضت أن تشاركني اللعب، لأن أمها وجِدتها أخبرتاها بضرورة الهدوء و”المشي بالراحة اليومين دول” حتى ينتهي النزيف. لم أفهم ما تقصده ولكنها شرحت لي بالضبط ما حدث لها ليلة أمس، ولكنها بالرغم من ألمها ووجعها كانت تردد أنها فرحة، لأنها دخلت عالم النساء العفيفات كما أخبرتها جدتها.
أما أنا فانفجرت في البكاء، حتى أتت أمي في ميعاد الانصراف. لم أخبر أمي بشيء خوفًا أن تفعل بي ما فُعِل بـ”ع”، خصوصًا بعدما أخبرتني “ع” أن هذا الأمر ضروري ويحدث لكل النساء، وحتمًا سيحدث لي يومًا ما، وإلا فكيف لي أن أصبح فتاة؟
تخزن الأمر بالذاكرة في مكان المواجع المؤجلة، وكرهت بسببه عالم النساء. أي عالم هذا الذي تأخذ إشارة الدخول إليه بجرح وفقدان لجزء من جسدك؟!
بعد هذه الواقعة بنحو خمسة أعوام، بدأت حوارات نساء العائلة وصديقات أمي عن شيء يخص بناتهن، كن يتكلمن بالتورية ولكنني كنت أفهم ما يقصدن بالضبط. عشت أيامًا طويلة في رعب حقيقي في انتظار لحظة أن تقرر أمي أن تُدخلني عالمهن الذي كرهت.
ذات يوم جاءت إحدى صديقات أمي وجارتنا لتخبرها أنها اتفقت مع إحدى الطبيبات، لتقوم بتلك العملية لابنتها وأخريات، وتسأل أمي إن كانت تود أن تضمني إليهن.. أعتقد أن تلك اللحظات كانت من أصعب ما مر عليَّ في عمري، حتى أنني أشعر بدقات قلبي الآن وأنا أكتب، بعدما قاربت على عامي الثلاثين.
“لن أختنها” قالت أمي، وقابلت صديقتها الرد باستغراب واستنكار، بل انفعلت على أمي بعض الشيء، مُعللة ذلك بأن الختان حماية للبنات من أنفسهن وأننا “في زمن وحش”.
في بلدتي الريفية في وسط دلتا النيل بمصر، معظم الفتيات في سني ومن يكبرنني بعشر سنوات على الأقل مُختَّنات، ولكن من النادر أن أسمع من إحداهن تأثيرًا سلبيًا للختان عليها، وهذا أكثر إيلامًا بالنسبة لي، أن تمتزج والجهل وتندمج بالقبح والتشوه حتى يصبح ذلك الخلل والاضطراب جزءًا منك.
أتذكر مناقشة كانت تدور منذ نحو سنتين بيني وبين إحدى المُختنات من قريباتي، ودافعَت هي عن الختان “هو بيوجع طبعًا بس زي الولادة كده، لازم تحسي بيه عشان إنتي ست ويجرى عليكي اللي يجرى عليهم”. لم أعلق وقتها ولكنني كرهت عقول النساء الكبيرات، واللائي تسببن في تشويه الحقائق السوية داخل معظم الفتيات.
أكتب الآن كأم تجاوزت ابنتها للتو أربعين يومًا فقط، لأعد ابنتي ألا تخاف من الحكي معي في أي شيء، مثلما خفت من أمي وعشت في رعب متواصل لسنوات، ما زال أثرها حيًّا بداخلي، كما أعدها بأنني بالطبع لن أختنها.
كن يتكلمن بالتورية ولكنني كنت أفهم ما يقصدن بالضبط