بتقدر تدوق السعادة؟

580

 

بقلم: سارة سكر

 

كل حد فينا عنده القاموس بتاعه، اللي فيه مفرداته وتعريفاته ومفاهيمه الخاصة، لكل الكلمات اللي بيستخدمها؛ والمبنية على تفاصيل كثير تخصّ لغته وحواراته، وخبراته في الحياة، من وقت التربية والبيئة اللي طلع فيها؛ وايه كان بيتقال امتى، وبأي طريقة، وشوية حاجات تاني كده بتشكّل مفاهيم الكلمات ومعانيها، وشكل استقبالنا واستخدامنا لها.

وأشرح قصدي أكثر بمَثَل عن كلمة السعادة -مثلًا-، أو كلمة النجاح؛ صعب نتفق على هو ايه بالظبط. فتلاقي تعريف الكلمة يختلف من حد للتاني. سهل قوي كل حد يقول وجهة نظره عن متى يعتبر نفسه ناجح، لكن صعب يقول: ايه هو النجاح في المُطلق.

السعادة كمان كده. يعني لو اتسألت: بتعتبر نفسك سعيد ولا لأ؟ ممكن تعرف تجاوب حسب منظورك لايه شكل السعادة؟ وينطبق عليك ولا لأ؟ .. لكن قليلين قوي اللي ممكن يهزوا راسهم بكل قناعة، وهم متأكدين 100 % أنهم ناس سعداء. ليه بقى؟

تقريبًا كده لأننا تعلمنا حصر السعادة كرد فعل قُدَّام مواقف معينة بتحصل في مناسبات معينة. واللي هي بتيجي كل فين وفين! ولأن المواقف اللي بتسبّب السعادة دي مناسبات بتحصل على فترات بعيدة، مش حاجة يومية روتينية يعني؛ بقى أغلبنا بيحلم بالسعادة ويتمناها من بعيد، ويعيشها بس في أحلام يقظته؛ أنه هيكون سعيد لما يجيب (كذا) أو يحصل (كذا) أو يكون (كذا). وكل حد منا بقى عنده الـ(كذا) بتاعته دي اللي لسه بعيدة قوي. أو حتى لو وصل لها، وحسّ بالسعادة؛ خلاص عدّت وخلصت. وبقى فيه (كذا) و(كذا) و(كذا) غيرها لسه عليهم الدور!

وكأن فيه قرار داخلي كده أنه مش هنوصل للسعادة غير لما نوصل لـ(كذا) دي! زي ما تكون السعادة كنز مخصص لي وحدي، لكنه مدفون تحت شجرة في جزيرة بعيدة. وكل حد عنده تخيله الخاص عن شكل جزيرته، لكن محدّش معاه خريطة، لا مكانية ولا زمنية تؤكد أنه هيوصل لها في يوم من الأيام! فتيجي تسأل حد أنت سعيد؟ يبصّ لنفسه يلاقي روحه لسه مش في جزيرة السعادة، فتبقى الإجابة: لأ طبعًا!

ولأن تعريفاتنا للكلمات مختلفة؛ سألت نفسي: ايه هو مفهومي الخاص للسعادة؟ وبعد تفكير وصلت لتعريفي البسيط؛ السعادة هي: احتفالي أني لسه قادرة أستطعم وأذوق طعم الفرحة.

أيوه، من كثر ما مرّينا وبنمرّ ولسه هنمرّ بحاجات صعبة، كأن اللسان بقى خلاص متعود على الطعم اللاذع المُرّ اللي بيتقدم لنا من مطبخ الحياة. بقينا بنعرف نميزه كويس، ونحكي عنه وندِّي له حجمه. لكن لما بتمرّ علينا في يومنا حاجات صغيرة طعمها حلو، بقت مش بتستوقفنا؛ كأن الصعوبات أفقدتنا حاسة التذوق ناحية السُّكَّريات!

أدركت في الكام سنة اللي فاتوا دول أن الحياة مليانة بأطباق من أصناف الـ(سويت أند ساور) لا لاذع بس، ولا مسكَّر بس! لكن لاذع ومسكَّر داخلين في بعض! علشان كده لو هنعيش نستنى السعادة متقدمة في طبق حلو مسكّر صافي؛ يمكن نستنى كثير قبل ما يجود مطعم الحياة بالطبق ده. واللي يمكن يبقى صغير قوي مايستاهلش الانتظار ده كله. لكن الحل في استعادة حاسة التذوق، وتدريب اللسان اللي بيميز طعم المخلل على تمييز طعم الحاجة الحلوة كمان لما تيجي. وده اللي قصدته بالاحتفال.

وعشان أحتفل بذمة وضمير بقى عندي شوية قواعد كده بأفكر نفسي بيها:

  1. راعي فرق التوقيت.

مش لازم كلنا نتفق على ميعاد واحد للاحتفال. يعني ممكن حفلتي تبقى في وقت تاني غير الوقت اللي كل الناس متفقة عليه. ليه لازم أعيّد بس في العيد الصغير والعيد الكبير؛ لما ممكن يبقى عندي فرصة أني أخلق لنفسي إن شاء الله 365 عيد في السنة؟! ليه الاحتفال يبقى في مواسم معينة؛ لما ممكن نخترع لروحنا مواسم جديدة نحتفل فيها؟! زي الاتنين اللي بيحبوا جديد ما بيحتفلوا بتواريخ خاصة بيهم لوحدهم ماحدش بيشاركهم فيها.

  1. ماحدش حدد حجم السبب اللي يستاهل الاحتفال.

مش لازم الاحتفال بس يقتصر على الأسباب الكبيرة زي  النجاح والإنجاز، أو الجواز وولادة أطفال أو شغل جديد؛ لكن ينفع نحتفل بحاجات صغيرة في يومنا بتحسسنا بالسعادة، حتى لو هي حاجات تافهة قوي. ينفع أحتفل بوصفة جديدة في المطبخ تعلمتها وظبطت معايا، أو حتى لو لسه ما ظبطتش، المرة الجاية تظبط. ينفع أحتفل بوقت حلو ودافي سرقته من روتين يومي بمكالمة تليفون حلوة، ولا حتى رسالة جددت مشاعري. ينفع أغمض عيني وأسيبني أستمتع بدفء الشمس، وأسيبه يتسرب لقلبي يمكن يدفيه. ينفع وينفع وينفع وماحدش قفلها عليّ.

  1. ما تأجليش الاحتفال.

مش لازم الحفلة بس تحصل لمَّا أوصل للدور الأخير في البُرج اللي بأحاول أطلعه! كل دور، وحتى كل درجة سلم تستاهل فرحة الاحتفال. يعني مش لازم أأجِّل الاحتفال لمَّا أخلص الـ 100 حاجة المكتوبين في الـ(To do list)، لكن ممكن أفرح وأحتفل بالـ15 بس اللي خلصوا. مش يمكن لو احتفلت وسبت نفسي أحس بالسعادة والفرحة على الـ15 دول، طاقتي تتجدد وأقوم أكمل!

  1. مش لازم آخذ موافقة علشان أحتفل.

أيوه. احنا واقفين في حتت مختلفة، ورحلة تطورنا وتدرجنا مختلفة، مش لازم سببي للاحتفال يبقى سبب مُقنع ووجيه من وجهة نظر كل اللي حولي. ممكن -مثلًا- زمايلي في الشغل يبقوا سابقين كثير في اللي بيعرفوا يعملوه وشاطرين فيه، بس أنا هنا ودلوقتي بالحاجة الصغيرة اللي يا دُوب تعلمتها وعرفت أعملها، شايفة ده سبب يفرحني ويستاهل الاحتفال. خلاص يبقى أحتفل وأهيص.

السعادة هتفضل كنز مدفون مستني قرار واعي إرادي؛ أني ألاقيه وأخرجه وأتبسط وأحتفل بيه. بس كمان مش لازم يكون مدفون تحت شجرة في جزيرة بعيدة، ممكن يكون مدفون تحت الشجرة اللي تحت البيت.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةحسب التوقيت المحلِّي
المقالة القادمةالمهم أنه غيَّرني أنا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا