محو الأمية النفسية

1016

 

بقلم: سارة سكر

بمجرد خروجنا للحياة من أرحام أمهاتنا تبدأ رحلة الكبر؛ رحلة النمو والتغير نحو النضج. يكبر الطفل يومًا بعد يوم، شهرًا بعد شهر، سنةً بعد سنة. تطول قامته وتشتد عظامه، تنمو أسنانه واحدةً تلو الأخرى. يدخل الحضانة، وبعدها المدرسة، ويتدرج التدرج الطبيعي في سنوات الدراسة باختلاف أنظمة التعليم. وتكر السنين في تزايد مستمر. والإنسان يسير في رحلة الطريق الواحد، طريق له اتجاه واحد: ذهاب فقط للكبر، لا عودة فيه للخلف نحو الصغر.

ومن البداية نجد الأبوَيْنِ يهتمانِ بالتعليم. وحسنًا يفعلان لأنه حقًا مهم. فمن سنين الطفل الأولى يبدآن التفكير في التعليم المناسب، والمدرسة المناسبة، والرياضة المناسبة، والهوايات التي ينويان تطويرها في ابنهما حسب الإمكانيات المتاحة. وهكذا ينغرس فيه أهمية التعلم أثناء الكبر وعملية النمو.

والتعليم والتربية والنمو والإنضاج عمليات مستمرة ومتراكمة ومتنوعة بلا نهاية؛ فهناك التعليم المدرسي والتربية الذهنية العقلية، والتربية الوطنية، والدينية، والأخلاقية .. وصنوف وألوان بلا نهاية. نمو في الجسم، وفي العمر، وفي الإدراك، وفي الاحتياجات، وفي الاهتمامات، وفي المهارات .. نمو بلا توقف أو ثبات أو رجوع للوراء.

يتعلم الطفل وهو يكبر من مرحلة لمرحلة، وبعد كل مرحلة يمتحن ويجتاز امتحانها فيحصل على شهادة بذلك. وهناك من يستمر في الدراسة حتى بعد التخرج من الجامعة فيحصل على شهادات مختلفة. وفي مجتمعنا (الأشطر اللي معاه شهادات أكتر)!

الكبر والنمو عامةً له مظاهر، لكن ليس كل نمو قابلًا للقياس الظاهري. فالنمو الجسدي مثلًا له مظاهر في طول القامة؛ والتي يمكن قياسها وملاحظة تغيرها سنة بعد سنة. واجتياز مرحلة تعليمية للمرحلة التي تليها يصاحبه امتحانات وحصول على شهادات.

لكن ماذا عن النمو النفسي؟ الشخصية الناضجة نفسيًا وجدانيًا واجتماعيًا؟ بالتأكيد هذا النمو له مظاهر. لكنها ليست دائمًا قابلة للقياس الظاهري بالمتر والسنتيمتر، ولا بالتقارير والشهادات. وإن كانت امتحانات ظروف الحياة والمعاملات بين الناس تظهرها وتفضحها. فنجد شخصًا ناضجًا في السن؛ وقد يكون أبًا أو أمًا مسئولًا عن غيره، وقد يكون حاصلًا على أعلى الشهادات، أو يحتل مناصب مرموقة؛ لكنه رضيع اجتماعيًا، أو طفل وجدانيًا، أو أُميّ نفسيًا.

لذا فالنمو النفسي -للوصول لنفسية صحيحة سوية يتبعها علاقات صحيحة سويةيحتاج أيضًا للتعلم والتربية التي كثيرًا ما نغفل عنها؛ لأننا نجهلها، أو لأننا نميل للاهتمام بالظاهر فقط، القشرة الخارجية الواضحة على السطح، دون الاهتمام بالداخل والعميق.

يدخل الطفل المدرسة ويتعلم (أ، ب، ..) و(A, B, C, ..) أو أبجدية أي لغة يتعلمها؛ حتى يتمكن من قراءة هذه اللغة وكتابتها. فلا قراءة ولا كتابة دون تعلم أبجدية. وإذا قابلنا شخصًا كبيرًا لا يعرف أن يقرأ أو يكتب؛ نعرف أنه لم يتعلم الأبجدية ويحتاج لمحو أُميَّتِه، أيْ أنه يحتاج دخول فصول محو أمية الكبار ليعود ويتعلم (أ، ب، ..) من جديد. لكن ماذا عن أبجدية التربية النفسية؟ ما هي (أ، ب، ..) نفسياتنا؟ من يعلمها؟ لماذا لا تُعلَّم في المدارس؟ ممن نتعلمها؟ أمن المجتمع؟ أمن أهالينا؟ وأين نمارسها؟ وكيف تصمد نفسياتنا بدونها وعلاقاتنا دونها؟

كلها أسئلة لا تُجاب في مقال أو كتاب ولا حتى مجلد؛ إذ تحتاج مسيرة الحياة بكاملها لنصل لجودة الحياة النفسية والإجتماعية والروحية. لكن الوعي بها وانفتاح العين والذهن عليها هي أول الخطوات في هذا الطريق الشائك.

خطوات محو الأمية النفسية 

1- اعرف نفسك

أن تعرف أن نفسك تتكون من فكرك ومشاعرك وإرادتك. وتدرك أنك تحتاج لفحص أفكارك ومعتقداتك بانتظام. فتتبنى الصالح منها وتطرد العقيم منها خارج رأسك وخارج أفكارك وخارج تصرفاتك وخارج حياتها بأكملها.

 

2- عبر عن مشاعرك

أن تعبر عن مشاعرك بحرية لنفسك أولًا، ولقلة قليلة ممن يسمعون ويتفهمون ويقدرون ويقبلون دون حجر عليها أو حكم عليك.

 

3- أنت المسئول

أن تستوعب أن إرادتك؛ أنت وحدك المسئول عن تقويتها وتدريبها وضبطها وإدارتها.

 

4- افهم شخصيتك

أن تفهم أن شخصيتك عبارة عن عاداتك، وعاداتك هي تكرار تصرفاتك، وتصرفاتك ناتجة عن مشاعرك، النابعة من أفكارك.

 

5- تخلى عن دور الضحية

أن تأخد مسئولية حياتك، ولا تستمر في العيش بدور الضحية. فتكون قادرًا على التكيف مع ضغوط حياتك، لا أن تعيش منتظرًا أن تخلو حياتك منها. بل تتعامل وتؤدي وتنجز وتحقق وتنمو وتنتج بكفاءة، بالرغم من كل الضغوط المستمرة.

 

6- لا للمقارنة

أن تكون شخصًا واقعيًا تعرف نفسك ومميزاتك وعيوبك؛ فتتناسب طموحاتك مع قدراتك، لا تعيش مُقارِنًا نفسك بمن حولك.

 

7- صاحب نفسك

أن تقيم حوارًا حقيقيًا مع نفسك، وتسألها عن كل فعل وكل رد فعل: لماذا؟ ما هي دوافعك؟ ماذا أردت إثباته؟ لمن؟ ماذا أردت الهرب منه؟ .. وهكذا. وإجابة هذه الأسئلة تفتح الطريق لغيرها. وتستمر في الحفر والتنقيب إلى أن تصل للجذور.

 

وعندها تكون قد بدأت في تعلم (أ، ب، ..) نفسيتك؛ فتبدأ في تعلم ملاحظة وقراءة نفسك، قبل أن تتعلم ملاحظة وقراءة من حولك بمعاملاتهم معك.

من قلبي أتمنى لجميعنا محو أميتنا النفسية.

 

مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةالتعافي .. دور مين؟
المقالة القادمةعن عضلات المسؤولية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا