ما الجديد عن الحب؟!

1201

 

 

بقلم: سارة سكر

 

بعدما أنهي كتابة مقال في كل مرة، أشعر وكأني استخدمتُ كل كلمات اللغة في هذا المقال، وجئت على كل الأفكار فيه. وأعول الهم؛ ما الجديد الذي يمكنني كتابته في مقالي القادم؟! وعندما يحين وقت كتابة مقالي الجديد، أجدني أؤخر نفسي، وأنهي كل الأعمال والمهام والمتطلبات -الخفيف منها والثقيل على قلبي- إلا أن أجلس وأفتح حاسوبي لأكتب! هذا يحدث كل مرة. أما عن هذه المرة، فهي أكثر المرات على الإطلاق؛ حتى أني كدت أعتذر عن مقالي هذا.

لماذا؟ لأنه مقال شهر فبراير، شهر الحب! ماذا سأقول أنا -بمفرداتي الضعيفة- بعد كل ما قِيلَ عن الحب؟! ماذا سأكتب أنا -بقلمي الهزيل- بعد كل ما كُتِبَ عن الحب؟! كل الكتاب والشعراء والروائيين والمفكرين، حتى التلاميذ والأطفال الصغار؛ كلهم كتبوا عن الحب ووصفوه وغنوا له وتغنوا به، بل تطاولوا عليه واتهموه! ما سَلِمَ الحب من كتابة أحدهم، ولا مني أنا أيضًا؛ فكثيرًا ما قلت وتكلمت وكتبت عن الحب، حتى أني فكرت أنه قُتِلَ بحثًا. فماذا عندي لأضيف؟! لا شيء.

لذا فقراري أنني لن أضيف، أنا فقط سأتساءل؛ فالسؤال لا يضيق على أحد، بل يتسع للجميع. هل أنتَ مثلي لديك أسئلة وتساؤلات عن الحب؟ هلم نتساءلها معًا.

بعد كل ما قِيلَ وكُتِبَ وعُلِمَ وتُغنِّي به عن الحب؛ لماذا نحن البشر كثيرًا ما نفتقده؟! لماذا وهو حاجتنا العظمى نجده شحيحًا؟! لماذا يعتقد كل منا أنه يقدمه لمن حوله، ومع ذلك نجد الشكوى العامة أنه لا يوجد حب؟! فلمن نقدمه إذًا؟ ومن الذي يستقبله؟ هل يحتاج معايير معينة تتوافر حتى يتوفر؟ هل هو حكر على فئة معينة تعلمت أن تتقن لغته فتعرف كيف تقدمه وترسله وتستقبله بسهولة؟ ومَن فاته تعلم لغة الحب فاته الحب للأبد؟ أمْ أن الحب موجود حولنا لكنه مُتخفٍّ في صورة قطة سوداء ومختبئ في غرفة مظلمة، ونحن مثل العميان في بحثنا عنه. ومن يجده سيجده بإذن الله عندما يصطدم به صدفةً؛ لذا فمحظوظ من يجده. وعلينا العيش بتفاؤل أننا في يومٍ ما سيشاء المولى ونصطدم به، أو يصطدم هو بنا؟!

هل هذا هو الحب؟

ثم ما قصة هذا الحب غير المشروط الذي أصبح يأتي ذكره كثيرًا هذه الأيام؟ حب غير مشروط ألا يعني حبًا غير محدود؟! هل هو نوع جديد من الحب أم بدعة جديدة فقط؟ وهل قدمنا الحب كفايةً حتى بدأنا في السعي لتقديم النسخة الأعلى منه؛ نسخة الحب غير المشروط؟ أو هل وجدنا الحب وشبعنا منه لنتمنى الإصدار الأحدث، الحب غير المحدود؟ وهل هذا الحب غير المشروط وغير المحدود -حتى وإن أردناه وتمنيناه- نستطيع -نحن البشر- أن نقدمه؟!

صراحةً أجدها نكتة، تذكرني بشعارات شركات المحمول (إنترنت بلا حدود)؛ فكيف لمخلوق محدود أن يصدر منه فعل غير محدود؟ أليس الحب فعلًا صادرًا منا -نحن البشر المحدودين-؟! أم أن الحب ليس فعلًا وهو مجرد رد فعل؟! لا، لا أتمنى للحب أن يكون مجرد رد فعل. فأنا أجده -وإن لم أفهمه كفايةً- فعلًا قويًا ليس ضعيفًا. فردود الأفعال ضعيفة، لا ترتقي لقوة الأفعال المختارة بعناية؛ بغض النظر عن ردود الأفعال أمامها، والحب فعل قوة لا ضعف.

لم تنتهِ بعدُ أسئلتي في الحب وتساؤلاتي عنه! وإمعانًا في غرابة مقالي هذا أريد أن أسترسل في خيالاتي وأتخيل الحب.

أتخيل الحب شخصًا آتيًا من بعيد، قديم قِدم الحياة، بل أقدم! لا يظهر واضحًا إنْ كان رجلًا أو امرأةً؛ لكنه كبير في العمر، بل طاعن في السن! خارج من طريق ضيق شاق، يمشي بتمهل وثقة في الوقت نفسه، وقد أحناه الزمن. لا يتكئ على عكاز؛ إذ كان هو المتكأ على مر تاريخ البشر ومعاملاتهم وعلاقاتهم. كثيرون من اتكأوا عليه واستندوا فقاموا ليقدموا ويبذلوا! وكثيرون أيضًا من أبعدوه واحتقروه، بل سجنوه وأغلقوا عليه في زوايا ضيقة من زنازين قلوبهم، وكمَّموا فاهه حتى لا ينطق بما يدين أفعالهم! كان البطل في رواية بعضهم، وكان المعطل والمزعج في رواية الأكثرين منهم! لا أتخيله جميل المظهر! من الممكن أنه كان يومًا فيما مضى! لكنه الآن متعب ومجهد وإن كان جميل الطلة، هادئ الملامح، مشبع بالحنان والرقة! عينه عميقة لا قرار لها، وفي نفس الوقت بسيطة تشعر معها بالألفة والهدوء والسكينة!

إن كنت غير متأكدة من معلوماتي ونظرياتي وأفكاري عن الحب، وأسئلتي عنه أكثر من أجوبتي؛ إلا أني أؤمن به وأعرف أني أعرفه وأتعرف عليه بسهولة حينما أقابله. وهو ما يحدث فعلًا مرات ليست بالقليلة! ومن قلبي أتمنى لك مقابلته وملاقاته كثيرًا؛ سواء لعبت دور المَحبوب أو المُحِبّ. فكما قال جلال الدين الرومي: ” إذا فاتك أن تكون مَحبوبًا، فلا يفُتك أن تكون مُحِبًا”.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةاشتراك سنوي
المقالة القادمةعن الرقص مع الآخر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا