الحب عليه ديون

1005

 

 كتبه: بولا سامي

 

في حوار مفتوح مع شخص لا زلت وهفضل ممتن لكل حاجة عملها معايا لحد ما أموت؛ سألته بعد الوقت الصعب اللي فات والمرحلة اللي وصلت لها من نضوج وسلام نفسي بحس أني مدين ليك بالحب. طول الوقت حاسس أني عايز أرد لك الحب ده، وأنا مدين لك بيه؛ لأن اللي قدمته لي أكبر من أني أرده في موقف ولا حتى اللي باقي من عمري، لأنك أنقذتني من الموت حرفيًا.

أخذ نفس عميق ورد وقال لي: الدين اللي عليك من الحب اللي اتقدم لك أنا كنت مدين بيه لحد تاني. ولما سألته: ازاي أرد لك الحب؟ قاللي: قدمه لحد محتاج الحب وأنت مش مستني منه يرد لك الحب؛ إنما لحد تاني. وكأن الزمن توقف! في اللحظه دي تخيلت مدى اللي أنا مدين بيه.

لما عدت الأيام، وفهمت اللي حصل عرفت أن ديون الحب مابتخلصش .. مش ممكن يكون الدين اللى اتدفع فيّ غالي قوي كده، وكأني لو فديت ناس كثير هفضل مدين لأني اللي اتقدم لي كان كبير جدًا. بس أنا الدين مش مخلي ظهري مَحني ولا محتاج ولا محووج. أنا حر أني ما أردش بس ده عهد مع الحب؛ لأن البركة اللي شفتها في حياتي تستاهل ناس كثير تشوفها.

وهي دي كانت بالنسبة لي نقطة انطلاق للحب .. أحب اللي مش بيقدم لي الحب بنفس الشكل اللي بقدمه .. كنت دايمًا مستني الحب بشكل معين ومحدد، يعوض نقص احتياجي منه. لكن كان طبيعي لازم أفهم أن كل واحد بيقدم الحب بطريقته اللي يقدر بيها يقدمه، وخبراته اللي عرف بيها الحب، وأني أنتظر الحب بشكل محدد ده حكم عليه بالموت. بعدها بفترة كبيرة عرفت أني قادر أحب اللي مش بيبادلني نفس الحب، حتى اللي رفض الحب بشكل واضح وصريح لأسبابه الخاصة بحس أني في لحظة ما قادر أقدم له الحب.

فاكر لما اتعينت في شركة جديدة لقيت ناس في أول تعاملاتها حادة جدًا وبدون أي مبرر .. وكنت كل ما أحتك بيهم في الشغل ألاقي نوع من الرفض غير المُبرر، على الرغم أني لسه في البداية، وبكون لطيف في البداية -علشان أقدر أكسر الحاجز أن الناس مش عارفاني، ولازم أبدأ أتعرف عليهم-. بس ده كان سبب في تأخر الشغل، ومش عارف أعمل ايه؛ أنا لسه جديد، ومش هبدأ تعاملاتي بمشاكل وخلافات مع ناس أقدم مني بكثير. بعدها بوقت عرفت حد منهم تعب فكلمته واطمنت عليه. وبعد رجوعه تحول الفعل البسيط لتيار جارف من الحب والتعاون والمعزة غير المحدودة، ووصلت أنهم ممكن ينبهوني لأمور مش شايفها. ففهمت أن تيار المحبة لما بيتدفق مع مرور الوقت بيكسر أي صخور قاسية متحجرة .. الناس بتكون محتاجة الحب أكيد، بس محتاجة اللي بيقدمه ليها يصبر عليها شوية؛ لأن استيعاب الحب مش بيكون سهل، لأن زي ما بنقول مالهوش كتالوج علشان يعرفوا يتعاملوا معاه.

كان إحساس الحب وهو بيجري جوايا، مش بس اللي اتقدم لي من أشخاص حبوني من غير شروط؛ إنما رحلة من حبي لنفسي، وأني أرحمها من الجلاد اللي كان جوايا. وده فتح قلبي على حب أعظم وأغلى؛ الحب هو كان حب ربنا .. كان النور اللي نوَّر الأرض الخراب، وبقت أرض خصبة.

كان فيه حب جوايا، مبذول فيه مجهود علشان أقدر أحب غيري؛ بس حسيت أن تعبي ربنا بيكمله، أنه يضخ جوايا حب بزيادة لغيري .. وكل ما أحس أني بحب ربنا أكثر؛ كانت عيني بتنفتح أني أحب غيري أكثر وأسامح أكثر خصوصًا اللي كانوا سبب أني أدفع ثمن مرضي بعدين وآذوني.

لما كنت ماشي رحلة الغفران، كنت فاكر أني لما هغفر للناس هغفر مرة واحدة؛ إنما طلع أني بغفر حتة حتة. ممكن الشخص اللي آذاني يكون ماتغيرش، وطبيعي هيكون بينا تعاملات زي الأهل؛ بس فيه حاجات أنا قادر أتعامل معاها. ومع الوقت بكون قادر أتعامل مع أمور ثانية أنا كنت رافضها منهم، مش لأنهم تغيروا؛ بس لأني قدرت مع الوقت أتعامل معاها جوايا، ومع الوقت غفرت لأني فهمت، ولما فهمت عرفت أن كل إنسان بيتصرف بمقدار ما وصل له من معرفة، مش بنفس المقدار اللي وصلت أنا ليه. بس كان فيه نقطة محورية جدًا بالنسبة لي هو أنا ممكن أحب حد عُمره ماقدم لي الحب وآذاني؟

أنا قعدت سنين أعالج الأجزاء اللي جوايا اللي تأذَّتْ منهم، بس أحبهم من تاني! .. ماكنتش مسئول عن الحب ده، يمكن فيه خبرات ثانية مختلفة، بس أنا حسيت بفيض من الحب فجأة أنا غير مسئول عنه. وفي لحظة مع ربنا فهمت أن كل تعب في جهادي مع نفسي، وفي رحلة تعافي كنت بطلب: يا رب ساعدني أحبهم من تاني .. ماكنتش عارف .. بس ربنا كان مسئول عن الحب ده، أنه يغير قلبي بعد التعب اللي فات .. لحد ماشفت بعيني أن الحب اللي جوايا اللي كنت فاكره ميت تجاه ناس معينة بقى عايش وحي وقادر يعطي.

الحب مش مشاعر وعطاء وبس؛ إنما هو جهد مبذول مع رحلة طويلة في درب طويل، ونعمة من عند ربنا بنحصدها مع طريق التعافي. وكأن اللي اخترق قلبي في البداية وحبني وساعدني عشان أقوم من الموت اللي كنت فيه؛ كان هو الباب اللي فتح عيني على حب ربنا الكبير لينا، وهو اللي غيرني وبقيت أنا اللي عليه دلوقتي .. ربنا بيطبطب على قلبي، وقلوبكم طول الوقت.

 

مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةعن الرقص مع الآخر
المقالة القادمةالله الكبير

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا