بقلم: رفيق رائف
يمكن لو فهمنا ايه اللي بيحصل في مُخّنا، علشان يكوِّن عادة أو علشان يعمل أي تغير مستمر؛ ساعتها نعرف نتعامل معاه، ونساعده ونصبر عليه، لغاية لما يحفر جوَّاه التغيرات اللي محتاجها.
بُصّ يا سيدى، مُخ الإنسان بيتكوّن من ملايين الخلايا العصبية (neurons)، وكل خلية متوصّلة بخلايا كثيرة ثانية عن طريق توصيلات عصبية؛ علشان يعملوا شبكة كبيرة وضخمة جدًا من التوصيلات والخلايا.
يعني -مثلًا- الجزء من المخ اللي مسؤول عن سواقة العربية، ممكن يكون متوصّل بالجزء اللي بيحب يسمع أغاني؛ أو الجزء اللي بيشم ريحة أكل معينة يكون متوصّل بالجزء اللي مسؤول عن ذكريات طفولة معينة؛ أو الجزء اللي مسؤول عن الإحساس بالقلق متوصّل -مثلًا- بمهارة معينة بتعملها علشان تساعدك تتعامل مع القلق دا.
المُخّ كمان فيه حاجة جميلة جدًا، وهي أنه عنده القدرة طول الحياة أنه يكوّن خلايا جديدة أو توصيلات جديدة بين خلايا قديمة مكانتش متوصّلة ببعضها. والتوصيلات اللي بيبنيها المخ مش كلها شبه بعض، لكنها بتختلف في سُمكها وحجمها، على حسب كثرة استخدامها. بمعنى أن التوصيلات اللي اشتغلت كثير بتبقى سميكة، وبالتالي الإشارات فيها بتوصل أسرع من التوصيلات اللي اشتغلت قليل؛ فبالتالي الإشارات بتوصل ببطء فيها، والمخ بيحتاج فيها وقت. يعني الحاجة اللي بنمارسها أكثر بتبقى توصيلاتها أكثر عمقًا، وبالتالي أكثر سهولة لمخنا ولجسمنا أنه يعملها.
طيب بناءً على المعلومات البسيطة دي، محتاجين نخلي بالنا من كام قاعدة كدا، واحنا بنتعامل مع مخنا في بناء عادات جديدة، أو حتى محو عادات قديمة:
- خلق عادات جديدة بيحتاج وقت وبيحتاج ممارسة، علشان أنت -حرفيًا- بتحفر جوَّا مخك مسارات جديدة. المخ بيتعلم عن طريق الممارسة مش عن طريق أنك عرفت معلومة أو قريتها. وبيحتاج يمارس الحاجة كذا مرة؛ علشان يتعلّمها، وعلشان تبقى بالنسبة له سهلة. وكل ما الحاجة دي ازدادات صعوبة وتعقيدًا، كل ما المخ احتاج وقت أكثر علشان يتقنها ويتعود عليها. وبالتالي، محتاجين نبقى صبورين على نفسنا، ومنتوقعش منها أنها بعد يومين ثلاثة هتكون أتقنت حاجة معينة. احنا عايشين في عصر كل حاجة بتحصل فيه بسرعة، ولذلك بنتوقع من نفسنا سرعة مماثلة لتعلم الأشياء الجديدة وإتقانها. ولو معملنهاش بسرعة بنقعد نوصف نفسنا أننا فاشلين أو أغبياء، وهنا تيجي النقطة الثانية.
- المخ مش بيتعلم كويس تحت ضغط، فلو قعدنا نتكلم معاه بكلام سلبي كثير، ونسم بدنه بكلام ثقيل عن ازاي هو بطيء أو غبي أو فاشل؛ هيبقى بطيء فعلًا، وهيكره الحاجة اللي بيتعلمها؛ لأنه بالنسبة له الجزء المسؤول عن تعلم الشيء دا هيبقى مربوط بالجزء اللي مسؤول عن النقد الداخلي وعن الضغط العصبي، فبالتالي مش هيبقى عايز يتعلّمها، وهيقعد يأجّلها ويتكاسل في أنه يعملها. لكن لو شجعناه وسقّفنا لنفسنا في كل مرة تعمل حتى ولو إنجاز صغير، هيتحمس يكمل. أساس تكوين العادات الصحية هو التراحُم بالنفس ومُصاحبتها؛ لأن القسوة عليها بتخليها حتى لو اتعلمت العادة دي تفضل كارهة لها وتدوّر على مهرب منها. مثلًا، لو عايزين نبدأ “دايت”، وأكلنا أول يومين ثلاثة أكل صحي، وبعدين عكّينا في اليوم الرابع، معظمنا بيوقف دايت عند الوقت دا، ويقول خلاص الدايت مش شغال معايا أو أن إرادتي ضعيفة. لكنْ بننسى أن المخ محتاج وقت يتعوّد على نوع مختلف من الأكل، وطريقة مختلفة للحياة. وغالبًا دا بيحتاج أكثر من 6 شهور. ودا بيقودنا لنقطة المقاوحة.
- المقاوحة أو المرونة بعد الفشل في الانتظام على عادة معينة هي نقطة مهمة جدًا. معظمنا بيشوف أنه لو منتظمش كل يوم على العادة اللي عايز يعملها يبقى كدا خلاص مفيش منه أمل. لكن حتى لو مفيش انتظام، فيه مقاوحة في كل مرة أني أحاول أعمل اللي عليَّ النهارده بتعوّد المخ أنه يكمل يكوّن التوصيلات العصبية اللي بيكوّنها. ولو فيه وقت معرفناش ننتظم فيه لسبب أو لآخر، فدا مش معناه أن المخ فشل أنه يكوّن العادة دي، لكنه بس محتاج وقت يفضل يعملها. أي عضلة علشان نمرّنها بتحتاج انبساط وانقباض، يعني لو فضلنا شادين العضلة على طول مش هتقوى، لكن القوة بتيجي من الانبساط والانقباض. علشان كدا القوة بتيجي من كل مرة بترجع فيها تنتظم بعد ما تقع، أو تفقد شغفك في الحاجة اللي بتعملها.
- تكوين مهارة أو عادة جديدة؛ عادةً في الأول بتحتاج انتباه وتركيز، وبعد كدا خلاص بتحصل تلقائيًا. علشان كدا في الأول ممكن تكون بتحتاج تربط العادة اللي عايز تكوّنها بعادة ثانية موجودة في الأصل عندك. يعني -مثلًا- لو عايز تبني عادة أنك تشرب مية كثير، ممكن تربطها حتى لو بعادة مش صحية زي تصفُّح “السوشيال ميديا”، في كل مرة تفتح الفيس بوك اشرب شوية مية. أو لو عايز تبني عادة أنك تقرأ كل يوم حتى لو صفحتين، ممكن تربطها بوقت معين أنت عارف أنك بتكون فاضي فيه، زي الوقت اللي قبل النوم، حتى لو 10 دقايق.
- أخيرًا محتاجين نثق في نفسنا واحنا بنتعامل مع صعوبات أو عادات جديدة؛ لأننا ياما اتعلمنا حاجات كانت صعبة ولسه بنتعلم. ونفتكر أن الالتزام مش دايمًا معناه الاستمرارية، لكنه أوقات معناه المقاوحة والقيام بعد كل مرة بتفقد فيها انتظامك على اللي بتعمله. بالراحة على نفسك يا صديقي، وخذ وقتك وأنت بتتمرّن على عادات أو مهارات جديدة، أنت أصلًا شاطر وبتتعلم بس محتاج وقت وصبر ، صبر من نفسك أنت أول واحد.
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب
Wonderful effort!searc h