عن عضلات المسؤولية

1118

 

كتبه: رفيق رائف

“أنا عارف أنك تعرضتِ للاستغلال فى العلاقة دي، وقادر أشوف أنتِ قد ايه تأذيتِ .. لكن اسمحي لي لما تبقي جاهزة أفكر معاكِ فى مسؤوليتك أنتِ عن الوضع دا .. يمكن يكون الطرف الآخر مسؤول فعلًا عن 99% من الأذى اللي تعرضتِ له .. بس أنتِ يمكن تكوني مسؤولة حتى ولو عن جزء بسيط يمثل 1% من اللي حصل .. والحاجة الوحيدة اللي فى ايدينا واللي ممكن تكبرك .. أننا نشوف مسؤوليتك عن اللي حصل كانت فين”.

ده اللي قلته لصديقة كانت بتحكي لي عن علاقة سامة بتحاول تخرج منها لمدة طويلة. وكانت نقطة تحول في كلامنا عن العلاقة دي.

“أول خطوة فى أي تغيير للإنسان هي أن يعترف بمسؤوليته عن وضعه؛ فإذا لم يشعر بأنه مسؤول عن مأساته بأي حال من الأحوال؛ فكيف سيقوم بتغييرها؟” (Love’s Executioner, Irvin Yalom)

 

طيب يعنى ايه مسؤولية؟ وهو الواحد ممكن يكون مسؤول عن ايه مثلًا؟

 

المسؤولية عن الواقع

إني أكون مسؤول عن الواقع هو أني أكون ممتلك للواقع دا. أكون مدرك أن الخبرة اللي بعدِّي بيها دي بتاعتي أنا، ومحدش تاني ينفع يكون مسؤول عن التفاعل معاها غيري. سواء كانت الخبرة دي علاقة، شغل، مرض أو أي حاجة تاني. يمكن أكون مسؤول عن الموقف اللي أنا فيه (زي أني أكون اخترت شخص مش سوي، ودخلت معاه فى علاقة)، ويمكن مكونش السبب فى اللي حصل (زي أني اتصابت بمرض زي السرطان مثلًا). لكن اللي حصل أني في الموقف ده حاليًا، وأنا مسؤول عن التعامل مع تبعات الموقف.

أول خطوة في أني أتحمل مسؤوليتي عن الواقع هي أني أصلًا أشوفه. أشوفه زي ما هو فعلًا مش زي ما أنا عايز أو حابب أشوفه. أوقات كتير بنتحبس فى رؤيتنا للواقع، ومش بنبقى عارفين نشوف أي زوايا تانية.

 

طيب والشَّوَفان بيحصل ازاي؟

الشوفان محتاج openness أو انفتاح. والانفتاح بحسب تعريف Daniel Siegel  في كتابه Mindsight هو القابلية لاستقبال أي شيء ممكن ينتبه له إدراكنا من غير ما نكون متعلقين بفكرة أو اعتقاد معين عن ازاي الأشياء والأحداث “المفروض” تكون. أننا نبعد عن توقعاتنا ونبدأ نستقبل ونشوف الأشياء كما هي فعلًا، من غير ما نحاول نلوي دراع الحقايق ونشوفها بطريقتنا الخاصة. ومهارة الانفتاح دي محتاجة تمرين كتير، من غير ما نكون بنحس بتهديد من أننا نغير وجهة نظرنا.

بعد ما قلت لصديقتي الجملتين اللي فوق دول، انبهرت لما ردت عليّ، وقالت: “معاك حق .. أنا ممكن أكون مسؤولة فعلًا حتى ولو عن جزء بسيط من اللي حصل”. عادة فى المواقف اللي زي دي مش بنبقى قادرين نشوف أي حاجة تانية، غير أننا مظلومين ومتعورين، وأن الطرف الآخر (وأحيانا القدر) هو اللي مسؤول عن كل حاجة حصلت.

بعد الشوفان بتيجي القدرة على التمييز بين حاجتين. فيه حاجات مش هقدر أغيرها في الواقع بتاعي، فبالتالي هحتاج أمشي في سكة قبولها. وفيه حاجات ممكن أغيرها، وبالتالي همشي في سكة تغييرها. لو تلاحظ كلمة “سكة” موجودة فى الاختيارين؛ لأن القبول محتاج رحلة أمشيها، مش بيحصل بين يوم وليلة. وكمان التغيير محتاج رحلة أكون فيها بمشي خطوات صغيرة في التغيير؛ لأن التغيير كمان مش بيحصل في يوم وليلة. أحيانًا تكمن المسؤولية في مجرد قبولك لواقع أنت بتعيشه، قبولك أنك مش عارف تغيّره؛ فتحول تركيزك للحاجات اللي ممكن تتعامل معاها أو تحسن بيها الموقف حتى ولو حتة بسيطة. وأحيانًا أخرى تكمن مسؤوليتك في أنك تصبر على نفسك، تصبر على خطواتك الصغيرة اللي بتمشيها في سكة التغيير.

 

المسؤولية فى العلاقات

أما عن المسؤولية في العلاقات، فهي بدايتها برضه في الشوفان. أنى أكون منفتح وقادر أميز ايه اللي محتاج أقبله في الآخر، وايه اللي محتاج أغيره في نفسي، وايه اللي الآخر هيقدر يغيره في نفسه. واصبر كمان على خطوات التغيير اللي بياخدها كل حد فينا.

أنا كمان بحتاج أبقى مسؤول عن شوفان الآخر .. أنى أشوفه وأعرفه زي ما هو فعلًا مش زي ما أنا عايز أشوفه. وأني أسيبه يشرح لي ويعرفني نفسه، بدون ما أتمسك بأحكامي عليه وأحبسه في نظرتي عنه. احنا بنستسهل نطلق على بعض عناوين (labels) .. (أنت ضعيف، أنتِ مسيطرة، أنت معقد، أنتِ أنانية) عشان عنونة البني آدم  سهلة وبسيطة، لكن الأصعب أننا نشوف اللخبطة اللي جوا كل واحد منا، بننسى أننا كائنات معقدة، فينا حاجة من كل حاجة .. يمكن يكون فينا شوية أنانية، مع شوية حب، مع شوية توهان، مع شوية حكمة، مع شوية حساسية، مع شوية ضعف، مع شوية قوة، وشوية شجاعة مع جبن.

أنا مسؤول أعرف الآخر، وكمان أسيب الآخر يعرفني؛ وخاصة لو كنا في علاقة قريبة. بحتاج أشرح نفسي وأتواصل معاه .. وإلا ازاي الآخر دا هيعرفني! جملة زي “ما أنت لو مهتم كنت عرفت لوحدك” مش بتخليني أشيل مسؤوليتي تجاه الآخر وتجاه العلاقة؛ بالعكس برميها كلها على الآخر وبستنى منه ينجم ويفك طلاسم دماغي عشان يعرف ايه اللي مضايقني، وكمان يعرف ايه أفضل طريقة لاحتوائي في الوقت دا. كل دا من غير ما أبذل أنا أي مجهود لتوضيح نفسي، لتوضيح ايه اللي مضايقني، وايه اللي أنا محتاجه دلوقتي. المسؤولية فى العلاقات فيها عتاب من غير ما أكون بهاجم الآخر أو بزنقه عشان أسيطر عليه، فيها وضوح من غير ما أكون بتلاعب بالآخر.

 

 المسؤولية فى علاقتى بنفسى

زي ما اتفقنا، أي مسؤولية بتبدأ بالشوفان. وشوفان النفس هو مرادف للأمانة مع النفس، بحتاج أشوف نفسي من غير ما اتكسف منها، أشوف الحتت اللي أنا قوي فيها، وأشوف برضه ضعفي وعدم كمالي من غير ما أمسك الكرباج لنفسي. بحتاج أحتويني وأصاحبني، بحتاج أتكلم معايا، بحتاج أرعى نفسي وأهتم بيها عشان هي أغلى حاجة أملكها في هذه الدنيا. بحتاج أهتم بجسمي، أسيبه يرتاح كويس، وأهتم بصحته، بتغذيته وببنيانه. محتاج أهتم بعقلي، أنه يقرأ ويفهم ويشوف الدنيا ويوسع ويتغذى. بحتاج أهتم بمشاعري، أسيب نفسي أحس باللي أنا حاسس بيه، وأحتويني. بحتاج أتعود أشوف ألوان مختلفة من المشاعر جوايا، وأعبر عنها بحرية من غير كبت أو هروب.

أخيرًا، المسؤولية معناها أني أشيل الجزء الخاص بي فقط، متورطش في شيلة مش بتاعتي وأشيلها فألاقي عضلاتي تتمزق، ولا أهرب من الشيلة بتاعتي وأرميها على الآخر. لو لقيت نفسك بتهرب من المسؤولية في أوقات، أو بتشيل مسؤولية زيادة في أوقات تانية .. لا بأس يا صديقي .. امتنَّ لشوفانك وأمانتك مع نفسك. واصبر على عضلات مسؤوليتك وهي بتكبر.

 

مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةمحو الأمية النفسية
المقالة القادمةمَن الجاني؟

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا