كنت وبقيت

256

 

بقلم: كرستينا ناجي

 

في يوم من الأيام، بدأت سفينة رحلتها في المحيط، فضلت ماشية لأيام وأيام لوجهتها.  وسط الرحلة تفاجأ رُبَّان السفينة بعاصفة شديدة، وده شيء وارد، لكنها كانت عاصفة عنيفة وغير متوقعة .. حاول الربان يتحكم ويسيطر على السفينة، وعمل كل مجهوده اللازم علشان يوصل بالسفينة لبر الأمان.

هل السفينة وصلت؟ هل حصل أي خسائر للسفينة؟ هل ربان السفينة تأثر بالعاصفة دي ولا لأ؟! هل الرحلة كمّلت زي ما كانت؟

واسمحوا لي نتخيل القصة بشكل ثاني مع بعض. بنعيش أيام حياتنا بشكل طبيعي؛ يوم فوق ويوم تحت، الأمور ماشية .. إلى أن تيجي أحداث فجائية تخبط فينا، بدون أي مقدمات .. رغم أن الحسابات محسوبة كويس، مذاكرين الحياة وقاريين، وجايز سامعين خبرات كثيرة من ناس أكبر وأكثر حكمة .. إلا أن الأحداث دي زي العاصفة في قصة السفينة؛ ملهاش كتالوج محدد .. وحده الله -سبحانه- المتحكم والعارف بيها.

وكأن العاصفة أو الأحداث الفجائية بتبقي نقط تحول في حياتنا .. وبنبدأ من خلالها رحلة جديدة تمامًا مكناش نتوقعها .. رحلة “كنت وبقيت”.

 

وخلينا نتخيل أنها رحلة منقسمة  لثلاث مراحل:

 

والمرحلة الأولى ممكن نسميها “دلوقتي وبس ..”

دي كأنها مرحلة الصدمة .. مش ببقى شايف حاجة غير ألمي ووجعي، الصعوبات مالية المشهد؛ الألم كبير وصعب ومُجهد، المشاعر متلخبطة ومتضاربة وطالعة ونازلة.  في المرحلة دي بتبدأ تظهر أسئلة جوَّانا زي مثلًا:

هو أنا هيبقي عندي أمل ثاني؟!

هل هرجع أحب نفسي؟

يا تري هرجع أثق في البني آدمين، ولا خلاص كده؟

أنا هفضل متألم لحد امتي؟!

في المرحلة دي بتهتز أساسات كنا واقفين عليها، جايز نلاقي أسئلة عن ثوابت عشناها لسنين نبدأ نفكر ونشك ونتلخبط فيها .. ونتوجع بحثًا عن إجابات شافية لينا .. اللي عاوزة أطمّنك بيه -عزيزي القارئ- أن ده طبيعي، وأنك مش لوحدك اللي بتمر بكده .. صحيح بيكون وقت مؤلم جدًا، لكنها مرحلة وصدّقني بتعدي.

 

المرحلة اللي بعدها “بقيت..”

أو مرحلة المفاجأة .. وفيها بتفاجئ بحاجات حصلت جوَّايا وفيَّ .. أيًا كانت إيجابية أو سلبية؛ كأني سافرت أو رُوحت لمكان أنا مش عارفني فيه، أو مش لاقيني كأني حد ثاني! .. بشوف التغيير بشكل ملموس علّم فيّ وعمل علامات واضحة .. ولو تفتكروا معايا فيلم “اكس لارج” للفنان/ أحمد حلمي؛ لمّا خرج من الأوضة اللي كان حابسه فيها صديقه، وصرخ بأعلي صوته، وقال: “أنا مش جعان!”.

وكأنها لحظة انتصار ملموسة محسوسة، بعد ما بكون فقدت الأمل أني مش هحس ثاني بحاجة زي زمان.

وجايز المرحلة دي تكون بشكل سلبي موجع جدًا، فأتصدم في نفسي أن العاصفة أو الموقف الصعب غيّرني للأسوأ، بقيت حد ثاني معرفهوش، وتبدأ تصعب عليّ نفسي؛ كأنها مرحلة الوعي أو الرؤية بوضوح  للتغيير اللي حصل جوَّايا ومعايا متصور قدام عينيا.

 

ونيجي لآخر مرحلة وهي “كنت”

وفي رأيي، دي بتكون مرحلة قعدة الهدوء وأنا قاعد مع ناس قريبة أو حتى مع نفسي .. وأنا بسترجع اللي حصل وبفتكر نسختي القديمة، ما قبل العاصفة .. كنت ايه؟

وكأن الصورة بتكتمل، وببدأ أفهم بهدوء ايه اللي حصل .. وجايز في المرحلة دي أبدأ أستقبل حكمة الله -سبحانه- في اللي حصل، وأن رغم صعوبته لكن فيه بصيص نور خلال نقطة التحول .. زي -مثلًا- أني مكنتش لوحدي، أو أني اكتشفت حكمة ربنا في منعه لأشياء كانت ممكن تدمرني، أو أني ذُقت محبة ناس أمينة حواليا سندتني، أو أني بقيت أحسن في حتت وشفت حاجات في نفسي؛ مكنتش هكتشفها ولا هشوفها، لولا العاصفة أو نقطة التحول اللي حصلت.

أخيرًا، لو مرّيت أو بتمر دلوقتي بعاصفة ما في حياتك (تغيير جذري، تجربة صعبة، فقد لشخص وأشياء،..) الأمر مؤلم ودي حقيقة واجب قبولها واحترامها. العاصفة صعبة وسخيفة ومحدش أبدًا هيتمني أنه يمر بيها. لكن أحب أشجعك -عزيزي القارئ- متمرش بالعاصفة لوحدك، قرّب من مصادر دعم ليك (أصدقاء، أقارب، مجموعات مساندة،..). 

كمان ثق أن الله -سبحانه- الكبير العالم بكل التفاصيل يري ويدبر مخرج من العاصفة، يشدد ويعطي قوة تكمل بيها ولا تستسلم. تأكد أن أنت مش الوحيد اللي بيحصل كده معاك .. وأن قصة السفينة اللي بدأت كلامي معاكم بيها هي قصتنا كلنا في الحياة باختلاف الظروف، التوقيت، والأشخاص.

كلنا، في وقت ما، بنقف وبيبقى عندنا حكاية نحكيها، بتبدأ بكلمتين “كنت .. وبقيت”. وما بينهما عُمر عدّى، كان فيه حزن وحنين ولخبطة وصدمة وفخر وخوف وقلق وتوتر وامتنان، وغيره من المشاعر؛ كانت دليل على قصة اتعاشت واتدفع فيها عُمر ومحاولات علشان أخرج للنور وأحكي الحكاية بما فيها من  كفاح وإصرار على الحياة، والخروج للنور مرة ثانية، بنُسخ جديدة من أنفسنا بعد العاصفة.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةحد تاني خالص
المقالة القادمةنقاط بدلًا من نقطة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا