يقترب موعد زفافي جدًا، يقترب لدرجة مرعبة، تجعلني أتعامل معه بطريقة محمد هنيدي في فيلم “جاءنا البيان التالي”، حينما رأى القذيفة تتجه له مباشرةً، فصرخ قائلاً “دي بتقترب علينا!!”. تجهيزات كثيرة لا حصر لها، مضغوطة في ثلاثة أشهر فقط، يجب أن نقابل مسؤولي تركيب الأجهزة اليوم، أن نذهب لشراء النجف غدًا، وأن نحدد موعدًا مع الأستاذ الكهربائي الذي تخلف عن موعدين سابقين لمجرد أنه لا يريد المجيء.
تشطيبات الشقة
لا وقت للانهيار الآن، لا وقت لاستراحة المحارب، كل يوم هو بداية تجهيز لشيء مختلف، والأشياء كثيرة ولا تنتهي، حتى الأشياء التي كنت تراها سابقًا “رفايع”، حين تضعها نصب عينيك لتتممها الآن تستفحل وتستوحش وتفتح ثغرها عن أنيابها في محاولة مخيفة لبلعك، لدرجة يتحول فيها ربط حبال الغسيل مأساة ومهمة ثقيلة على النفس، فقط لأن ما نسميه بالـ”رفايع” لا يبدو أنه سينتهي قريبًا.
بالرغم من أن الضفة الأخرى من النهر تبدو قريبة، وأن الجميع يعدونك بأنك ستسريح قريبًا، وأنه باقي “على الحلو تكة”، إلا أنك تتأكد أن وعودهم زائفة مع مرور الوقت أكثر وأكثر، تمامًا كوعودهم بالوصول للارتياح في الجامعة، لأنك اجتهدت في الثانوية العامة، لأنك مع اقتراب الانتهاء من الخطوط العريضة للتجهيزات، تظهر أزمة أكثر حدة بين الأطراف المساهمة في الزيجة والفرح.
الجوازة باظت!
تجتمع الأطراف الآن في مناقشات حادة حول مكان الفرح، وأهم القاعات وأحسنها، تشبه تمامًا -بدون أي مبالغة- مناقشات عادل إمام مع عريس ابنته ووالدة العريس في فيلم “عريس من جهة أمنية”، حين رمى بالأوراق والأقلا م قائلاً “آدي الجوازة باظت”، مناقشات تودي بحياة الزيجة كلها إلى القرافة، حتى وإن كانت كل العوامل الأخرى التي من المفترض أن تكون متغيرة ثابتة، كالمال مثلاً، فوجوده من عدمه لا يحل الاختلاف على الإطلاق، ليصبح التوتر سيد الموقف، في كل الظروف وعلى كل ردود الأفعال، ولتتحول هذه الجلسات لاجتماعات تشبه كثيرًا اجتماعات القمة العربية، حيث تناول الجاتوه والشاي، ثم التراشق بالألفاظ، ثم فض المجلس.
تقضية واجب
كعروس، لم أحفل أبدًا بزفافي، لم أهتم يومًا بمدى جمال فستاني الأبيض الكبير، لم يكن حلمي أن أطل بالأبيض كما تقول الفنانة ماجدة الرومي، ليس لعيب في، وإنما فقط لأني أهتم بأشياء أخرى، فالسفر خارجًا مثلاً وتجربة أشياء جديدة أكثر أهمية لي من إقامة حفل زفاف ضخم، لإيماني التام بأن بعض هؤلاء الناس يأتون للبوفيه، وأغلبهم يأتون لتمضية وقت فراغ بالسخرية من العريس والعروس، فهم لا يأتون لأنهم يهتمون حقًا، أو لأنهم يريدون أن يشاركونك فرحتك، في الأغلب هم لا يريدون أن يُقال عنهم إنهم لم يقوموا بالواجب، فيقومون به وهم غير مقتنعين به، ليصبح عسلاً طعمه أمر من العلقم في حلقك، ولتصبح مدينًا لهم بزيارات في مناسبات مشابهة، لتتكرر الحلقة ولا تنفك العقدة أبدًا، كأنها عدوى عضة زومبي في فيلم رعب رد.
مدخلش سُكِّيتي
لا تقتنع أمي بقرار ابنتها الساذج من وجهة نظرها، في أنها لا تريد زفافًا أسطوريًا على غرار حفلات زفاف أميرات ديزني، لأنه من المعروف أن من “تدخُل سُكيتي” هي المعيوبة التي تطاردها ألسنة الناس لاحقًا، وهي التي لا يصونها زوجها، ظنًا منه أنها رخيصة، لأنه لم يحضر أهلها فرحها. ورغم إيماني بمدى ذكورية هذه الأشياء وعدم يقيني بها، فإنها للأسف حقيقية، حقيقية لدرجة جعلت زوج صديقتي يعايرها بهذا لاحقًا، وبأنها قبلت التنازل عن الفرح لأنها بايرة ولم تكن لتجد من يتزوجها، لذلك رضيت بالأمر الواقع!
ولذلك فإن أي امرأة عملية مثلي سيُنظَر إليها نفس النظرة، حتى وإن لم تكن تهتم لكلام الناس، وإن كانت متيقنة من اختيارها للشريك الحقيقيي الذي لن يرى هذا عيبًا، سيظل عدم إقامة حفل زفاف نقطة سوداء في تاريخ عائلتي، وسأكون محل قياس في مقارنات لم أطلب يومًا أن أوضع فيها.
طلي بالأبيض.. بخمسين ألف جنيه
عادات وتقاليد تسببت في استفحال ظاهرة صناعة حفلات الزفاف، لتجعلها أحزانًا متلاحقة، تكاليف خرافية على أشياء في منتهى البساطة، أقل حفل زفاف في قاعة غير مشهورة لا يقل عن خمسة عشر ألفًا، قاعة متواضعة المستوى تمامًا، الطعام فيها رديء جدًا ويتكون من “حتة جاتوه وسندوتش بسطرمة”، كما قال هاني رمزي في فيلم “عايز حقي”، ولذلك حتى لا يعيب الناس علينا نختار قاعة من القاعات المعروفة، والتي تبدأ فيها حفلات الزفاف من ثلاثين ألف جنيه.
ثم تأتي “الرفايع” هنا أيضًا لتنغص علينا حياتنا. أقل فستان زفاف يتكلف قرابة عشرة آلاف جنيه، والإيجار لأول “لبسة” لا يقل عن خمسة آلاف جنيه، ميكب آرتيست بما لا يقل عن ثلاثة آلاف، بدلة العريس بما لا يقل عن خمسة آلاف، لننتهي إلى مجموع كلي يصل إلى خمسين ألف جنيه، من أجل ساعتين زمن يأتي فيهما أناس أغلبيتهم لا يهتمون، يرقص بعضهم بهستيريا زائدة على موسيقى مزعجة جدًا، ويجري حولهم أطفال يرتدون بدلات عرسان وفساتين عرائس في مشهد سريالي مريب.
أصبحت صناعة حفلات الزفاف صناعة مجنونة، تستغل سعي الناس الحثيث لنيل الرضا المجتمعي السامي، تستغل ظروف الشباب الحالية وتضغط عليهم بكل جهد لتعتصر آخر ما تبقى في جيوبهم، بعد أن قضى عليهم التضخم وتجهيزات الشقة المرهقة نفسيًا وماديًا، وللأمانة.. لا أرى أملاً من محاربتها، فقط حين يؤمن الناس في المجتمع أنهم ليسوا بحاجة لإظهار ساعدتهم في شكل مادي، حينها يمكن أن نتحدث عن إمكانية حدوث قبول مجتمعي لعروس مثلي، ترغب في أن تعود بعد كتب كتابها إلى بيتها في سلام بدون كلاكسات مرعبة تصم الآذان.
المقال حلو جدا وحقيقي وواقعى جدا