“صاحبتي بتلومني كتير جدًا، طول الوقت بتعاتبني وبتقولي إني مقصرة في حقها، أنا كمان انفجرت في وشها وفهمتها إنها مش ملاك”.. سيناريو واحد سمعته في نفس اليوم قرابة تلات مرات، من شخصيات مختلفة، كانوا بيحكولي بضيق شديد عن الصحاب اللي بيتحولوا فجأة من ملجأ بنروحله في حالات الغضب والضيق، لطاقة نكد متجددة ومتصلة بتكدرنا وتنغص علينا عيشتنا لأسباب مختلفة.
السيناريو واحد تقريبًا في معظم القصص اللي شوفتها وأحيانًا عيشتها، عتاب عنيف ييجي بعده مباشرة خناقة معتبرة، وتختم بقطيعة ما يعلم بيها إلا ربنا، ممكن تستمر أيام وأحيانًا بتوصل لشهور وسنين. منكرش إن العلاقات بترجع تاني طبعًا، لكن عمرها ما بتبقى زي الأول.
زي بالظبط ما حصل مع صديقتي في الثانوية العامة، كانت الأقرب لقلبي من الابتدائية لحد الثانوية، وفجأة في موجة عتاب شديد وزعل شبه اللي بنتكلم عنها خبطتني جملة مرعبة “إنتي كنتي بتعتبريني صديقتك لكن أنا مش معتبراكي صديقتي”، طبعًا لو كان فيه ذرة منطق وقتها كنت ضحكت وخبطها على دماغها بسخرية “أومال الست سنين صحوبية والحكايات والفضفضة والراحة الشديدة اللي مكناش بنحسها غير مع بعض كانت إيه؟!”، لكن أنا غضبت جدًا من الجملة، واعتبرتها ألم على وشي واديتها ضهري ومشيت، ودخلنا في دور عناد عنيف، حتى لما حاولت توصلي بعد تلات سنين من تغيير العناوين ودخول الجامعة، قابلتها ببرود شديد ومرحبتش بيها على الإطلاق، واعتبرت جلافتي وقتها انتقام كافي من الجملة القاسية اللي سمعتها.
اقرئي أيضًا: شكرا صديقتي: أجمل رسالة شكر لصديقتي الغالية
لو رجع بيَّ الزمن أكيد مكنتش هتصرف بالطريقة دي، أوقات الراحة والشعور بالألفة اللي بنحسها مع صحاب معينين بالدنيا وما فيها، وتستحق عشان خاطرها نبذل شوية مجهود صغيرين عشان نقدر نحتفظ بعلاقات غالية جدًا، ممكن نستسهل الاستغناء عنها لكن صعب جدًا نعرف نعوضها من تاني.
الحياة حقيقي ضاغطة بصورة مرعبة، شغل وبيت ومواصلات والتزامات ملهاش حصر، ومواقع تواصل واكلة وقتنا وعمرنا، وشوية حاجات تانية خاصة بكل واحد مش مدياله فرصة يبص جنبه، في وسط كل ده بيتحول الوقت اللي بنقضيه مع أصحابنا القريبين لماسك أكسجين، بيدينا شوية نَفَس عشان نعرف نكمل ونستحمل العيشة واللي عايشينها، لكن ماذا لو ماسك الأكسجين فصل فجأة، وبقى يدخلنا غاز سام، مليان كلام ناشف، وعتاب تقيل، وتعبيرات تسم البدن؟!
في وسط المعمعة بنحتاج صحابنا، لكن المفاجأة إن صحابنا همَّ كمان عايشين المعمعة زينا بالظبط، كل واحد وله معمعة تخصه، لذلك أغبى حاجة ممكن تحصل لما تقابل صديقك إنك تلومه وتسم بدنه بأسئلة من عينة “مبتسألش ليه؟ كل ده كنت فين؟ أنا آخر مرة اتصلت بيك إنت ليه عمرك ما بتتصل؟” إلى آخره من الأسئلة اللي بترسم بحرفية شديدة نهاية العلاقة، حتى لو مختمتش بخناقة، فالأكيد إنها هتختم بفتور، لأن مناقشات من النوع ده معناها إنك مش حاسس بالشخص التاني، ومش واثق من غلاوتك عنده، ولا متأكد من قوة العلاقة بينكم.
في المواقف الأخيرة اللي شوفتها لأصحاب زعلوا بعنف من بعض بسبب العتاب العنيف، لاحظت إن الطرفين فعلاً بيكونوا مكسورين، وحاسين بقهرة غير طبيعية، اللي هو “مكانش العشم” لكن كمان الطرفين في كل المواقف مكانش عندهم ذرة استعداد للتغافل، وكل طرف شايف إنه عمل اللي عليه وأزح، لدرجة التعامل على طريقة “مش ناقصاك إنت بالذات”.
شركات المحمول بتدي فترات سماح كافية، كمان العلاقات محتاجة ده أكتر من خط التليفون التافه، فترة سماح معتبرة، تليق بالعِشرة والمعرفة، والعيش والملح والأوقات الحلوة، لكن المسألة أحيانًا بتحتاج ما هو أكبر من فترات السماح، بتحتاج كمان تغافل؛ أصحابنا زي كل البشر اللي بنقابلهم في حياتنا وبيحرقوا دمنا لأنهم في النهاية بشر، عندهم نواقص وعندهم مشاكل وعندهم كمان سوء تقدير وأحيانًا سوء تصرف.
أصحابنا مش ملايكة ولا قديسين هيمشوا معانا بالمسطرة، ومش معنى إننا بنشتكي الدنيا ليهم مش هييجي علينا لحظة ونحب نشتكيهم هم نفسهم، لكن السؤال في اللحظة دي بيكون مرعب “الشخص اللي دايمًا بتشتكي وتفضفض معاه لما تحب تشتكيه هتروح لمين؟”، هنا بقى لازم دورنا إحنا يطلع ونغفل شوية عن الحاجات اللي تزعل ما دام الأساس موجود، وما دمنا متأكدين إننا مصاحبين ناس تستاهل.