كتبته: آن سامي
يختلف ترتيب الأولويات في قوائم المهام الخاصة بنا وفقًا لقيمنا ومعتقداتنا، ومواعيد التسليم النهائية التي تلاحقنا!
وكحال وجودنا بمجتمع يُعظِّم فيمن أنجز ودرس وسافر وادَّخر، من سعى وأدرك الأحلام الوردية؛ تسقط أولوية الراحة، ذلك إذا ما لم تكن قد نُسيت من الأصل!
كثيرًا ما نسخر بسرد الفكاهة المعروفة لذلك الزوج الذي قام باصطحاب زوجته المريضة للطبيب سائلًا: “طمني يا دكتور المدام مالها؟”. ليجيبه الطبيب: “المدام أعصابها تعبانة شوية وعاوزة ترتاح”. وحتى سخريتنا تلك قد تحمل في ثناياها عدم اقتناع تام بأهمية الراحة كالإنجاز؛ ربما تقع تحت بند “الدلع” ليس إلا!!
المعنى مقابل الإنجاز
نحتاج إلى الإنجاز لتحقيق المعنى من وجودنا. نتقد بالحماس حينما نعرف الإجابة عن ذلك السؤال العويص”لماذا أنا موجود؟”. وحالما نتلمس الطريق للمعنى ننسى أو نتناسى -من دون قصد- أن الغرض من وجودنا لن يتحقق إذا ما لم نكن بخير! فكفاءة إنجاز المعنى له علاقة وثيقة بحالة من يحققه؛ ألا وهو نحن!!
الراحة المُتعِبة
إنه لأمر يدعو للغرابة والتوقف أحيانًا للتساؤل؛ لماذا “الراحة” ليست اختيارًا سهلًا على إنسان العصر الحالي؟! مع أن شكوانا مستمرة من الإرهاق!! أعتقد أن هنالك بعض الأسباب لذلك الخلل ومنها:
الراحة بعالم جنوني السرعة
في بعض الأحيان قد لا نسمح لأنفسنا بسهولة أن تنال حقها من الراحة؛ ظنًا منا أننا بذلك نساير رتم الحياة السريع، بمقاومة إغراءات الكسل! وعلى الرغم من وعينا بالفارق بين التكاسل عن أداء المسؤوليات، وبين مجرد التوقف لالتقاط الأنفاس إلا أنه في ظل صخب الإنجاز قد يختلط علينا الأمر!
نعم، للإنجاز صخب قادر أن يطغي حتى على صوت أنفسنا تحت شعارات بريئة كتحقيق الذات، والحفاظ على الوظيفة، وفي بعض الأحيان الرضى عن النفس!
الراحة بتعريف السوشيال ميديا
ارتبطت كلمة “الراحة” في عصر السوشيال ميديا بالتنزة، تجربة الطعام في أماكن جديدة، السفر والسهر بالمدن الباهرة للدرجة التي حمّلتنا دون أن ندري بأثقال عدم الرضا؛ فراحة السوشيال ميديا تلك هي حلم بعيد المنال وليست من نصيب الكل!
في رأيي الشخصي هذا التعريف قاصر. أؤمن أن الراحة هي حالة قلب داخلية، وأحب أن أعرّفها بأنها تلك الحالة التي تمس القلب بلمسات السكينة وتخلص الجسد من سموم الأتعاب؛ بغض النظر عن أين؟ وكيف؟ وماذا نفعل؟ .. الراحة حق كل مُتعَب. وتتناسب جودتها طرديًا مع مقدار حب الإنسان لذاته.
أصغيْ إلى جسدك
“أصغيْ إلى جسدك” .. تلك كانت إجابة إحدى مدربات اللياقة البدنية بفيديو خاص بها على اليوتيوب عن “أسئلة حول التمرين أثناء الدورة الشهرية”.
جملة بسيطة. لكن كان لها عظيم التأثير على صداقتي بجسدي. ذلك الجسد الذي لطالما حملني ومكّنني من تحقيق الكثير من الإنجازات؛ ألا يستحق أن أصغي إليه بقليل من الاهتمام؟
تخاطبنا أنفسنا أيضًا كأجسادنا؛ وكلما أحببنا ذواتنا بحق أصبحنا أكثر رفقًا بحالنا. كلما أصغيت لجسدي ونفسي جنّبت ذاتي خطر “الاحتراق”. وكلما صادقت جسدي ونفسي كانا بوصلتي الدقيقة لطريق السكينة الداخلية.
الراحة وعلاقتها باليقظة الذهنية
هل جرّبت أن تقضي وقت راحة “على كيفك وذوقك”، لكنه انتهى دون أن تنعم به؟! .. جلست مثلًا أمام البحر تستمع إلى أمواجه لكنك شعرت وكأن هنالك ما يمنع تسرب السكينة إلى دواخلك؟! .. لقد جربت هذا الأمر كثيرًا وتساءلت عنه إلى أن تعرفت على مصطلح “اليقظة الذهنية”. والمقصود به -كما فهمت- القيام بحصر تركيزي في اللحظة الحاضرة “هنا ودلوقتي” دون التفكير في الماضي أو القفز إلي المستقبل، وأيضًا دون إصدار أيّة أحكام على ما يحدث في تلك اللحظة أيًا كان النشاط الذي أمارسه كغسيل الصحون، إلقاء محاضرة، أو حتى الاستلقاء على السرير في صمت.
قال أحد المحاضرين عن اليقظة الذهنية: بالتفكير في الماضي والمستقبل يمكننا ممارسة “التحليل”، “التخطيط” و”التفكير الإبداعي”. بينما لا نقدر على الشعور بـ”السعادة” إلا إذا فكرنا في زمن الحاضر”هنا ودلوقتي”! وأعتقد مثلها مثل “الراحة”. وفي عصر غلبت عليه سمة “التشتيت” فممارسة فعل اليقظة الذهنية -وخصوصًا وقت الراحة- هو أشبه بالقيام بخفض الأصوات من حولنا وداخلنا كي نستمع في تلك المرة ليس إلى جسدنا ولا حتى أنفسنا بل إلى اللحظة الحالية. وكأني بذلك أعلِّق لوحة على ذهني مكتوب عليها”مغلق للراحة”!
تعهد الراحة
أتعهد أنا وبكامل قواي العقلية أن أستمتع بكل لحظة من وقت راحتي .. أتعهد أمام ذاتي أنها تستحق لتلك الراحة ولن أسمح لشوائب الذنب الكاذب أن تلوثها .. أتعهد أن أختار بوعي كيف سأقضي وقت راحتي وسأسعى بكامل فهمي لنفسي أن أختار الاختيارات التي تجلب لها السكينة، وأن أغلق جيدًا نوافذ التوتر والقلق.
مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب
Very good write-up. I certainly appreciate this website. Keep writing!