التعلم والكورسات ما بين الشغف وحجة تأخر سن الزواج

1137

الرغبة في التعلم أمر محبب ومحمود، حيث لم يفت وقت التعلم بعد، ولكن على الجانب الآخر بقدر ما تخطئ الكثيرات باعتبار أن قطار التعلم قد فاتهن، تخطئ أخريات باعتبار أن التعلم قناع يحميهن من النقد الاجتماعي، غالبًا ما يكون ذلك بسبب تأخر سن الزواج للفتاة، لذا تلجأ للتعلم كوسيلة للتغطية على ذلك، وليس وسيلة تعلم شغوف حقيقة، وهكذا بين الإفراط والتفريط يضيع الهدف. لكل الفتيات اللاتي لم يُكَونَّ أسرة بعد نتكلم اليوم.

يقولون لكِ الزواج نصف الدين وكل الحياة

أنتِ فتاة شرقية في عالم يعتبر اكتمال المرأة لا يكون إلا بالزواج، فالفتاة غير المتزوجة ينقصها شيء، ومن أسوأ ما تفعله الفتاة بنفسها أن تخضع لهذه النظرة المجتمعية الضيقة، وأن تنظر لنفسها ذات النظرة. فتعيش حياتها في انتظار الزواج لتبدأ حياتها، فتكتشف في النهاية أنها أضاعتها بالفعل، فإن لم تتزوج فقد فقدت ممارسة الحياة في انتظار الزواج، وإن تزوجت في النهاية تكتشف الأعباء والمسؤوليات المحيطة بها، وتكتشف كيف أنها أهدرت أفضل سنوات عمرها قبل الزواج في انتظار وقلق.

ولأن الزواج عند غالبية الفتيات غاية في ذاته، فإنهن يلجأن لحيلة من اثنتين، إما مداراة عدم الزواج بالانشغال في الكثير من الكورسات والنشاطات وغيرها من الأمور، وإما في الاكتئاب والانتظار وندب الحظ العسر الذي أخَّر زواجها، وسواء كنتِ هذه الفتاة أو تلك فراجعي موقفك وحاولي أن تتوقفي قبل إهدار حياتك فيما لا يسعدك.

التعلم ليس ساترًا للاختباء خلفه

بالتأكيد الكورسات وورش العمل والدراسات العليا وغيرها من نشاطات التعلم شيء إيجابي، ولكن يجب الحذر من أن يكون الغرض من هذا النشاط الهروب وليس الشغف والتعلم، وأن يتم بشكل عشوائي.

هناك من تسمع عن كورس للغات فتقرر الانضمام، بعد نهايته غالبًا بنتائج ليست جيدة، تقرر الانضمام لكورس حول التنمية الذاتية، ثم تستيقظ مقررة أنه حان الوقت لتتعلم البرمجة، لتكتشف أنها طوال حياتها محبة للرسوم المتحركة، فالمجال الأمثل هو تعلم الجرافيك. تقابل زميلاتها فيسألنها عن ما تفعله هذه الأيام، فتقفز الفكرة في رأسها مباشرة، لتجيب أنها قررت الحصول على الماجيستير لاستكمال دراساتها العليا.

وهكذا تجد الفتاة من هذا النوع نفسها تقفز من مجال إلى آخر ومن هدف إلى آخر، بلا رغبة حقيقية أو شغف أصلي بتعلم شيء محدد، هي فقط تبحث عن حجة أمام الجميع لتثبت لهم أنها مشغولة للغاية بأمور هامة هي ما يعطلها عن الزواج. وللأسف غالبًا بمجرد خطبتها، ستهمل كل هذه النشاطات بالجملة وتتوقف تمامًا عن التطلع لأي نوع من الحياة خارج دائرة الزواج.

تعلمي من أجل ذاتك وسعادتك

ليس هناك أسوأ من عدم التعلم والتوقف عن ممارسة الحياة إلا ممارستها رياء للناس، وكرشوة لصمت المجتمع وليس للحصول على السعادة. تذكري أن الهدف الأكبر في حياتك هو أن تمارسيها وأنتِ سعيدة، فلا معنى لقيامك بنشاط لا تحبينه أو تكبيل نفسك بالنشاطات المرهقة من أجل الحصول على الرضا المجتمعي أو شراء الصمت المجتمعي. لذا لا معنى لأن تثقلي ذاتك بالنشاطات التي لا تحقق لك السعادة ولا توصلك للنجاح، بل فقط تعتبرينها تزجية وقت كي تكوني مشغولة في نظر الآخرين.

انسي الجميع وضعي خطتك الآن، لا يجب أن تكون حياتك رد فعل، فأنتِ لم تتزوجي لذا سأدرس حتى أحظى بزوج المستقبل، بل ضعي خطط حياتك بشكل منفصل، يجب أن يكون لكِ خطه في الحياة تريدين الوصول إليها، سواء تزوجتِ أم لا. حددي ماذا تريدين أن تفعلي في السنوات المقبلة، وعلى هذا الأساس تحددي ما تريدين أن تدرسيه وأي المجالات ترغبين في اقتحامها.

لا بأس من أن تغيري رأيك أو تغيري مجالك كليًا، ولكن المهم أن يكون هذا التغيير لأنك تريدين الأفضل لنفسك، لأنك اكتشفتِ مجالاً ستكونين أكثر سعادة وتحقيقًا لذاتك بتعلمه، وليس مجرد انتقال عشوائي لملء الوقت. وهكذا ستجدين أن المجال النهائي الذي ستختارينه يمثل نقاطًا متصلة من التعلم، فأنت تنتقلين من النقطة أ للنقطة ب للنقطة ج خلال مشوارك في المعرفة لأمور ترغبينها وتريدين الوصول لها. لا يهم هل تقاطع الزواج مع طريقك هذا، فالمفترض ألا يجعلك تتوقفين. أنتِ تتعلمين كي تقتحمي مجالاً يسعدك ويشعرك بالتحقق وقد خططتِ لهذا، هنا يصبح التعلم هدفًا حقيقيًا ومنطقيًا.

الحل: خططي لحياتك أنتِ كما تريدنها

هناك مقولة مميزة تقول “إن الفضيلة وَسَط بين رذيلتين”، وهكذا فإن كان التعلم لملء الوقت والهروب من المجتمع بسبب عدم الزواج رذيلة إنسانية في حق نفسك، فإن الاكتئاب والتقوقع وعدم ممارسة أي نوع من الحياة في انتظار فارس الأحلام على حصانه الأبيض أيضًا رذيلة إنسانية في حق ذاتك. ولا تناقض هنا، فالهدف هو ألا تجعلي من الزواج الهدف الأوحد الذي يدور فلكك حوله، فتدرسين من أجل الهروب من وصمة عدم الزواج أو تتقوقعين وتكتئبين من أجل الشيء ذاته.

الحل كما اتفقنا أن تخططي لحياتك بعيدًا عن فكرة الزواج، أن يكون تحقيق الذات والنجاح والاهتمام بتعلم الجديد والشعور بالسعادة من هذا التعلم، فلا أنتِ أنهكت نفسك فيما لا تريدين، ولا أنتِ أهملت نفسك وتوقفتِ عن الحياة.

قد تتساءل بعض الفتيات وما الضرر في التعلم حتى الزواج ثم أنتبه لمنزلي وأطفالي، والحقيقة أن الزواج والأسرة والبيت ضغوط شديدة تأخذك في دوامتها، ولكن يجب ألا تفقدي ذاتك أثناء ممارستها، ألا تنهين شغفك وما تحبين. الأم والزوجة السعيدة تخلق بيتًا سعيدًا، عندما تعطي لنفسك وقتًا خاصًا بكِ، وتحققين أحلامك ستسعدين أسرتك على تحقيق أحلامها. أما الانكفاء في دور واحد في الحياة لن يخلق سوى تعود الروتين والملل والضيق.

في النهاية التعلم قيمة كبيرة جدًا، تبدأ بتعلم لعبة جديدة عبر الموبايل وتصل لتعلم وإتقان علم كامل، ليس من المهم نوع التعلم هل كبير أم صغير، المهم أن تمارسي نشاطًا يكون مليئًا بالشغف والفائدة النفسية والفعلية، وأن توقني دائمًا أن الحياة بها أمور أكثر مما يتوقعه المجتمع من الفتاة، وأنه يمكنك أن تحققي سعادتك الشخصية، لا ما ينتظره منكِ الآخرون.

اقرأ أيضًا: مواقع التعلم عن بُعد: روتين يومي أفضل مع كورونا

المقالة السابقةسيدات القمر: رواية تنبض بالحياة
المقالة القادمةكيف يهزمك من كان أحد انتصاراتك؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا