بقلم: سارة سكر
– أكتر حاجة بتخوفني؟
في قعدات الحوارات العميقة مع الأصحاب، واللي بيبقى فيها تواصل وانفتاح؛ كتير بيبقى فيه كلام عن مشاعر الخوف، وغالباً السؤال (بيطرح نفسه): ايه أكتر حاجة بتخوفك؟
ودايمًا لما بيتسأل السؤال ده باحتار؛ أجاوب الإجابة العميقة اللي الكل هايحترمها ويقدرها ويديني الحق فيها؟ ولا الإجابة العبيطة اللي هاتضحكهم عليَّ، ويبان أني تافهة وبخاف من حاجات ماتستاهلش؟!
– مخاوف تستاهل؟!
خوفي الأول اللي يبان عميق ويستاهل يتقدر، هو الخوف كل مرة قدام قرار ضخم وكبير، ونتايجه هاتأثر عليَّ لسنين قدام. وممكن تأثر كمان على ناس غيري غاليين عليَّ ومهمين عندي. وبأبقى دايمًا مرعوبة وأنا بأفكر: يا ترى هأندم بعدين؟ ولا هايطلع القرار الصح؟
– مخاوف ماتستاهلش؟!
وخوفي التاني اللي بأفكر إن الناس هاتضحك عليه وتتفه منه؛ هو خوفي من الحيوانات. حتى الحيوانات اللي أغلب الناس بتحبها وبتربيها في بيوتها عادي، واللي الأطفال بيلعبوا بيها زي اللعبة في ايديهم. أيوه أنا للأسف بأخاف منها!
ورغم أن الخوف الأول يبان هو الأصعب، لكن بأفتكر أني ياما تغلَّبت عليه؛ لأني كتير أخدت قرارات صعبة في حياتي وواجهت خوفي ده، وتحملت ومازلت بأتحمل نتايج قراراتي الصح منها والغلط.
أما خوفي التاني اللي أكيد مش فخورة بيه بيني وبين نفسي، واللي ياما حطني في مواقف سخيفة بايخة ومحرجة، من كترها بطَّلت أعدها! لكن كمان حقيقي مش عارفة أعمل فيه ايه! أكيد حاولت أكسر الخوف ده وحاولت أواجهه، بس ما تغلبتش عليه، ومش عارفة إن كنت في يوم من الأيام هأقدر أتغلب عليه فعلًا، ولا هايفضل غالبني على طول!
المشكلة في خوفي ده، مش بس أنه خوف كبير بالنسبة لي؛ لكن أنه كمان خوف مش متقدَّر، مش مُعتَرَف بيه، مش بيُحترم من اللي حوليَّ، مش بيدُّوني الحق فيه! لكن بالعكس كمان، لما باتحط في مواقف يطلع فيها خوفي ده ويبان عليَّ؛ بيتبصَّ لي بَصَّة: ايه الدلع ده! ما بلاش استهبال بقى! دي حاجة ماتخوفش أساسًا!
وفي أحسن الأحوال ممكن حد يقول لي: “ما تخافيش ما تخافيش”. وكأنه لما يقول لي كده هأدوس على زرار (لا للخوف) فخوفي هايتبخر! أو يقول لي: “ده ما بيعضش” أو “مش هايعمل لك حاجة”؛ وكأني لما هأعرف (تلك المعلومات العظيمة القيمة) هأبطل أخاف!
مين قال إن الخوف بيختفي بقرار؟!
مين قال إن الخوف دايمًا بيترد عليه بالمنطق، مهما كان منطق عظيم ومقنع؟!
الخوف شعور تقيل كتير بيعمي البني آدم عن أي منطق مظبوط.
أيوه، الخوف شعور إنساني طبيعي زي كل المشاعر الإنسانية الطبيعية. بيكون وراها فكرة أو أفكار. طبعًا ما نقدرش نوقف مشاعرنا لأنها مش بزراير. لكن نقدر نفحص أفكارنا، ونفكر بوعي في اللي بنفكر فيه. وكأننا بنجيب أفكارنا كده نحطها على الترابيزة قدامنا، ونفحصها وننقيها -زي ما أمهاتنا زمان كانوا بينقوا الرز- ونشوف ايه الأفكار الكويسة اللي ينفع نحتفظ بيها؛ لأنها مظبوطة وصحيحة وبتساعدنا، وايه اللي نرميها ونتخلص منها لأنها غلط ومؤذية وبتودينا لحتة صعبة.
لكن كمان نبقى واعيين واحنا بنعمل ده؛ إن مشاعرنا ومخاوفنا مش دايمًا منطقية؛ بالعكس كتير مخاوفنا بتكون عكس المنطق، لكنها ما زالت بتخوفنا. وده بيحتاج لاحتواء مشاعرنا دي وقبولها. أقصد قبول أنها موجودة، رغم أنها مش منطقية.
خوفنا بيهدا شوية لما بنعبر عنه بوضوح، ويطلع للعلن بدل ما هو كاتم على نفسنا لوحدنا، من غير ما حد يحس بينا. لكن علشان ده يحصل مهم إن اللي نعبّر قدامهم عن مشاعرنا يبقوا ناس قريبين من نفسهم أساسًا؛ يعني فاهمين أو بيحاولوا يفهموا نفسهم، حساسين وبيقدروا المشاعر وبيحترموها، ومش بيحجروا على مشاعرنا، ولا بيحكموا علينا بسببها.
أكيد الخوف شعور مش مريح، لكنه جزء من إنسانيتنا المحدودة. طالما أننا بني آدمين يبقى طبيعي نخاف، ويكون عندنا مخاوف مختلفة بدرجات مختلفة. ومش لازم كل الناس حولينا توافق على مخاوفنا وتدينا الحق فيها؛ لكن مهم أننا احنا نقف جنب نفسنا في مخاوفنا لو ما لقيناش حد يقف جنبنا فيها. ونبقى عارفين أن ربنا بيقدر إنسانيتنا، وكل مشاعرنا، ومخاوفنا.
الأهم بقى إن مخاوفنا ما توقفناش وتكلبشنا وتثبتنا في مكاننا، لكن نقدر نكمل في الحياة بالرغم من وجودها، ونمشي بيها لو اضطرينا، مش نعطل ونركن بسببها.
الوعي بكل ده بيفتح لنا طاقة نور بيها نشوف، حتى بالرغم من مخاوفنا اللي كتير بتضلم الطريق وتعتم عنينا. فتقدر تقول: أنا خايف، لكن شايف.
مراجعة لغوية/ عبد المنعم أديب