التحرش والاغتصاب في مصر: رعب نعيشه كل يوم

1221

الانتهاك الجنسي واقع مؤلم نعيش فيه

لن يكون في كلامي أي مبالغة إذا قلت ليس هناك امرأة في مصر لم تتعرض للتحرش، الاغتصاب، أو كليهما، أو حتى إذا قلت إن نسبة لا بأس بها من النساء تعرضن لحوادث التحرش وهن تحت السن القانونية، ابتداءً من طفلة الحفاضة التي اغتُصِبَت في الدقهلية، والتي لم تكن قد تجاوزت العامين، ومن قبلها الطفلة زينة ضحية بورسعيد، والتي كان عمرها خمس سنوات، وغيرهما، في سلسلة طويلة مؤلمة من القصص التي يشيب لها الولدان.

فلا توجد امرأة مصرية مهما كان عمرها أو شكلها أو خلفيتها الاجتماعية أو أسلوب حياتها، من طريقة ملبس أو مكان عمل أو أغراض نزولها للشارع المصري، إلا وفي قلبها ألف قصة، وفي حلقها ألف غصة، تمزق أحشاءها وهي تبتلعها حتى تستطيع أن تضحك في وجه أسرتها، زملائها، وحتى في وجه نفسها بالمرآة، لتُطمئِن نفسها أنه ما يزال بها بعض الرمق لتعيش بدون أن يشعر أحد بما يعتمل في صدرها، آملةً في غد أفضل قليلاً، تفرح فيه بانتصاراتها الصغيرة على واقعها الذي لا يرحم، في أن تشتري سماعة موبايل عازلة للصوت فلا تسمع خيالات جنسية تُوصَف لها عن جسدها من عشرات الغرباء، أو أن تركب ميكروباصًا وتجلس بجانب امرأة، أو أن تعود للمنزل في تاكسي لم يقرر سائقه أن يغتصبها، وتبقى “جت سليمة” إذا نظر لصدرها في مرآة سيارته الأمامية فقط.

100 ضحية!

أعرف أنكم قد شبعتم حكايات وقرأتم ألف قصة، وقد دوَّنت أنا عشرات المرات عن الاضطهاد الجنسي للمرأة المصرية، وكيف أنه سرطان متجذر في حياة كل واحدة منا، لكن هذه المرة تختلف، هذه المرة فرد واحد فقط، واحد، انتهك ما لا يقل عن 100 ضحية! هل تستوعبون معي النسبة؟ 1 إلى 100! تخيلوا تكرار هذه النسبة على المتحرشين والمغتصبين وضحاياهم، فمع كل 100 متحرش أو مغتصب لدينا ألف ضحية، وهذا يعني أن 50 ألف مغتصب ومتحرش قادرين على انتهاك 5 ملايين امرأة، وبالنسبة لآخر بيان من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2019، فعدد نساء مصر 50 مليونًا، واضعةً في الحسبان عدم التعميم الذي يشتكي منه الرجال، يعجز عقلي عن قبول ناتج الحسبة.

100 ضحية! كل قصة يقشعر لها البدن، ضحايا ابتزاز جنسي، تحرش -جسدي ولفظي وإلكتروني- واغتصاب بنوعيه، فقد قام -حسب شهادات الضحايا- بالاغتصاب الشرجي، وهو ما لا يعتبره القانون المصري اغتصابًا، بل يُنظَر إليه على أنه انتهاك عقوبته مخففة، وهذا ما حدث عام 2015 في قضية اغتصاب أميني شرطة لفتاة، خرج كلاهما منها بكفالة 1000 جنيه، رغم تطابق السائل المنوي مع العينة المأخوذة من الضحية، لأنهما قاما بهذا شرجيًا، وهو ما لا يعترف به القانون اغتصابًا.

100 ضحية! إحداهن انتهى بها الأمر بالبواسير وكسر في الحوض، وإحداهن أخبرها المُغتصٍب أن تقف ثابتة حتى ينتهى من فعلته كي لا تؤلمانه خصيتاه بسبب عدم القذف.. الرعب في أشد صوره!

صمت الضحية

مع الهلع من عدد الضحايا لشخص واحد، انبثق التساؤل: لم صمتن؟ لمَ لم يقدمن بلاغات أو يتكلمن قبل اليوم عما حدث؟ فهل يُفهَم من صمتهن ضمنيًا موافقتهن؟ ولمن يسأل هذا، آخذه في جولة في نفسية الضحية.

1. الإحساس بالعار

وهو رد فعل لأي حالة اعتداء جنسي، حيث تشعر الضحية أنها السبب الرئيسي فيما حدث لها، بل ومسؤولة عن هذا الانتهاك، وأن ربما تصرفاتها قد سولت لنفس المعتدي هذا الاعتداء، ربما كانت ابتسامتها، موافقتها للخروج معه، ربما جلست بطريقة أوحت له برضاها، ربما لم تعبر عن رفضها بما يكفي، بل قد يصل بها الأمر إلى ظهور الامتعاض على وجهها وعدم الراحة لكنها لا تنطق، وذلك لأن ردود أفعال الأشخاص واستجاباتهم النفسية والعضلية تجاه الاعتداءات مختلفة، فمنا من يصرخ ويطلب النجدة، ومنا من يتجمد الدم في عروقه، فيتخشب جسده ويدخل عقله في حالة نكران لما يحدث له، ومنا من يرغب في الصراخ فيقف الصوت في حلقه.

2. الإنكار

وهو آلية نفسية دفاعية يستخدمها بعض المُعتدى عليهن للتهوين من آثار الاعتداء، باعتباره شيئًا يحدث للجميع، فهي ليست الضحية الأولى ولا الأخيرة، أو أن تُسمي ما حدث شيئًا آخر غير “اغتصاب” أو “تحرش”، لوقع الكلمة وأثرها على النفس، فيرفضها العقل، وهو ما يؤدي في أحيان كثيرة للاكتئاب والهلاوس والبرانويا وأمراض نفسية أخرى، وهو ما صورته السيناريست “مريم نعوم” والمخرجة “كاملة أبو ذكري” ببراعة في مسلسل “سجن النسا”، حيث لعبت دنيا ماهر دور “حياة”، امرأة متزوجة ينتهي التحرش اليومي بها إلي الانكار ثم الاكتئاب، وحتى الرغبة في الانتحار وقتل عائلتها، فتدس لهم جميعًا السم بالطعام، لتعيش هى ويموتون جميعًا، فتدخل سجن النسا وهي في حالة كتاتونيا، وهو شلل جسدي تام ينتج عن اضطراب عقلي وليس مرض نفسي.

3. الخوف من اللوم

حيث تخاف الضحية من لومها على واقعة الانتهاك، وهو ما يحدث من غالبية المحيطين بها، سواء من الأهل، الأقارب، الأصدقاء، والناس بشكل عام إذا ما انتشرت أخبار الواقعة في الصحافة، فغالبًا ما كانت ملابسها تصف، وإذا كانت محجبة فهي لم ترتدِ الحجاب الشرعي، وإذا كانت منتقبة فعينيها بارزتين، وإذا وضعت بيشة فكفيها، وإذا كانت مغطاة من رأسها لأخمص قدميها فهي ترتدي الألوان الملفتة.

وإذا كان الجاني شخصًا مقربًا، كصديق أو زميل في العمل أو الدراسة، فقد ضحكت بصوت عالٍ، أو أعطته سندوتش فول من إفطارها، أو رآها تقف أمام الشركة تنتظر أحدهم، فهي بالضرورة “شمال” و”عايزة تتشقط”. أما إذا كان فردًا من العائلة كالعم أو الخال أو صديق مقرب لها، فهي بالضرورة تعاني من التهيؤات.

ثم يأتي دور أهل الجاني إن اختارت الضحية إبلاغ الشرطة، وإلحاحهم على المجني عليها في التنازل، وإن لم ينجحوا فينقبوا في ماضيها بحثًا عن أي ثغرة تحولها لشريكة في الاعتداء، بل وبعض أفراد الشرطة، فكم من قصة أصر فيها القائم على كتابة المحضر على تغييره من “تحرش” لـ”سرقة”، تحت مسميات “كله من أجل سمعتك”، “أنتِ مثل ابنتي”، “كده كده هيتحبس”، وهو لغز لا أستطيع تفسيره، فما سر التمسك بعدم كتابة نوع الانتهاك في المحضر بوصفه الحقيقي؟! وكيف أن ما قاله لي أحدهم أو ما فعله بجسدي رغمًا عني يضر بسمعتي أنا من أحكي وليس بسمعته هو الفاعل، فهل يُلام المقتول بسبب قتله؟ لم يكن يرتدي واقيًا ضد الرصاص مثلاً؟ أم يُلام المسروق على حمله لمحفظته في العلن حين يشتكي السارق؟!

تعددت الحوادث والسبب واحد

لكل جاني يوجد عشرات المبررين، يعطونه القوة والقدرة على ممارسة جرائمه مرة واثنتين ومائة -بالنسبة إلى ما رأينا مؤخرًا- فهو يعرف تمامًا أن نسبة كبيرة من المجتمع ستحميه، ستُكذِّب الفتيات، وهن سيسكتن، خوفًا من الوصم المجتمعي. هؤلاء المبررين يحمون أنفسهم في المقام الأول، يحمون امتيازاتهم باعتبارهم متحرشين ومنتهكين محتملين، ولو بالنظر فقط، وهم شركاء أساسيون في الجريمة، وكأن تبريرهم اتفاق ضمني بينهم وبين بعضهم البعض تدعمه الرغبة الداخلية في ممارسة الانتهاكات الجنسية.

سيقولون شابًا لم يستطع أن يتزوج بسبب الأحوال الاقتصادية، أصابه الكبت الجنسي المحموم مع عدم قدرته على احتمال رؤية إحداهن ببنطال، فهل يستطيع الكلب كبح جماحه عن طبق لحم مكشوف؟ وإن كان هذا هو التفسير الحقيقي للتحرش والاغتصاب، فلماذا يتحرش المدير في العمل؟ ولماذا يتحرش الطفل ذو الـ13 عامًا؟ لماذا يغتصب سليل الحسب والنسب خريج الجامعات التي تُدفَع مصاريفها بالدولار؟ لماذا يمارس الزوج الاغتصاب الزوجي على زوجته؟ لماذا كرهت طوال أربع سنوات قضيت منها يومين كل أسبوع ذهابًا لدرس الفرنسية المرور على بائع الفاكهة على أول الشارع الذي كان يبلغ من العمر سبعين عامًا، بينما كان عمري 18 عامًا، لأنه يصف لي أحلامه الجنسية عن جسدي؟

سيقولون ملابسها السبب، فإن تم انتهاك المحجبة والمنتقبة برر أحد الشيوخ أن هذا بسبب من لا ترتدي ما يرضي معاييره عن الأخلاق. وبرر غيره أن حجابها ليس مناسبًا ليحميها، لأن الحجاب والنقاب والملابس الفضفاضة أكثر إغراءً، كما قالت مربية فاضلة “تحت العباية حكاية”، واصفةً نظرة الرجل للملابس الواسعة، مرغبةً مراهقة في ارتدائها، نعم، فالتبرير من الرجل والمرأة الذكوريين على حد السواء.

إنما هو بحث العاجز عن القوة، عن الرغبة في إظهار السيطرة وممارسة الذكورة بإخضاع الأضعف، بسبب الشعور بعدم الأمان وبغياب القوة الفعلية في التحكم بمجريات أموره، ولذلك يستمد قوته من التحكم والتأثير في الآخرين، يستمد سيطرته من تبريره لأفعاله باعتبارها مقبولة بسبب قبوله في المجتمع ويقينه بعدم وجود عقاب رادع له، وبأنه سيتم تمرير أفعاله حتى مع فداحتها، لدرجة أن يتحدث بعضهم عن تعويض الضحية عن اغتصابها أو التحرش بها بالأسف، أو ببكاء الجاني بدلاً من الإبلاغ عنه وحبسه وضياع مستقبله.

وأحيانًا يكون تضخيم المعتدي لذاته، ونظرته لغالبية النساء على أنهن يستحققن الانتهاك الجنسي إن رفضنه، فكيف تقول لا وهو من هو، ومجتمعنا يضحك على هذا في أغنية فكاهية بعنوان “عشان تبقي تقولي لأ”.

اقرأ أيضًا: حوادث تحرش مجمعة: ما لم أخبر به أحدًا

المقالة السابقةالقلب العاجز
المقالة القادمةمدرسة الحياة
صحفية وكاتبة مصرية.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا