الزواج على نفقة الدولة

942

ليست هذه المرة الأولى التي أذهب فيها مع إحدى صديقاتي اللاتي “على وش جواز”، للبحث عن الفستان المناسب والتجهيزات المناسبة والعفش المناسب والفرش المناسب، لكنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالغباء. الغباء من الإصرار على تكرار نفس العادات والتقاليد في أي زيجة، التي تقصم وسط العريس وتحني ظهر العروس.. إنها المرة الأولى التي أقرر فيها أن أتقدم بطلب للزواج على نفقة الدولة.

 

نعم.. فكرت مليًا ما الذي يمكن أن يحل هذه الأزمة إذا ما حان دوري عروسًا، ووجدت الحل المناسب هو تقديم طلب للزواج على نفقة الدولة، فإذا كان الفستان وحده من خياطة غير معروفة يكون من سبعة لعشرة آلاف جنيه، وحجز مكان بسيط للغاية للاحتفال لا يقل عن سبعة لعشرة أخرى، أما الشبكة فأرقام فلكية لأقل طاقم. وبالطبع هذه الأشياء السطحية، فلم نقتحم مثلاً مجال الفرش والتجهيز، والذي رأيت فيه مهازل إنسانية، من ضمنها وجود ما يُعرَف بمفرش السرير، والذي يُوضَع على السرير يومًا واحدًا فقط، يوم الفرح، ثم يُعبأ في كيس بلاستيكي كبير ويوضع فوق الدولاب، هذا الشيء يبلغ ثمنه عشرة آلاف جنيه، يا بلاش! وعن الستائر والسجاد والنيش والخشب، أسعار قاتلة، وبالمناسبة لا تزال هذه الأشياء سطحية، مقارنةً بالأجهزة الكهربائية وتجهيز المطبخ والحمام ومتر السيراميك.

 

تتكلف الزيجة الواحدة على أقل تقدير، وبعد توفير كثير من الطرفين، ما لا يقل عن ٣٠٠ ألف جنيه، ويبدأ الزوجان حياتهما مديونين، يسددان قروضًا أو جمعيات أو استدانات من الأهل والأقارب، يطغى على عشهما الجميل عالم المادة، فيصبح الاستمتاع بخروجة مسائية لطيفة للسينما أو الأوبرا بعد الزواج مخاطرة، لأنها قد تأتي على ما يمكن أن يسد بعضًا من قرض البنك، فيظلا متعسفين لمدة ليست بقصيرة، ويكبران في العمر قبل أوانهما، إلى أن يُشرِّف ولي العهد، وتزيد الأعباء المالية والمسؤوليات، دون أن يكونا قد أخذا ولو قسطًا من الراحة والحب معًا، وكل هذا يتم تحت إشراف الأهل، بأم أعينهم، يقتلون أحلام أولادهم لاتِّباع تقاليد معينة يرونها الأمثل، مع أن مصيرها إلى الزوال.

 

تتساءلون كيف عرفت أنها ستزول مع أنها راسخة في المجتمع كجذور شجرة عتيقة؟ لأن ببساطة حين كنت أبحث مع صديقتي عن الفستان سألتنا الخياطة أين ستقيمون الحفل، فأجبنا: في المنزل، فقالت غريبة فعلاً، جميع الناس يتجهون إلى إقامة الحفل في البيت هذه الأيام، بعد أن كانت القاعات شكلاً أساسيًا وسِمة حقيقية للأفراح والخطوبات، أما الآن فأصبح الجميع يرضخ لرغبة العروسين في إقامة حفل عائلي بسيط بالمنزل. من هنا أدركت أن الجميع يدرك فداحة المأساة، وأنهم شيئًا فشيئًا سيعرفون أن لا قيمة لمفرش السرير والنيش ودولاب الأحذية ذا الأدراج السحرية المهلبية، وأنها تكلفة للعروس والعريس معًا، لكن الأمر يحتاج بعض الوقت، حتى يدرك الجميع أن هذه التقاليد أصبحت عبئًا على كاهلنا، ماديًا ومعنويًا.

 

قد يرى البعض أن التنازُل عن هذه التكاليف المادية قد يضع العروس في موقف لا تُحسَد عليه أبدًا، بحيث يعتبر العريس وأهله أنها “مش متقدرة كفاية ولازم تتعزز”، فهو لم يتعب فيها، لم يبذل الجهد والطاقة والمال الكافي لخطب ودها، ومن ثم سيعتبرها “هافيَّة”، يهينها أو يقلل من شأنها، فتخرج صيحات العائلات والفتيات المجروحات لمطالبة المُقدِمات على الزواج بعدم التنازل عن الحقوق المادية، وبكتابة قايمة ومهر وشبكة ومؤخر الصداق، بل أن يعززن أنفسهن، ولا يجعلن الارتباط بهن سهلاً لأي عريس، لأن من تنازلت عن حقوقها المادية تتنازل عن كرامتها، وسيجعلها هذا عُرضة للانتهاك في حالة حدوث طلاق، لأنه لا شيء يضمن لها حقها.

 

هذا -من وجهة نظري- غير صحيح بالمرة، فالأساس في اختيار الشخص الذي ستعيشين معه، لأننا لسنا سلعًا لنُباع لصاحب أعلى سعر، بل بشر، عقول وقلوب وإحساس ومشاعر، كيان مستقل، وليس من الضروري إذا تكلفت زيجتك الكثير من الأموال أن يحترم زوجك كيانك، هل تظنين أن المطرب المشهور الذي خرج علينا قائلاً إنه من الضروري ألا يترك الرجل زوجته تمرح لم يجلب لزوجته معطفًا من الفرو وشبكة سوليتير؟! على العكس، فهو قادرًا جدًا على هذا، لكنه غير قادر على احترام كيانها، أو على حبها حبًا غير مشروط، وفر لها حقوقها المادية، لكنه سلبها حق أن تكون إنسانًا مستقلاً.

 

وعلى الجانب الآخر، فإن تجربة الفتاة اللطيفة التي تزوجت بأربعة آلاف جنيه على الفيسبوك باءت بالفشل، لكنها لا تتعلق البتة بالمادة، لا تتعلق بالمغالاة أو التنازل، تتعلق بشكل رئيسي بالرجل الذي ستختارينه للعيش معه للأبد، تتعلق بالاختيار، بالثقة، التي إذا تم خيانتها لن يعوضها قائمة بالشوك والسكاكين والستائر المرصعة بالماس من سيدار التي تخصك.

 

من بين كل هذا، لا زلت عند قراري، أريد أن أرفع طلبًا للسادة المسؤولين بالزواج على نفقة الدولة، إذا ظل الوضع على ما هو عليه، حتى لو كانوا سيساهمون بثمن مفرش السرير فحسب.

المقالة السابقةنكد الصحاب
المقالة القادمةدفاعًا عن لقمة السم
آلاء الكسباني
صحفية وكاتبة مصرية.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا