نزِّل من على كتافك

936

 

كتبته: سارة سكر

 

اكتشفت وأنا ماشية في الحياة أني شايلة شنطة كبيرة مليانة أحمال تقيلة، وبأحاول أمشي وأقطع مسافات ومكملة، رغم تقل الشنطة دي! أحمالها تعباني ومتقلاني، حانية ضهري تحت تقلها، ومأخرة خطواتي ومكعبلاني!

طب ليه؟ هي كده.

مين اللي قال؟ أهو خدناها كده. علموها لنا كده. عيشنا وكبرنا بيها كده.

مع الوقت والسن والنضج واحتياجي للمشي في طرق وسكك جديدة ما أعرفش حد مشيها قبلي؛ بقيت محتاجة ألاقي حلول مختلفة لشيلتي التقيلة دي، لأني بأتعب وبأرهق وبأجيب أخري. تعلمت من وقت للتاني أقف على جنب وأنزل الشنطة -اللي خدتها زي ما هي كدة- من على كتافي. أفتحها وأبص فيها وأشوف ايه اللي ممكن يطلع منها ويتساب. كتير كنت بأقضي أيام وليالي وشهور ويمكن سنين قبل ما أقرر أطلع حاجة من شنطتي دي وأسيبها وأمشي!

وكتير كنت بعد ما أخد القرار ده، وأمشي فعلًا وأسيبها ورايا. أرجع تاني أدور عليها وأشيلها من جديد!

قد كده ماتعلمناش نريح روحنا! قد كده قرار التخلي، وأننا ننزل من على كتافنا أتقال قرار صعب!

أيوه ده مش سهل خالص!

 

نزل الشيلة

علشان كده أنا هنا لا بأنظر ولا بأنصح، وعارفة كويس قد ايه احنا غير بعض، ومسئولياتنا والتزاماتنا وشُنطنا وشيلنا مختلفة. أنا بس بأحكي وبأعبر وبأشاور على شوية حاجات. لمّا اخترت بوعي ماكملش ماشية بيهم، وأخدت قرار أني أنزلهم من على كتافي، وطلعتهم من شنطة مسئولياتي؛ شيلتي بقت أخف، مشواري بقى أسهل شوية، أدائي بقى أحسن حبة، خطوتي بقت أسرع، والأهم أنها بقت أثبت!

ايوه أنا بأتكلم عن راحة حقيقية بتيجي من جوا مش من برا، وبتفرق كتير في جودة حياتنا اللي بنعيشها, لما بنقرر بوعي نطلع الحاجات دي ونرميها برا شيلة شنطنا..

 

1-  شيلة الكمالية

أننا نمشي في الحياة متوقعين من نفسنا أننا مانغلطش، ومتوقعين من اللي حولينا كمان نفس التوقع! وكأننا بنطالب نفسنا والناس كمان أنهم يكونوا آلهة! قد ايه ده ساذج!

كتير عافرت مع الشيلة دي. وبعد ما وعيت ليها وقررت أرميها برا؛ كتير بأرجع وألاقيني لسه شيلاها!

محتاجين نفكر نفسنا كل شوية أننا بني آدميين، الغلط وارد في قصص حياتنا عادي. واللي حولينا ناس، بشر؛ العادي والطبيعي أنهم بيقوموا ويقعوا، يعملوا الصح أحيانًا والغلط مرات! اللي مش طبيعي أبدًا أننا نستنى حاجات مش واقعية منهم، والأهم من نفسنا!

 

2-  شيلة الشعور بالذنب باستمرار

دي شيلة غير خالص الشعور الطبيعي بعد غلط حصل في موقف معين عملنا فيه أداء ماكنش صح؛ لأن ده شعور بينتهي لما بنكلم نفسنا ونحدد غلطنا في ايه بالظبط، ونعترف بيه جوانا ولربنا، ونطلب السماح والمغفرة عليه من نفسنا ومن ربنا، ومن الشخص اللي غلطنا في حقه لو أمكن أو لو موجود ومتاح. ده فعل إنساني جميل ومطلوب في علاقاتنا الغالية. أوعى تفكر ترميه برا شنطتك. دول قليلين قوي اللي لسه بيعملوا كده! مش ده اللي نقصده هنا.

لكن الشيلة اللي بنتكلم عنها هنا هي شيلة اللوم المستمر للنفس، وتأنيب الضمير باستمرار، من غير غلط حقيقي حصل بقصد. زي الأم اللي تأنب نفسها لو ابنها تعب أو ماكلش كويس أو نقص درجات في الامتحان، أو الزوجة اللي تجلد روحها لو جوزها عنده مشاكل في الشغل، وده هو الشعور بالذنب الوهمي. قد ايه ده مؤذي ومدمر، وبيبوظ أي حاجة بنعملها من الدافع ده، حتى لو حاجة جميلة! كأنك عملت أكلة حلوة لناس بتحبهم، وبدل ما تحط عليها ملح حطيت عليها سم!

 

3-  شيلة الندم بلا نهاية

الندم شعور طبيعي، أي حد ممكن يحسه بعد غلط وقع فيه أو اختيار مش صح اختاره أثر عليه. باختلاف طبعًا حجم تأثيره وتوابع ونتايج الغلط. أصلًا بنستغرب جدًا لما بنسمع حد بيقول: “أنا مابندمش”. وبيثير عندنا تساؤل: هو أنتَ مابتغلطش!

لكن أننا نمشي بطول عمرنا شايلين شيلة ندم على حاجات حصلت في الماضي، أو واحنا أصغر بوعي مختلف عن وعينا دلوقتي؛ دي شيلة حرام نكمل بيها طريقنا! محتاجين ندرك إن ماضينا مش هيتغير مهما كملنا ندمانين! لكن نقدر نغير في مستقبلنا لو غيرنا طريقة تفكيرنا دلوقتي، وسامحنا نفسنا، وبطلنا نجلدها ونحسرها. ونتعلم من اللي حصل زمان، لكن نبص على اللي جي ونخطي ناحيته خطوات مختلفة. دي شيلة محتاجين ننزلها من على كتافنا.

 

ودي عينة صغيرة من شيل تقيلة تعلمنا نشيلها من غير وعي. ولسه فيه شيل تاني كتير زي مثلًا: شيلة المقارنة الظالمة، والمنافسة  بلا داعي! شيلة اللازم والواجب والضروري والمفروض؛ اللي كتير منها مابيبقاش لا لازم ولا واجب ولا مفروض! شيلة (الناس هتقول علينا ايه؟)! وغيرها وغيرها.

احنا المحتاجين نكتشف بنفسنا الأحمال والأتقال المحطوطة في شنطنا!

وهنا ييجي السؤال:

هل عندنا الشجاعة الكافية أننا نعترض ونوقف نشيل شِيَل مالهاش لازمة؟!

هل هنتحمل مسئوليتنا عن ده ناحية نفسنا؟!

هل هنكون قد المسئولية ناحية علاقاتنا، ونبطل نحط الأتقال اللي عانينا منها في شنط الناس حوالينا؟!

 هل هنقدر ننزل من على كتافنا أتقال تقيلة تقل الحجر مكعبلانا وموقعانا وموقفانا عطلانين في مكاننا؟!

هل هنتعلم ازاي نرتاح؟!

 

مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةمغلق للراحة
المقالة القادمةمعركة هادئة وسط طوفان غائم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا