المهم أنه غيَّرني أنا

508

 

كتبه: بولا سامي

مفيش بداية جديدة، إلا وكانت بعد نهاية من مخاض الألم؛ لأن الشمس لمَّا هتشرق هتنور وتحيي الأراضي الصلبة المتحجرة. في نهاية سنة بأحسّ أني ما بين الخوف الشديد والفرحة الشديدة، وكأني مشدود من ناحيتين، والقوتين بينافسوا بعض: مين يشد ناحيته.

بكون خايف من المجهول، والسنة اللي جاية؛ هل هتكون أفضل من سنين فاتت؟ والخوف من فكرة أن عمري وراها بيجري، وتبقى سنة ضاعت من عمرى .. والفرحة أن دي فرصة أني أقفل سنة بماضيها وتعبها وشقاها ومُرّها وإرهاقها .. “ونبدأ على نضيف” زي ما بيقولوا.

أنا شوية اتخضيت، أخذت خطوة لورا، وسألت نفسي هو أنا ليه باصص على السنة كلها من فوق. محتاج أنزل أشوفها من تحت، مكان ما كنت عايش. السنة اللي فاتت كان يمكن أعز أصحابي سافر، وشعور بالوحدة قتلني من غيابه .. كانت مؤلمة لحظة الفراق. بس قبل ما يسافر قعدنا نتقابل كثير ونشوف بعض، ونخلق ذكريات وحكايات وكل مرة أشوفه أحضنه كأني آخر مرة أشوفه فيها. ولما سافر كانت أحلي لحظات؛ وقت بنحكي فيه عن الأوقات اللي قضيناها سوا، وقربنا من بعض أكثر، وبقينا مكشوفين على بعض أكثر.  وكنت حاسس بالقبول في عينيه، وأنا بأحكي عن عاري وكان الشعور بالمثل .. كانت أحلى لحظات القبول غير المشروط اللي عيشتها في حياتي.

ممكن من فوق أنا صاحبي سافر، بس الحقيقة اللي وراها كانت أجمل أوقات قضيتها في حياتي كلها .. عدّيت بمحنة صحية خلِّتني قاعد ما بتحركش لمدة 3 شهور في البيت. كنت تعبان جدًا، ولأني كنت مقيم لوحدي فالأعمال المنزلية كانت مجهدة جدًا. وطول الفترة كنت متضايق وخايف من شغلي أنه ما يقدَّرش تعبي وتحصل مشكلة أو هأعمل ايه الوقت ده كله وأنا في البيت. ودي كانت فترة عمري ما قضيتها قبل كده، حتى في وقت كورونا. وغضب شديد من الألم اللي كان بييجي وكان مزعج. يمكن ده شكل الفترة من فوق بس الحقيقة أصحابي كانوا بيعملوا مشاوير، وييجوا من مسافات بعيدة عشان يقعدوا معايا وما يسبونيش.

كنت كل يوم بعمل Movie Night، وكنت بأنظّم أكلي عشان كنت خايف “الدايت” اللي كنت عامله يضيع بسبب القعدة. كنت بصحى كل يوم بدري عشان أشوف هعمل ايه باقي اليوم وأخطط ليه. مش هنسى واحد صاحبي كان بييجي يساعدني بعد شغله؛ عشان يخلص معايا حاجات مهمة وما سابنيش لحد ما خلصتها. حتي صاحبي اللي كان مسافر ساب كل اللي في ايده قبل ما يسافر عشان يسلم عليَّ على الرغم أنه كان مضغوط جدًا قبل السفر، وده كان قبل الطيارة بساعات.

قريت كم كتب في الفتره دي عمري ما قريتها في حياتي. وما حستش بلحظة من الوحدة على الرغم أن أوقات كبيرة جدًا كنت ببقي لوحدي، واكتشفت بعد الفترة دي كان جوايا سلام عجيب. زمايلي في الشغل وناس ماكنتش متوقعها كانت بتسأل عليَّ باستمرار، وناس قربت منهم جدًا بعدها، وبدل مابقينا زمايل شغل بقينا أصحاب. كانت كلمة “المكتب وحش من غيرك. يلَّا خفّ وارجع بسرعة” كانت بتفرق معايا. ومديري قال لي كلمة إن رصيدي وتعبي في شغلي يسمح لي أني لمَّا أتعب أنهم يشيلوني. كل دي تفاصيل صغيرة، بس لمَّا جمعتها لقيتها لحظات ماتتنسيش. عشان كده الصورة مليانة تفاصيل ما ينفعش نعدّيها.

إحساس الذنب اللي جوايا كان بيزنّ أن فيه حاجات كثيرة ضاعت، بس ماكنتش شايف كل التفاصيل. لو أنا مشيت كيلو متر معناها أني مشيت ألف متر .. أنت متخيل يعني ايه أكثر من ألف خطوة أنت مشيتها، وكل خطوة عينيك شافت فيها كام صورة، وكام لقطة، وكام حاجة غرزت ايه جواك ..اوعى تهمل تفاصيل الرحلة لأنها هي اللي علِّمتني وفهمتني، وكانت أكبر رد لإحساس الذنب اللي كان بياكلني كل يوم.

لمَّا جيت أبصّ على نفسي يوم 1 يناير من السنة دي والنهارده؛ لقيتني كبرت وتعلمت، مع أني مش فاكر أي إنجازات مهمة أنا حققتها أو كبيرة .. بس عندي لحظات حقيقي ماتتنسيش. فقررت أعمل عادتي السنوية اللي بحبها في نهاية كل سنة؛ أني أبعث رسائل الحب لكل الناس اللي عشت معاهم لحظات السنة دي مهمة، وأقول لهم: إني بحبهم، وكانوا فارقين، وكان أول رسالة بعثتها لنفسي؛ لأني حبيتها أنها عدّت وقت صعب، وفضلت مكملة، وكان عندي أمل أن مهما طال الليل هييجي نور الشمس ينور كل ظلمة كانت موجودة.

كتبت رسائلي الباقية لكل حد، سواء كان غريب أو قريب؛ وقلت له: قد ايه مواقف ممكن تكون بسيطة، بس أثَّرت فيَّ ومش ناسيها. فبقت الرسايل بتنقل لهم طاقة الحب، اللي زرعت جوايا من السلام اللي فضل جوَّا قلبي وقت الظروف الصعبة اللي فاتت.

السلام أعطاني مساحة أحب الناس أكثر من الأول، أعطاني هُدنة وخلّى كل المشاعر السلبية تتزحزح من على الوشّ، ويظهر المكنون الحقيقي اللي خلقه ربنا فينا؛ أننا نقدر نحب كل الناس، حتى كمان نقدر نحب اللي أذونا أو كرهونا في لحظات أو حتى احنا كرهناهم .. فالسلام بيحول كل اللي في القلوب لحب وتسامح؛ عشان كده كل الخلافات القديمة بتبقى نهايات بالنسبة لي مؤلمة، لكنها بتبدأ عهد جديد للحب اللي ممكن يغيّر -ولو بسيط-، أو الأهم هو غيرني أنا.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةبتقدر تدوق السعادة؟
المقالة القادمةالعيد الداخلى

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا