هل يمكننا مسامحة المتنمرين؟

1546

بقلم/ هديل إسلام

 

الوقوف بنظرة متسامحة نحو كل من آذانا لنتجاوز جميعًا تلك اللحظة بقلب مزروع بالياسمين، يصلح لأن يكون أحد أفلام بداية الألفية، التي تطرح فكرة التنمر كما لو أنها لعبة صغيرة يمكن نسيان تفاصيلها بعد ساعتين. لكن التنمر في الواقع لا ينتهي بانتهاء المشهد، بل إنه يشكّل جزءًا من وعينا في الماضي، ويساهم في تشكيل شخصياتنا وعُقدنا التي تلاحقنا حتى اليوم. ربما نكون في أشد الحاجة لنسيان الأمر والمُضي قدمًا، لكن كيف لنا ذلك؟ هل يمكننا بالفعل مسامحة المتنمرين رغم آثار التنمر المتجذرة داخلنا حتى اليوم؟

 

أن نغفر أو لا نغفر.. أين هي المشكلة؟

قد يبدو الأمر بسيطًا من الخارج، فالغفران شعور شخصي ويحق لأي شخص مُتنمَّر عليه سابقًا أن يقرر ذلك.

لكن كيف لي أن أغفر ولا تزال كل أصوات الماضي تلاحقني؟ فأنا لم أمتلك الجسم المثالي ولا الشكل المثالي ولا الشعر المثالي ولا الشخصية المثالية ولا طريقة التعبير المثالية. وهذه الأصوات قد ترسخت في ذهني من تعليقات سمعتها وأنا طفلة من أطفال في مثل عمري أو أكبر قليلًا.

 

في كل مرة أذهب فيها إلى الطبيب النفسي للتحدث قليلًا عن بعض عقدي الدفينة، أشعر بغضب شديد لأنني لم أحظَ بأجواء مثالية في طفولتي، أتمنى لو حظيت بفرصة حقيقية لأحب ذاتي، أغضب لأن تشككي بنفسي وقدراتي لم يؤذني نفسيًا فحسب، ولكنه حشرني في الزاوية طويلًا، لأنني لست جيدة بما يكفي لأي شيء. الكل يمضون في حياتهم الآن وأنا هنا عالقة بين الحاضر والماضي. وأعود إلى ذلك الغضب مجددًا كلما تذكرت أن تلك التعليقات التي قيلت في ثوانٍ معدودة استطاعت أن تلتصق بي لسنوات وأن تهزمني لسنوات أخرى، بل إنني مضطرة لتحديد ميزانية كل شهر للطبيب النفسي لأتعافى منها.

 

وكيف لي ألا أغفر، وهؤلاء الذين أشير إليهم باسم المتنمرين لا يزالون يشكلون جزءًا من حياتي؟! المتنمرون ليسوا بالضرورة أشرار الماضي، إنهم لا يزالون هنا، والأغرب أننا لا نزال نُكِن لهم الحب، سواء الأهل أو الأشقاء أو الأقارب أو الأصدقاء القدامى.

 

تكمن المأساة في أن الشخص الذي آذاني لم يعد موجودًا عمليًا. صديقتي التي تباهت بذكائها أمامي لأنني لم أستطع حل اللغز كما فعلت هي، مع استخدام هذا الحدث وغيره لتأكيد ذكائها المتناهي مقارنة بذكائي المحدود، ومن ثَم لا يحق لي أن يكون لي رأي مختلف، قد كبرت الآن وتتمتع بشخصية ظريفة ومرحة، كما أنها تدعمني بطريقتها الخاصة. وهناك صديقتي الأخرى التي قالت لي إنني لست جميلة بقدر شقيقتي، وكانت تكرر دومًا “كيف لي ألا أكون على القدر نفسه من الجمال؟!”، إنها تعيش الآن حياة ناضجة ونتبادل الحب والاحترام والابتسامات والقلوب والعناق الافتراضي.

 

كثيرًا ما أتفاجأ، كيف يمكن لمثل هذه التفاصيل الصغيرة التي حدثت منذ عشر سنوات أو أكثر أن تعلق بذهني حتى الآن، أن تلاحقني وتخلق بداخلي هذا الغول الأسود الذي يعيقني من المُضي قُدُمًا، لأنني “شخص لا يستطيع ولا يستحق”. أشعر بغضب وما زلت. ولا أعرف أين يمكنني توجيه هذا الغضب. هؤلاء الأشخاص الآن هم أناس مختلفون، ربما نادمون أو ناسون أو متناسون. كلهن قد كبرن الآن وصرن أكثر نضجًا ولديهن معاركهن الخاصة، التي لا يسعني أن أزيدها معركة أخرى بإخبارهن كم آذاني ما قيل منذ 10 أعوام. ولكني أرغب حقًا في نسيان الأمر وتجاوزه، وربما المسامحة هي القرار الذي أحتاجه لأحظى ببعض السلام.

 

شئت أم أبيت إنها معركتي الآن، والمسامحة من عدمها حق أحتفظ به لنفسي، ويحق ذلك أيضًا لأي شخص يرى نفسه متأذيًا. المواجهة قد تكون حلًا لجأت إليه أحيانًا، أن أخبر الشخص الذي آذاني أنه آذاني قد يخفف وطأة الأمر، أن أحظى على الاعتذار الذي أستحقه ربما يعطي لهذه المسامحة معنى، أو حتى المسامحة في صمت، لأن الغضب يجعلني عالقة في تلك الذكريات أكثر، لعل المسامحة هي ما أحتاج لأتحرر من هذه الذكريات التي تلتصق بي. لكن عدم المغفرة لن يجعل منك شخصًا حاقدًا. فقط أذكرك أنها معركتك الآن، اتخذي القرار الذي تحتاجينه انتصارًا لنفسك أولًا.

المقالة السابقةبـيـن الـسنـجلة والقفص الدهـبـي
المقالة القادمةمتنمرون لكن ضعفاء
نون
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا