كتبه: رفيق رائف
كثيرًا ما أسمع تلك الجملة “أن تحب نفسك”، وكلما تعمقت في رحلتي بداخلي؛ أدركت كم هي مهمة بالنسبة لي، وكم بها من مفاتيح للنضوج النفسي والعاطفي وحتى العقلي والجسدي. فكلما أحببتنى؛ تغيرت ونضجت، وكلما قادني ذلك الحب في رحلة لأقترب أكثر إلى نفسي وإلى من حولي. ولكن ماذا تعني تلك الجملة التي تبدو في الكثير من الأحيان مستهلكة وسخيفة، لكنها بالرغم من بساطة كلماتها، إلا أنها تحمل صراعات وتحديات كثيرة، أولها صراع الإنسان مع نفسه ومع دواخله.
“أن تحب نفسك” ربما كانت تعني أن تقبل ضعفها وعدم كمالها، أو أن تسامحها على زلاتها بدون أن تجلدها كل يوم على أنها تعثرت، أن تصبر على خطواتها الصغيرة في التغيير، أن ترى غناها ورحلتها دون أن تلصق بها ملصقًا بناءًا على ما تمر به الآن، أن تحب نفسك هو أن تتركها تستقبل الحب والأمان من الآخر، بدون أن تترك خوفك من الجرح يسيطر عليك.
أن تحب نفسك هو أن تختار لها صحبة دافئة آمنة، أن تحب نفسك هو أن تسمح لعينيك أن يريا مناطق ضعفها وقوتها أيضًا، دون أن تنحصر في جانب وتنكر وجود الآخر، فلا يوجد شخص قوي بالتمام أو ضعيف بالتمام. كل منا بداخله الضعف والقوة ، فلتحتضنهما كليهما.
أن تحب نفسك هو أن ترعاها وتهتم بها، هو أن تسمع لاحتياجاتها، هو أن تحاول أن تفهم كل ألوان المشاعر التى يشعر بها قلبك حقًا، لا بأس أن تشعر بمشاعر متناقضة يا صديقي، قلبك غنيّ باستقباله المختلف لكل شيء. احتضنْ الاختلافات بداخلك، ولا تتسرع في إلصاق لون معين لما تشعر به الآن، بل أنصت جيدًا لقلبك.
أن تحب نفسك هو أن تحتفل بإنجازاتك الصغيرة؛ فالحياة لا تعطي كل يوم إنجازًا كبيرًا، وإنْ ظللتَ تنتظر الأشياء الكبيرة فإنك ستشقى كثيرًا. امتنَّ لخطواتك الصغيرة فهي كل ما تقدر عليه الآن.
أن تحب نفسك هو أن تقوم بعد كل سقوط لك. جميعنا يفكر عندما يسقط أننا لن ننهض مرة أخرى، وعندما ننهض أننا يجب إلا نسقط مرة أخرى، ولكن ما الحياة إلا سقوطًا يليه قيام، وهكذا تكبر عضلاتك وتثقل دواخلك. أن تحب نفسك هو أن تعاملها كصديق حميم، تحمي حدودها، تشعر بالأُنس في رفقتها، وتقول لها “لا بأس” عندما تتعثر خطواتها.
أن تحب نفسك هو ألا تطالبها دائمًا أن تعرف كل شيء، أو تقدر على كل شيء تتوقعه منها. لا بأس من بعض التيهان في الحياة، ولا بأس من أن تكون غير قادر على إنجاز شيء ما. أنت لست ماكينة، أنت إنسان. أن تحب نفسك هو أن تهتم لتغذية عقلك، وجسمك، ورُوحك، ونفسك، وأن تجد لها مصادر دعم في كل تلك النواحي.
أن تحب نفسك هو أن تتركها تبدع في خطواتها في رحلة الحياة، لا يجب أن تكون خطواتها محفوظة ومعلبة، وتذكر أنه لا يوجد قدرة على الإبداع دون قدرة على قبول الخطأ والتعامل معه. هل رأيت فنانًا يهجر فنه لأنه أخطأ في تكوين قطعة معينة؟ بالعكس، تراه يحاول ويحاول، بدون أن يجلد نفسه.
أن تحب نفسك هو أن تحترم ما تشعر به، وتعطي لنفسك الحق في الشعور به طالما شعرت به. بالطبع يمكنك مناقشة الأفكار والمعتقدات التي تحفز تلك المشاعر، لكن لا يمكنك أن تلوم نفسك على ما تشعر به. هل رأيت أحدًا يلوم طفلًا أو يعنفه لأنه خائف من الظلام؟ بالطبع لا، لكن من الممكن أن تأخذ بيد ذلك الطفل، وتريه ألَّا شيء مخيفًا في الظلام. وكذلك في مشاعر الغضب، الاكتئاب، الخزي، فقط حاول أن تفهم ما أنت تصارع معه حقًا وراء تلك المشاعر، وتكلم مع مشاعرك دون أن تنكر أنك تشعر بها في الأساس.
ربما تجد نفسك فى تلك الكلمات، وربما ترتحل في الحياة لتشكل مفهومك الشخصي عن حبك لنفسك. في كل الأحوال، حب النفس لا يعنى أبدًا الانحصار فيها، ولا يعنى الأنانية؛ فالأنانية هي مرادف لكراهية النفس وليس حبها. فكلما كنت أقسى على نفسى؛ انفصلت عنها، وعلا صراخُها طالبةً الاهتمام –حتى لو على حساب الآخر-، وصُمَّت آذانها عن استيعاب احتياجات ورغبات الآخر، وسمعت فقط لاحتياجاتها ورغباتها هي.
بينما كلما رحبت بها وأحببتها بصدق وتصالحت معها؛ تصالحت هي مع الآخر وضعفاته. وكأن كل ما أعطيه لنفسي بصدق، تحوله هي الأخرى لعطيَّة صادقة للآخر. أستطيع أن أرى أن الارتياح الذي يشعره الآخرون معي ما هو إلا صدى لارتياحي مع نفسي، القبول والأمان اللذان يلمسهما أصدقائي، يعكسان القبول والأمان الذي ألمسه مع نفسي. ولأكون صادقًا، العكس صحيح أيضًا؛ إذ إنني ربما تعلمت كيف أقبلني وكيف أحبني عندما اختبرت علاقات صرت محبوبًا ومقبولًا فيها بصدق. لا يوجد كتالوج معين، فقط اترك نفسك ترقص مع الحياة، وادخل بداخلك، ربما تجد رقصة صامتة لم تكن تعلم بها.
وتذكر، أن تحب نفسك، هو أن تكون نفسك.
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب
شكرًا على كل كلمة مكتوبة بصدق حقيقي في المقال، بالنسبالي هو جه في وقته 🌸