اشتراك سنوي

855

 

كتبه: محمد فوزي

 

عوّدت عيني

أي حد في علاقة حب، غالبًا بيكون له عدد معين من الأغاني الرسمية اللي بتعبّر عنه، وكل أغنية لها حالتها ووظيفتها، وبمجرد ما بيسمع الأغنية دي بالصدفة في أي مكان بيسترجع حالتها؛ وكأنها بقت تخصّه، وبتعبر عنه.

مثلًا.. بعد المقابلة الأولى..  عادةً بيشرِف الكينج بنفسه على الحالة بـ”لما النسيم” .. كام يوم والموضوع بيبقى جد، وتبدأ مشاعرنا تتلخبط؛ بتستلم الست أنغام بـ”ايوة بحبك قوي .. بس مش عايزاك”، فيرد عليها الهضبة بـ”أحبك.. أكرهك”. شوية وبنتخلص من مرحلة الفرهدة الشعورية، ونتأكد من مشاعرنا. وساعتها بيخش تامر حسني بتسع ألبومات دفعة واحدة، تحتوي على 76 أغنية بتوصف نفس الحالة.

لكن سرعان ما بتيجي الخناقة الأولى، وبالرغم أنه خصام يادوب أربع ساعات؛ إلا أننا بنستضيف السيد الدكتور تامر عاشور بـ”كلّموها عنّي”. ولو مدة الزعل عدت أسبوع، بيضطر الهضبة إلى التدخل بـ”وهي عاملة ايه دلوقت”. ولما بنتعود على الخناقات ونبقى خبرة، بنتأرجح بين حالات الاعتزاز بالكرامة مع أصالة بـ”مبقاش أنا”، والضرب تحت الحزام بالسلطان جورج وسوف بـ”سلف ودين”.

كل ده يؤكد أن العلاقات العاطفية هي الجانب الأكثر تعقيدًا في حياتنا؛ لأنها بتعتمد على أساس غير ثابت، وهو “الحب” بمعناه الرومانسي أو المستهلَك أو المضلل أو الغنائي أو المراهق أو حتى المأساوي. وعلى عكس مبادئ كثيرة في الحياة، اللي من السهل تعريفها بشكل واضح عام يجتمع عليه الناس بنيجي عند الحب وبنعطل! وبيتحول لتعريف نسبي غير ثابت، بيختلف حسب وجهة نظر وتجربة كل شخص على حِدَة.

وعلشان كده تظل أنسب العبارات -علميًا ونفسيًا- تعبيرًا عن الحب هي عبارة “عوّدت عيني على رؤياك”. هل الست كانت تقصد: “أنت اللي عودت عيني على رؤياك؟”، ولَّا “أنا اللي عودت عيني على رؤياك؟”.. وأنا هنا مش بتكلم عن الأغنية.

 

الحب

وعلشان نجاوب على السؤال ده، هنحتاج ناخد الحدوتة من الأول، ونتكلم عن “كيف بدأ الحب” في الشعور الإنساني. الإنسان من وقت ما بيكون جنين؛ أول حاجة بتتزرع في “لا-وعيه” هو أنه جزء -حرفيًا- من جسد أمه، زي الذراع والساق وغيرهم. وساعة الانفصال الأول، بيحصل شعور بالارتباك الوجودي، وتتشكل المشاعر حول فكرة “الاحتياج إلى العودة”، واللي بتترجم مع مرور الوقت إلى معنى أشمل، وهو الاشتياق إلى شيء ما، أو حالة ما.

ومع تطور الوجود الجسدي في الواقع، وتصالح الطفل مع عالمه المحيط المادي، تتغيّر أدواته في التعامل مع هذا “الاشتياق”، وهذه الرغبة في العودة. فبدلًا من أنه -كمولود- يحاول العودة جسديًا، بأدوات محسوسة: العودة إلى الرحم.. وإعادة ربط الحبل السُرّي، بيستخدم كـطفل (بقى خبرة دلوقتي) أدوات نفسية: بالنظر إلى أمه، والتعلق بصوتها، والاحتياج لحضنها، والاطمئنان لوجودها في دايرة وجوده.

وفي المرحلة دي -مرحلة تأسيس المباديء الشعورية/ يطلق عليها علميًا الـ Mirror Phase- يتأسس مفهوم المشاعر، وتترجم الأدوات دي لما يُسمّى “بالأُلفة”، ولأنه شعور بينتج عنه اطمئنان، بيكون شعور إيجابي، بنسمّيه “الحب الفطري“.

ومع مرور السنوات وتشابك دايرة معارف الطفل، وتعدد دخول الأشخاص لحياته، يتحول “الحب الفطري” إلى مرجعية بيقيس عليها شعوره تجاه الناس الثانية في حياته. فلو حصل من الشخص على نسبة ما من إجمال ما كان يشعر به في الرحم وخارجه، فهو الآن يُحبّه بشكل ما. وساعتها بيطفو “الحب الفطري” على سطح اللاوعي بنسخة جديدة، ممكن نتخيلها بصريًا زي “قماشة” مليانة ثقوب، وكل ثقب بيطلب منه أنه يلتئم، أو يمتلئ علشان يعيش الإنسان بشكل مستقر؛ وكأنه في الرحم.

وسبب الانجذاب للمحبوب باختصار؛ أن المحبوب بيسد بعض هذه الثقوب. وكل ما يسد ثقوب أكثر، كل ما يتعاظم شعور “الحب” ناحيته. ساعتها بنكتشف أنك مش بتحب “المحبوب” لشخصه، ولكن بتحب الطريقة اللي بيخليك بيها تحب نفسك وتطمئن نفسك. وده اللي بيخلق أسوأ  كابوس ممكن يهاجم العلاقات العاطفية، وهو كابوس “التوقعات”.

فالحبيب بيطلب من المحبوب -باطنيًا دون أن يعي- أنه يملأ الفراغات دي، ويبدأ في تقييم “العلاقة” بناءً على أداء ومهارة المحبوب في ملء الثقوب، وبيتحول الأمر لاختبارات متتالية. وعادةً ما يفشل فيها المحبوب .. ليه؟ لأنه هو أصلًا عنده قماشة فيها ثقوب محتاجة تتملي، علشان تكون سلوكيات الحب اللي احنا عارفينها.. مجرد انعكاس.. للخناقة الباطنية بين القماشتين.

 

اشتراك سنوي

فحب المحبوب هو انعكاس لحبنا لنفسنا، علشان كده كل المتخصصين في العلاقات بيأكدوا أنك لازم تحب نفسك علشان تقدر تحب غيرك، أو بمعنى أصح تسمح لنفسك أنك تحس بحب غيرك بدون مشوشات شعورك بالاحتياج. وبالتالي ميكونش حب مشروط بملء ثقوب قماشتك.

الحب هو نضج في التعامل مع النفس بالطريقة اللي تسمح بدخول كيان تاني حياتنا. من غير ما نحتاج نصلّحه (Savior complex)، واللي بتكون ساعتها فاكر أنك بتنقذه، ولكن الحقيقة أنك بتفصّله بما يناسب قماشتك. وبالتالي أنت مش بتصلحه، أنت بتشوّهه علشان يُناسب تشوهاتك. فالموضوع بيبدأ بـ”تعالي وكِبر” القناعة بأنك مُصلح، وبينتهي بـ”يأس وألم” يخليك تكون أنت اللي بتتصلح في علاقة لاحقة .. ونلف في دواير!

علشان كده، فكرة الفالانتاين أو شهر الحب حتى، أو الأغاني العاطفية، مش شيء تافه، بالعكس دي لحظة Restart (إعادة تشغيل) أو إعادة لضبط المصنع، لأنك في اليوم ده واللحظة دي بتنسى كل التعقيدات بتاعة العلاقة، وبتلتفت بس لحقيقة أنك “بتحب” هذا المحبوب بغض النظر عن أي شيء تاني.

وكأن عيد الحب هو اشتراك سنوي، وممكن يبقى يومي بيشحن شعورك النقي. ومحتاج يتجدد كل لحظة علشان تقدر تكمّل.

احتفل/احتفلي بالفالانتاين، أو اعملي/اعمل فالانتاين كل يوم. مهما كان شكل الاحتفال، ومهما كان شكل العلاقة بينكم. المهم أنها تحتفظ بنقاء الحب كمشاعر مجردة، ومش مرتبطة بأي دوشة تشوّش عليها.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

 

المقالة السابقةالرقص مع الحياة
المقالة القادمةما الجديد عن الحب؟!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا