من أجل صحة أفضل: كيف تعلمت الاحتياجات الغذائية لجسدي؟

1111

ظلك المائل أمام قدميك، بينما تدفعك إحدى نوبات الإعياء الشديد للإنحاء لأسفل، يخبرك بصوت غير مسموع، أنك لن تستطع تحريك ساكن مهما فعلت، مهما امتكلت من مواهب وحصلت على خبرات واستتبَّت لك الأوضاع والظروف، دون تلبية الاحتياجات الغذائية لجسدك. وأنا الأخرى هنا اليوم، لأخبرك بالشيء ذاته، فما تظنها وأنت منتصب القامة، يشق عنقك الطويل عنان السماء، شيء غير مهم، أو لم يأتِ دورها بعد في سلسلة الأولويات، يراها مريض يمكث في فراشه منتهى مبتغاه من الحياة ولو خُيّر بينها وبين حريته حتى، لاختارها بلا تردد، فما قيمة أي حرية بينما ينخر السقم جسدك؟!

وبينما أنت متخَبِط مملوء بيأسك، يقض الشعور بالعدمية مضجعك، سأخبرك بالشيء ذاته، فنقطة انطلاقك نحو تغيير واقعك وإعادة رسمه على هوى أحلامك، وتلوينه بمداد تطلعاتك، لن يضمنها لك إصرارك على النجاح، ما لم تكن من الناجين. وإذا كان السقم فيك مستترًا خلف أحد جدران جسدك المتصدعة، ،جراء ما تفعله به من أفاعيل وترتكبه في حقه من موبقات، فأنت لست بمنأى عن رياح التغيير، وإن عاندت طويلاً في الاعتراف.

دعني بداية أسألك: هل تبنيت يومًا إحدى الخطط الطموحة لإصلاح جسدك من مرض ألمَّ به، نتيجة نقص حاد في معدن أو فيتامين أو ربما زيادة في أحد عناصره، أو حتى لإبقائه آمنًا من كل هذا؟ قبل أن تشرع في الإجابة، تعالَ لأطلعك على عدد من الحقائق، التي تدور يوميًا حولك في حلقات، اعتادت أذناك طنينها، حتى أصبحت لا تنتبه له من الأساس.

حقائق واختيارات

تشير إحصائية لمنظمة الصحة العالمية،معنونة “الأسباب العشرة الرئيسية للوفاة في العالم”، وقد أجريت على الفترة ما بين عامي 2000 و2016، إلى أن خلال خمس عشرة سنة الماضية، احتل “الموت بمرض القلب الإفقاري والسكتة الدماغية نصيب الأسد، بنسبة 54% من إجمالي نسب الوفيات على مستوى العالم. بينما جاء الانسداد الرئوي المزمن في المركز الثاني، يعقبه سرطان القصبات والشعب الهوائية وأنواع العدوى التي تصيب الجهاز التنفسي السفلي، كأحد الأسباب الرئيسية للوفاة.

يأتي بعد ذلك الأمراض المتعلقة بالمخ، كالخرف وألزهايمر وبعض أنواع السرطانات، مثل سرطان الغدة الدرقية والحلق والرئة والمريء، يليه مرض السكري، ثم حوداث الطرق، وفي ذيل القائمة يأتي الإسهال والسل. كما تضيف في تقرير آخر لها، نشرته خلال العام الحالي عبر صفحتها الرسمية، إلى أن الأغذية غير المأمونة، والتي تحتوي على جراثيم ضارة أو فيروسات أو طفيليات أو مواد كيميائية، تتسبب في الإصابة بأكثر من 200 مرض، تراوح بين الإسهال والسرطان.

وتشير التقديرات إلى وجود 600 مليون شخص، بواقع شخص واحد من بين كل عشرة أشخاص في العالم، ممن يسقطون ضحايا للأمراض، بعد تناول أحد تلك الأغذية غير المأمونة.

قد لا ترى في أي مما سبق أكثر من مجرد أرقام وكلمات لا قيمة لها، أو قد يمثل إنذارًا، كُتبت لك النجاة عبر رنينه، ليأخذ خطواتك نحو معرفة جديدة ومصير جديد. أنت من يختار.

صحتك جيشك الوحيد

في كل صباح جديد، أرفع الستار عن شرفة اعتدت مطالعة ظلال الشمس الوليدة عبرها، وأخبر العالم بصوت أسمعه أنني قَبلت التحدي. تحدي أن أكون وحدي أصارع كل مساحات الواقع المثقل بالمهام ومساحات الأحلام بعيدة المنال، في حياة تعج بالمشغولين بأنفسهم، خططهم، طموحاتهم. وأرددها على مسامع نفسي لتبلغ اليقين: “يا نفسي أنا لها، مهما كانت الخطوات ثقال، والعثرات تفترش الطريق كأنها نباتات، اجتهد المزارع في صفها بعناية، سأصل إلى ما أريد بأمر الله”.

في بداية حياتي الزوجية، كنت قد اعتدت على انتظار زوجي، الذي تستأثر به مهام عمله حتى ساعات متأخرة من الليل، أنتظره لنتناول الغداء معًا، في الواحدة أو ربما حتى الثالثة بعد منتصف الليل، بينما نشاهد أحد أفلام العرض الأول، وقد تسببت تلك العادة في قلب نظام حياتي رأسًا على عقب، فقد كان كل شيء في حياتي يدور عكس ما فطر عليه، فصرت لقمة سائغة بين فكي الاكتئاب.

بعد أن أصبح السهر حتى الخامسة فجرًا أمرًا عاديًا، والصحو قبل أذان الظهر بدقائق، والهرولة خلف ما تبقى من فتات اليوم، وتأجيل الأشياء لتلحق بأخرى زميلة لها مؤجلة أيضًا، كلها أمور عادية، تعيد استنساخ الأيام نفسها مرارًا وتكرارًا. حتى أربعة أشهر من الآن، كان ذلك هو النظام الساري، إلى أن جاء يوم وصرت آلة متيبسة الأوصال، لا أقوى على رفع ورقة من الأرض، بينما تشير فحوصاتي الأولية إلى أنني بخير حال، وليس هناك ما يدعو للقلق. لكن مع تضارب أقوال الأطباء في التخصصات المختلفة، بدأت أدرك أن الأمر في حاجة لتدخل جراحي عاجل.

جراحة أجريها لحياتي بالكامل، كي أعود من بعدها منعمة بصحة جيدة، وخطط أكثر جودة للمستقبل، مع سعي مجتهد لتحقيقها، خصوصًا أنني أتحرك نحو يقين يخبرني دومًا أنني يومًا ما سأقوم بشيء من شأنه أن يضيف شيئًا لهذا العالم الكبير جدًا. بالإضافة إلى يقين أكثر حداثة منه وأقل رسوخًا -حتى ذلك الحين- بأن صحتي هي العمود الفقري لكل ما أنوى تحقيقه، أو بتعبير أكثر كلاشيهية “صحتك جيشك الوحيد”.

مقاومة الاختلاف

قبل أن أُطلعك على وصفتي المتواضعة في التحول من الفوضى إلى النظام، سأعطيك نبذة صغيرة، عما قد تتعرض له من المحيطين، لو أنك قررت خوض التجربة ذاتها. بدايةً سيخبرونك أن الطعام الذي نتناوله، هو نفسه ما كان أجدادنا يتناولونه قبل مئات بل وآلاف السنين، وعاشوا بصحة جيدة لأعمار طويلة، وهنا هم يتحدثون من داخل صوب زجاجية معزولة عما ندور فيه من دوائر غير متناهية من التلوث والكوارث البيئية.

ناهيك بالتقدم المُلوّث المتنامي في مجال الأغذية المصنعة وتفنن المنتجين في إضافة المزيد من الخيارات الملوثة على قوائم الأطعمة أمام المستهلك، الذي أول ما يثيره النكهة، وآخر ما ينتبه إليه هو الضرر الذي قد يسببه ذلك المنتج المصنع لصحته، أو حتى القيمة الغذائية له. هذا إن وُجدت. وربما حاول آخرون إثناءك عن قرارك، بادعاء أن ليس هناك ما يمكن الاتفاق عليه ضمنيًا كنظام صحي. فبين الفينة والأخرى تخرج الأبحاث لتؤكد ضرر نوع ما، من أنواع الطعام.

بينما تخرج أخرى لتنفي ما توصلت إليه الأولى. وهنا هم يؤثرون الاحتماء بالضلالات الفكرية بدلاً من مواجهة الحقائق وتغيير سلوكيات قديمة، ويمكن الرد عليهم بتساؤل أوحد: هل اختلفت أي من مصادر الأبحاث الطبية أو الغذائية حول حقيقة أن اللحوم المصنعة تضر بصحة الإنسان، وأن المنكهات والمواد الحافظة والمحليات الصناعية والمواد المعدلة وراثيًا كالزيوت النباتية والذرة والقمح، تحمل في جيدها لوحة الاتهام ممهورة بتوقيع السرطانات؟

هل تهتم بما تصدره المنظمات العالمية المعنية بالصحة من بيانات وتسعى لمتابعة آخر مستجداتها؟ إذًا أنت تعلم أن مادة “أحادي جلوتومات الصوديوم” التي تدخل في تكوين غالبية اللحوم المتبلة و”المرق المصنع” وغيرها من المنتجات، تم تصنيفها حديثًا كأحد المواد المسرطنة؟ إذا كنت لا تعلم، فرجاءً لا تكن شوكة في حلق من عَلم، ودفعته حاجة ما للتغيير، فاتبعها بإخلاص، رغم اكتساء المحيط من حوله بالمغريات.

دستور الصحة

حين اتخذت قراري بالانضمام لركب الأصحاء، وتعديل مسار جسدي، بل وحياتي كلها، كان أول ما فكرت في استئصاله هو الأرق، لذلك قررت أن أداوم على المكوث في فراشي بداية من العاشرة مساءً، بينما أعد نفسي للنوم عبر قراءة بضع صفحات من كتاب أو رواية، وإعداد قائمة مهامي للغد.

في البداية كنت أعاني لأمسك بأي شاردة تحملني إلى النعاس، حتى اكتشفت ذلك المفعول العجائبي لعصير الكرفس، وهنا لن أحدثك عن الفيتامينات والمعادن التي يذخر بها هذا الكوب السحري من الكرفس، فبإمكانك عبر بحث متواضع على الشبكة العنكبوتية أن تعرف أكثر مما قد أعدّده لك هنا عبر سطوري، لكن سأحدثك عن راحة المعدة وسكون التوتر والتمتع بحالة مزاجية استثناثية بعد فترة من تناوله.

وكذلك شعرت مع مشروب الكاموميل، الذي اكتشفته في مرحلة متقدمة، فصرت أنوّع بينهما كل نهاية يوم، وبمجرد دلوفي إلى سلطنة النوم المثالي، حيث لا أثر يذكر لضوء ولا حتى ضوء شاشة الموبايل، حيث بدأت أضعه خارج غرفة النوم بعد ضبط المنبة على الرابعة فجرًا، حيث يبدأ يومي، بكوب من الماء بالليمون الدافئ، لإعداد المعدة للعمل، ثم ممارسة بعض التمارين الرياضية البسيطة، كالجري أو المشي المتعجل في أضيق الحدود، ثم الاستعانة بدش بارد لإتمام الإفاقة.

ثم تأتي وجبة الإفطار، وقبل أن أحدثك عن الطعام بشكل تفصيلي، فقد قررت بعد قراءات متنوعة ومشاهدة عشرات الفيديوهات لمعنيين بقضية الطعام الصحي، أن انصت لصوت عقلي، وهنا قررت أن كل الأشياء التي طالتها يد الإنسان بالتعديل الوراثي أو التغيير في طبيعتها ستكون خارج معملي، بما في ذلك الزيوت النباتية وما على شاكلتها واللحوم المصنعة وما قرب إليها من هيئة أو صفة.

وكقرار شخصي، جاء على خلفية نتائج بعض التحاليل الطبية بحاجة جسدي إلى مزيد من البروتين الصحي لبناء العضلات، فقد قلصت حصتي من النشويات، حتى صارت قاصرة على عدد محدود جدًا، من أهمها البطاطا الحلوة. ذلك كله بالتزامن مع منع السكر بكل أشكاله وأنواعه، حتى الفاكهة صرت أتناولها وفقًا لبرنامج أسبوعي لا يتجاوز أربع ثمرات أسبوعيًا وأحيانًا أقل. بينما ازداد اعتمادي على الخضراوات، وبعد أن كان طبق السلطة أحد مكملات السفرة، فقط أثناء العزائم، صار طبقى الرئيسي خلال وجبات اليوم.

في الصباح أتناوله بجانب طبق من البيض المقلي بالزبد البقري الطبيعي 100%، مُبَهَّر بالكركم والفلفل الأسمر، ويجاوره بعض من الجبن الصحي، أو بضع حبات من المكسرات أو طبق من الباذنجان المشوي المنكَّه بالكمون والكزبرة، بينما يجاور طبق آخر لنوع مختلف من السلطة، كي لا أعتاد طعمه فأمله، وحصة من البروتين النباتي والحيواني، خلال وجبة الغداء، وخلال هذه الفقرة الغذائية الثرية أعدت اكتشاف أطعمة لا يمكن إحصاء قيمها الغذائية، مثل البروكلي والقرنبيط والسبانخ والمشروم وغيرها من مصادر البروتين النباتي، التي لم تكن –للأسف- على قائمة مفضلاتي من قبل.

وبين كل وجبة وتاليتها أكتفي بتناول الماء والشاي الأخضر. وفي البداية حينما كان يداهمني الشعور بالجوع كنت أتناول طبقًا من السلطة الخضراء أو المكسرات او الاثنين معًا، بحسب حاجة شهيتي للإشباع، بينما أعطي معدتي وجهازي الهضمي فرصة للاعتياد على النظام الجديد، الذي قررت أن نمضي معًا عليه دون فتور أو ملل، وكي لا أثقل عليه، قررت أن مناوبته تبدأ في الرابعة فجرًا وتنتهي السابعة مساءً، أي قبل النوم بثلاث ساعات ونصف.

الصحة كل شيء

حتى لا تصير خلاصة تجربتي تلك طي النسيان، بمجرد انتهائك من قراءتها، دعني أخبرك أنني لا أمل من خلالها سوى في أن تختار الصحي، بينما لا تزال الاختيارات في يدك متعددة وكثيرة، وحينها فقط سيُمكنك البحث والقراءة، من صياغة دستورك الخاص في الحياة الصحية، وبمجرد أن يأتي ذلك الوقت، ستشعر -حقيقة لا مجازًا- أنك ولدت للتو، إنسانًا جديدًا، بنفسية وليدة واختيارات كبيرة.

ولتضع مقولة الكاتب توماس كارليل، كدليل لك خلال الرحلة، كلما تعثرت خطاك وشعرت أن مقدار المعرفة التي حصلت عليها فيما يخص صحتك أقل من الحجم المتغول للمغريات من حولك، حاول أن تستدعِ صوته يردد: “من يتملك الصحة، يمتلك الأمل، ومن يمتلك الأمل، يمتلك كل شيء”.

اقرأ أيضًا: اسمي آيات جودت وابنتي تعاني من حساسية الطعام

المقالة السابقةكل ده كان ليه ؟! لماذا غناها عبد الوهاب
المقالة القادمة2019 بين التعلم والاستدامة مع الحفاظ على البشرة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا