بالخوف ولا بالحب؟

889

 

بقلم: سارة سكر

فيه نوع معين من المحتوى بأحبه قوي، بيتقدم في فيديوهات طويلة وقصيرة على تطبيقات “السوشيال ميديا” المختلفة. تقريبًا بأشوف النوع ده من المحتوى كل يوم، ولولا الالتزامات اللي بتقيدني، كان ممكن الوقت اللي أقضيه قدام المحتوى ده يوصل لساعات أكثر.

أغلب اللي بيقدموا النوع ده من المحتوى سِتَّات أجانب. بيصوروا بيوتهم وطريقتهم في تنظيفها وتنظيمها، وتجديد العفش الموجود عندهم، وتبديل الأوض حسب الاستخدامات المختلفة اللي بتتغير من وقت للتاني.

يعني مثلًا لمَّا ابنها يكبر، فتغير له شكل وديكور أوضته علشان يناسبه أكثر. أو مثلًا دولاب في الحيطة تحوله لمساحة تشتغل فيها بعد ما العزل الاجتماعي بسبب كورونا ألزمها تشتغل من البيت وهي ما عندهاش أوضة مكتب.

بأحب قوي كمان، أسمع شرحهم وطريقتهم، وأساليبهم المختلفة في تجميل المساحات الموجودة في بيوتهم؛ اللي هي أصلًا مليانة بالتفاصيل الجميلة. وبأستنَّى بقى اللقطة اللي بتتكرر كثير في معظم الفيديوهات دي: لقطة قبل وبعد. لمَّا تجيب المكان اللي اشتغلت عليه قبل ما تبتدي فيه، وبعد ما خلصته.

يعني مثلًا الدُّرج اللي كان مبهدل وآخر لَعْبَكَة، والفرق بقى بعد ما حطَّت فيه منظمات أشكال وألوان؛ فبقى منظم وآخر جمال ويفتح النفس. أو الثلاجة اللي كانت مليانة أكياس والحاجات داخلة في بعض. والفرق الكبير بعد ما روقتها وتخلصت من الحاجات اللي صلاحيتها انتهت، وتحط الجديد وتملأ الفوارغ، وهكذا.

وحوض المواعين اللي كان هينفجر من اللي فيه، وبعد كده بقى فاضي خالص، مش عليه غير فازة الورد اللي حطتها باهتمام فظيع. بأحس أني قرَّبت أشم ريحة الورد مع ريحة صابون المواعين اللي غسلت بيه.

طبعًا من أول ما بدأت أشوف النوع ده من المحتوى، والذكاء الاصطناعي مش سايبني في حالي. وكل يوم والتاني تيجي قدامي ست جديدة بتقدم نفس نوع المحتوى ده، لكن بتعمل حاجات تانية وتشرح اللي بتعمله بأسلوب مختلف.

في الفترة الأخيرة بقيت أشوف فيديوهات لواحدة، بتتكلم بطريقة مليانة حماس وشغفها ناحية اللي بتعمله مش طبيعي! في البداية شدتني طريقتها في الكلام وتعابير وشها، ولغات جسمها اللي ما بتهداش. بس بعد كده شدني جدًا اللي بتقوله، رغم أن بيتها مش في جمال بيوت تانية من اللي شفتها كثير قبل كده؛ لكن دي عندها منطق مختلف في شرحها للي بتقدمه. هي في عمر الأربعينات، واكتشفت بعد كام فيديو قليلين أنها عندها متلازمة ADHD أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.

في فيديو من سلسلة فيديوهاتها، كانت بتقول إن حاجة من الحاجات اللي بتساعدها وهي زوجة وأم بتعاني من المتلازمة دي؛ هي أنها من وقت للتاني بتفرز كل حاجة موجودة في البيت، وتشوف محتاجاها فعلًا ولا ممكن تستغني عنها؛ لأنها لما بتعمل ده بتقلل الزحمة اللي حواليها. وده بيساعدها على التركيز في اللي المفروض تكون بتعمله وتنجزه فعلًا، وبيخلي أداءها أحسن لما المساحات اللي حواليها بتبقى رايقة ومنظمة أكثر.

أنا عارفة أن الثقافة دي -ثقافة التخلي والترك- مش موجودة في بيوت كثير وفي أذهان كثير في مجتماعاتنا. احنا بنميل أكثر للاكتناز والحشو وملي المساحات على قد ما نقدر، وبنميل لفكرة: “خليها. يمكن نحتاجها”.

الست دي كانت لذيذة قوي، وهي بتشرح بحماسها الطريقة اللي بيها بتقرر الحاجة دي هاتتخلص منها بأنها تتبرع بيها لحد أو ترميها، ولا هتخليها لأنها محتاجاها وبتستخدمها، ووجودها مفيد ليها.

فتحت دولاب لبسها، وطلَّعت منه بلوزة ورا فستان ورا جاكيت، وقالت نفس الفكرة. وبعدها دخلت المطبخ وفتحت دُرج، وطلَّعت منه حاجة ومسكتها في إيديها ورفعتها لفوق قدام الكاميرا. وقالت: “اعملي كده، خرَّجي الحاجة من مكانها من وسط باقي الحاجات اللي حواليها، وغيري اتجاهك وشوفيها في إضاءة مختلفة. واسألي نفسك بتستخدميها؟ لو رجع بيكِ الوقت هتشتريها تاني؟ بتسهل حياتك؟ ولا لأ؟ لو إجابتك آه؛ خليها. لو إجابتك لأ؛ خرجيها وما تفكريش مرتين. ما تسأليش نفسك؟ هي جميلة ولا لأ؟ غالية ولا لأ؟ بتحبيها ولا لأ؟ إذا مش مفيدة ومش هتشتريها تاني؛ يبقى تخلصي منها فورًا”.

بغض النظر نتفق معاها ولا لأ، نعمل زيها ولا لأ؛ فكرت أن حاجات كثير قوي في بيوتنا وحياتنا وعلاقاتنا محتاجين نتعامل معاها، نفس معاملة الست اللذيذة دي مع حاجتها في بيتها، يمكن مع اختلاف الأسئلة.

لكن من أهم الحاجات دي، واللي مهم جدًا نبقى بنراجعها ونفرزها كده ونحطها تحت ميكروسكوب الحقيقة؛ هي دوافعنا.

بعد ما نتصرف تصرف معين، ونهدأ كده ونشوف حاسين بايه وبنفكر في ايه. محتاجين نسأل نفسنا شوية أسئلة: أنا عملت ده ليه؟ أنا قلت ده ليه؟ كنت حاسس بايه؟ كنت بأفكر في ايه؟ دوافعي كانت ايه؟ دوافع خوف؟ ولا دوافع حب؟ خوف من ايه؟ ومن مين؟ وخوف على ايه؟ وعلى مين؟ ولا دوافع حب؟ حب ايه؟ وحب مين؟ حب نفسي واحترامها متاخد في الاعتبار؟ ولا بأعتبر دي أنانية ورفاهية مالهاش مساحة في حياتي؟

بعد ممارسة المراجعة والفرز والفحص ده بشكل متكرر، هنبقى أشطر في مواجهة نفسنا بحقيقة دوافعنا، قبل كمان ما نتصرف التصرف أو نعمل الحاجة أو ناخد رد الفعل.

الدوافع واحدة من أهم الحاجات اللي بتحلي التصرفات والأفعال وردود الأفعال، أو للأسف بتبوَّظها! ممكن يبقى نفس التصرف بس الدافع وراه يغير طعمه وتأثيره. زي الأم اللي بتعمل طبخة حلوة لبيتها وتحط الملح وتظبطه. أو واحدة غيرها بدل ما تحط الملح، تحط سم.

يا لهوي! سم؟!

أيوه لما نعمل الحاجات الحلوة بدوافع من الهم والقلق والإحساس بالذنب والخوف، بنبوخها ونبوَّظها ونرش عليها سم يخليها تموت وتقتل كمان. غير خالص لما نبقى بنعمل نفس الحاجات بدوافع مليانة حب وفرح وعطاء وشعور بالمسئولية الفعالة.

دوافع الخوف دوافع ضعيفة وجبانة، محتاجينها تخرج من قلوبنا وأذهاننا. أما دوافع الحب فهي دوافع قوية وغالية وتستاهل الاستثمار فيها؛ علشان نعيش بجودة حياة أعلى.

بيوتنا بنعيش فيها، لكن قلوبنا بنعيش بيها. كنس قلوبنا وتنضيفها من دوافع الخوف، وتلميعها وفرشها بدوافع الحب أهم وأغلى وأقيم، وأثره أبقى من تنضيف بيوتنا وتلميعها.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةعن أن ترقص مع نفسك
المقالة القادمةالحب غير المشروط

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا