هل ما تسعى إليه يسعى إليك حقًا؟

2822

بقلم: هديل إسلام

“إذا أحببت شيئًا، فأطلق سراحه. إن عاد إليك، فهو لك، وإن لم يعد، فإنه لم يكن لك أبدًا. لأننا لا نملك أي شيء في هذا العالم”. لا بد أنك قد سمعت أو سمعتِ هذه المقولة الشهيرة للكاتبة “آليس ويلكوكس” يومًا ما، والتي قد أصبحت أقرب للأكليشيه الآن. تبدو الكلمات سلسة وبسيطة حتى أننا لا نحتاج لأي مجهود حتى تعلق بأذهاننا. لكن كما هي الحال مع الحكمة دائمًا، التحدي الأكبر يكمن في تنفيذ السعي.

ومن ناحية أخرى، فلا شيء يؤكد صواب هذه الحكمة، فهناك رأي آخر لأصحاب التنمية البشرية والخطابات التحفيزية، وهو أننا أكثر من مجرد مستقبِلين لمجريات الحياة من حولنا، أو كما يصيغها مولانا جلال الدين الرومي “ولتعلم أن ما تسعى إليه يسعى إليك”.

لكن يبقى هذا التساؤل جدليًا لنا جميعًا. إنها حياة واحدة، وإنها بضعة أشياء نرغب في اقتنائها وتحقيقها وربما امتلاكها، ولم لا؟! لكن أي الطريقين يتعين علينا أن نسلك لنصل لمرادنا. أننجرف وراء رغبتنا في اقتناء ذاك وتلك، وأن نلح في السعي تجاهها، وما خاب سعي مطالب، أم أن استعجال الأمور يتحول إلى هوس يعوقنا عن رؤية ما تحمله الحياة لنا؟ لذا سأحاول في هذا المقال أن أستعرض الوجوه المختلفة لهذه المعضلة الحياتية.

الرأي الأول: الإلحاح والمثابرة

“لما بحط حاجة في دماغي مش بشيلها غير لما تتحقق”

كانت هذه أحد الردود التي جاءتني عندما طرحت هذا التساؤل على الفيسبوك. وعندما سألت ما إذا كانت هذه الأشياء تتحقق، كانت الإجابة بالإيجاب، لأن وضع الهدف نصب أعيننا يدفعنا لتحقيقه، أو على الأقل يزيد ثقتنا في قدراتنا على تحقيقه. وأصحاب هذا الرأي يؤكدون أنهم حتى إذا حاولوا تناسي الأمر لا يستطيعون، ومن ثَم فإن التركيز على أهدافهم والمثابرة في السعي وراء تحقيقها هو ما يحفز هممهم للعمل على تحقيقها.

ربما هذا الرأي هو الأقرب لما يعرف بقانون الجذب. وتشير هذه النظرية الشهيرة إلى أن الكون يجذب إلينا ما يدور في عقولنا من أفكار، أي إذا كان كل ما تفكر أو تفكرين به هو أفكار إيجابية، ستتحقق أمور إيجابية والعكس بالعكس. وأقرب تطبيق لهذه النظرية كان في رواية الخيميائي للكاتب باولو كويلو، حيث كتب جملته الشهيرة “عندما تريد شيئًا، فإن الكون سيتآمر ليعينك على تحقيقه”.

هل قانون الجذب حقيقي؟

هذا بالأحرى أحد أكثر المواضيع جدلاً في العقدين الأخيرين. هناك تجارب عدة يرتكز عليها المؤمنون بهذه النظرية باعتبارها الخطوة الأولى لتحقيق الأحلام. ومن هذه الأمثلة مثلاً الفيديو الشهير للاعب البرتغالي “كريستيانو رونالدو”، حين سُئل من هو أفضل لاعب في العالم، قال “أنا”، رغم إنه كان لا يزال مبتدئًا حينها، ليحرز جائزة أفضل لاعب في العالم 5 مرات بعد هذا الفيديو بسنوات.

كذلك النجم المصري محمد رمضان، فهو أحد المطبقين لهذه النظرية على ما يبدو، بعد تأكيده في أحد الحوارات أنه لا يؤمن بوجود مستحيل، وأن ما يمتلكه الآن من سيارات ما هو إلا تحقيق لأحلام الطفولة، وأنه كان يعلق صور تلك السيارات في غرفته. والملفت للنظر، أن كل النماذج التي تؤكد صواب نظرية الجذب ترتكز على أمور مادية أكثر من أي أمر آخر.

لكن لموقع “سايكولوجي توداي” رأي آخر، إذ تهاجم إحدى مقالاته هذه النظرية، بزعم بأنها مجرد فرضية ولا أساس علمي لها. كما أن هذه النظرية في الأساس تعتمد على الاعتقاد بأحقيتنا في اقتناء ما نريده، أو امتلاكنا إياه بالفعل، ولا تعتمد على أي أفعال أو خطط يقتضي اتباعها لتحقيق هذه الأهداف. كما أنها بالأحرى ستؤثر على علاقتنا بما حولنا سلبًا، خصوصًا مع إصدار الأحكام على أنفسنا وغيرنا، ما أن تصدر منهم أي أفكار سلبية كما لو أنها جريمة.

كما يشير المقال نقلاً عن أحد الخبراء بهذه النظرية أن نسبة النجاح التي استطاع تحقيقها لا تتعدى 0.1%، أي أن النماذج المذكورة ما هي إلا حالات معدودة، وقد تكون صدفًا لا أكثر، ولا يمكن الارتكاز عليها لتدعيم أي نظرية.

الرأي الآخر: التسليم

أغلب الردود التي جاءتني كانت أقرب لهذا الرأي، أي أن التفكير طوال الوقت بالأشياء التي نرغب باقتنائها لا تأتي طالما نفكر بها، بل إنها عادة ما تأتي بعد أن نتخلى عنها أو لم نعد نرغب بها ونتوقف عن السعي تجاهها. فالهوس لا يفيد، بل يزيدنا تعاسة لا أكثر. كما أن هناك أمورًا ليست بأيدينا. ربما ينجح الرأي الأول مع الأمور المادية، لكن ليس مع الأمور التي لا سلطان لنا عليها كالحب والزواج وغيرها من الأمور التي ترتبط بالقدر والنصيب.

هذا الرأي هو الأقرب لمقولة ويلكوكس المذكورة في البداية، والتي تسترسل في وجهة نظرها قائلة: “إننا فقط نتوهم امتلاك الأشياء. لكننا لا نمتلك أي شيء: لا أصدقاء ولا أزواج ولا حتى الأطفال، لا شيء. فالتصور بأننا نمتلكها قد يكون على القدر ذاته من الأذى كما التجاهل”.

ماذا عن السعي للحب؟

“نوجا” البنت الصعيدية الساذجة في فيلم “في شقة مصر الجديدة” لمحمد خان. أمضت نوجا حياتها في انتظار الحب بصورته الرومانسية كما صوّرته لها مُدرِّسة الموسيقى، إلى أن قبلت بخطبة تقليدية حتى لا يفوتها قطار الزواج. وعندما ذهبت للقاهرة باحثة عن ملهمتها في الحب، لم تجدها كذلك، ولكن الحب وجدها هذه المرة، هكذا وبهذه البساطة.

ربما لن تنتصر رومانسية خان في الواقع كما هي في الأفلام، لكن هناك حقيقة واحدة:

“الحب ييجي في الوقت اللي هو عاوزه”

هذه واحدة من الجمل التي ترددها صديقتي الأربعينية الخبيرة بأمور الحياة والتي تصر أن تلك النظريات “الأمريكانية” تحول كل شيء حولنا إلى مادة. الحب ليس مادة ولن يأتي بالإلحاح ولا الاستعجال والسعي، هو يأتي بلا مقدمات وخصوصًا عندما لا ننتظره.

الرأي الأوسط: اليقين

ربما ها الرأي يحاول أن يضع نفسه في منطقة وسطى ما بين الإلحاح والتسليم، فكان اليقين، أي الثقة بأن الله سيحقق مرادنا حتمًا، مع الإيمان كذلك أن الله أعلم بالتوقيت المناسب، فلا داعٍ من الانتظار أو التعجل.

وشخصيًا أعلم صعوبة هذه الموازنة ما بين المثابرة بالفعل والدعاء والتسليم بمشيئة الله، ولا أزعم الوصول إليها حتى هذه اللحظة. ولكن من ضمن التعليقات التي جاءتني، فهناك من أكد أن “الدعاء واليقين بكرم الله تعالى سحر”.

حسنًا: ماذا نحن فاعلون؟

سأكذب إذا قلت إنني أمتلك الإجابة. ربما نرتكن جميعًا إلى التصديق بالنمط المتكرر في حياتنا، خصوصًا إذا أثبت فاعليته. لكن إذا كان عليّ الاختيار، سأختار السلام. سأختار ألا أحصر نفسي في اختيار واحد او اثنين وأسجن نفسي داخلهما. سأختار أن أترك للحياة المساحة لتفاجئني، وأن أقبل أننا لا نعيش في عالم مثالي، وربما الغاية ليست تحقيق الأحلام، بل الرحلة بحد ذاتها. كليشيه آخر؟ أعلم، ولكن لم لا؟!

وأخيرًا لأدعو لي ولكم “اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها والحكمة لمعرفة الفرق بينهما”.

المقالة السابقةالأمان حق مشروع للجميع
المقالة القادمةشوارعنا زمان: رقي وهدوء وراحة بال
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا