3 تدريبات للاختلاف دون خلاف

651

 

كتبته: آن سامي

تقريبًا لا يخلو يومي الروتيني العادي من احتكاكات بسيطة كانت أو عنيفة نتيجة الاختلاف؛ كاختلاف عابر مع ابنتي التي قاربت على سن المراهقة، والارهاق المصاحب للشد والجذب، وخلافه في النقاشات العديدة أو تضارب الآراء بخصوص قضية ما مع زملاء العمل، أو حتى الاكتفاء بمشاهدة صراع مُحبِّي الشتاء مع مُحبِّي الصيف على “فيس بوك”!

الاختلاف وما يجلبه من صراع و”صداع” في بعض الأحيان لا مفر منه. من الممكن تجنُّب ما لا يفيد -وهو ما يُطلق عليه فن اختيار المعارك- ولكنْ بالتأكيد لن يكون التجنب هو الحل الأمثل دائمًا!

كيف أختلف دون خسارة علاقاتي؟ كيف أعيش هادئةً وسط عالم مليء بالاختلافات التي تزعجني؟

في السطور القادمة سأشارك بعض التدريبات التي ساهمت إلى حد كبير في الوصول لحالة “الاختلاف دون خلاف”، والتي ساعدتني شخصيًا في تنمية عضلة القبول مع المختلفين عني من حولي.

 

1-   تدريب توسيع النظرة

من كل الفواكه أفضل المانجو، ومن بين الخضراوات أحب الكُوسا. ولكن ماذا لو كانت كل الفواكه مانجو، وكل الخضراوات الكُوسا؟ في الحقيقة لا أعتقد أني سأكون سعيدةً بشيء مثل هذا! .. ناهيك عن الملل؛ لكني سأفقد العديد من العناصر الغذائية اللازمة للعيش بصحة جيدة!

فالتنوع هو سنة الحياة، وبالمثل في التعامل مع البشر. فعلى الرغم من أنه في التشابه انسجام؛ إلا أنه في الاختلاف تكامل! تنوع وجهات النظر وزوايا رؤية الأمور يؤدي في النهاية إلى تغطية أشمل؛ مما لو كانت الرؤية من نفس الزاوية.

سأوضح بمثال حي: يقول المثل “ما محبة إلا بعد عداوة”. وهذا ما حدث مع صديقتي التي تختلف عني في أنها عقلانية بجدارة؛ مما كان يثير استيائي في كثير من الأحيان؛ وذلك بسبب حساسيتي المفرطة ككائن عاطفي!

تخبرني: “أنتِ بتورِّيني حاجات مش باشوفها .. الجزء العاطفي ده اللي كله مشاعر”. أما أنا فأستمتع بذكائها التحليلي المنطقي للأمور بعيدًا عن “شوشرة المشاعر”.

ولكن لا تسير الأمور مع الاختلاف بكل تلك السهولة؛ فالاختلاف أيضًا قد يؤدي إلى احتدام الخلاف. في التعامل مع مَن يشبهوني لا أحتاج إلى شرح نفسي كثيرًا، في الغالب أتفق معهم بسهولة. ولكني أيضًا أعيش وأحتاج للتعامل مع المختلفين عني في السن أو الخلفيات الثقافية؛ مَن لهم آراء وميول قد تبعد كل البعد عما أقف!

فإنْ كنتُ أريد التمتع بحلاوة ثمر التكامل الناتج عن الاختلاف؛ فلا بد أن أتحمل تعب فلاحته!

 

2-   تدريب قبول أن “الدنيا ألوان”

القبول الذي أتمرن عليه هو أن أتخلى بكامل إرادتي عن رغبتي في تغيير الآخر ليشبهني؛ هو السماح للآخر في حرية أن “يكون”، أن “يكون” لونه الخاص الفريد الذي حتمًا سيضفي جمالًا في مكانه الخاص في لوحة الحياة!

فالحقيقة؛ أكثر ما ساعدني في تدريب القبول هو قبولي أنا لذاتي. لاحظت أنه كلما قبلت تركيبتي الشخصية “لوني”؛ تعرفت وانبهرت بمكامن قوتي، وعملت على استغلالها في أفضل صورة، تصالحت مع وجود نقاط ضعفي، لم أيأس من نفسي بسببها، بل تشددت بالله واستعنت به للعمل عليها، كلَّما زاد قبولي للمختلفين عني.

وكأن هنالك رابطًا سحريًا بين قبولي لإنسانيتي -ضعفي وقوتي- وقبولي للإنسان!

 

ولكن لممارسة تدريب القبول بأمان دون التعرض لإصابات بالغة؛ كان لا بد عليَّ أن أميز بين أمرين:

1 – القبول لا يشتمل قبولي للإساءات والانتهاكات على اعتبار أنها نقاط ضعف الآخر!

للآخر كل الحرية في أن “يكون” ما يريد، ولكنْ هناك فرق شاسع بين قبولي لحقيقة وجود الضعف الإنساني وبين فعل التعدي غير الإنساني! فاحترامي لذاتي، وللإنسان يحتم على مقاومة أي اعتداء على الحدود الشخصية.

2 – قبولي للآخر لا يعني موافقتي ضمنيًا على ما يعتنقه، يلبسه، يمارسه… إلخ. فأنا أحبك وأحترمك ولكن هذا لا يعني بالضرورة تأييدي لما تفعله فيما “تكونه”!

 

3-   تدريب تبديل الأماكن

لهذا التدريب فضل كبير على مرونتي في التعامل وفهم الآخرين من حولي. وهو محاولة التخلي لبعض الوقت عما أكونه؛ كي أعبُرَ للآخر، في محاولة إنسانية مجردة لفهمه واستيعابه. كما يقول المثل الأجنبي “to put yourself in his shoes”.

أعترف أن لهذا التدريب أيضًا الفضل في التقليل من انزعاجي مع المختلفين عني في حالة حدوث الصدامات؛ فبرحلة سريعة لأضع نفسي بحِذاءِ الآخر -إن جاز التعبير- أستطيع إلى حد ما التكهُّن بمشاعره، وتفهم موقفه، حتى وإن كان موقفه ذلك مني أنا شخصيًا!

 

مهما تنوعت شخصياتنا من الخارج؛ فكلُّنا من الداخل “إنسان”، صَنعَة الخالق البديع. وإيماني به وبحكمته في خلقه يُلهمني السكينة ويُردُّني إلى الصواب كلَّما احتدَّت رُوْحي فيَّ من الاختلاف!

 

مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةالصورة الذاتية
المقالة القادمةC.V بالفحم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا