نقاط بدلًا من نقطة

358

بقلم: رفيق رائف

 

أوقات كثيرة بكون بتكلم مع أصدقاء، وبعدين يُطرح سؤال: “ايه نقطة التحول اللي في حياتك، اللي تغيّرت من بعدها بشكل كبير؟”. أعتقد أن مش كُل الناس هيبقى عندهم نقطة تحول واضحة تغيّروا من بعدها. أنا بصدّق أني واحد من الناس اللي معندوش نقطة واحدة كبيرة اختلف من بعدها. لكنْ عنده رحلة، رحلة فيها نقاط تحول وتغيير بسيطة وصغيرة. وبشوف كمان أن كل نقطة من دُول كانت عبارة عن رحلة في حد ذاتها، كل رحلة كان لها هدف ومعنى وقيمة في حد ذاتها، مهما كانت بسيطة أو صغيرة. وكل رحلة مختلفة عن رحلات ثانية في حياتي وتختلف أوقات وتتشابه أوقات مع من حولي من أصدقاء. وعادةً كل رحلة بتخلق بعدها رحلات ثانية، وهكذا.

أوقات بتكون الرحلة فقط علشان أكتشف ايه اللي محتاج يتغيّر فيّ، وأوقات رحلة علشان أدوّر على وسائل مساعدة، أقدر أتغيّر من خلالها، وأوقات رحلة علشان أبدأ أعافر وأغير شوية حاجات من اللي اكتشفتها، وأوقات رحلة كل هدفها اكتشاف المسارات المختلفة في الحياة.

أؤمن بمفهوم الرحلة أكثر من مفهوم نقطة التحول؛ لأن “نقطة التحول” قد توحي أن فيه تغيير كبير ومفاجئ، أو فيه قفزة الإنسان أخذها. إنما في الرحلة بنمشي خطوة بخطوة، أوقات خطوات لقُدَّام، وأوقات خطوات لورا، وأوقات ثانية خطوات في اتجاهات مختلفة.

في الرحلة أوقات بنتوه، فنحتاج نقعد ونعيد تقييم المكان اللي احنا فيه والمكان اللي محتاجين نروح له. في الرحلة ممكن نمرّ بأوقات راحة، وأوقات ثانية نمشي فيها بسرعة. وأوقات يبقى فيها الطريق صعب، فنمشي فيه ببطء شويتين. في الرحلة عضلاتنا بتكبر شوية شوية، ودا بيساعدنا أكثر كل شوية بنعرف نشيل ثقل أكبر، ونعرف نتحمل مسافات أطول. في الرحلة بنحتاج ناس يصاحبونا فيها، يشجعونا نكمل لو أحبطتنا عقبات الطريق، ويحضنونا لو تعبنا وتوجعنا. في الرحلة كمان بنحتاج مرشدين، سابقينا وماشيين رحلتهم من زمان قبلنا، فيرشدونا أو ينبهونا.

في الرحلة بنحتاج عضلات كثيرة علشان تساعدنا على المشي، منهم عضلة الصبر أو النَّفَس الطويل. العضلة دي بتساعدنا منفقدش شغفنا بعد أول عقبة في الطريق. بتساعدنا يكون عندنا مرونة في التعامل مع الإحباطات وحتى الفشل. بتساعدنا نتوقع من نفسنا أهداف واقعية، ونشوف إنجازاتنا الصغيرة وسط الرحلة.

في الرحلة بنحتاج عضلة التراحم بالنفس وعدم القسوة عليها، والعضلة دي بتساعدنا في كل مرة بنفشل فيها في حاجة أننا نشوف معافرتنا ونمتن ليها. بتساعدنا نتعامل مع الأصوات القاسية اللي جوَّانا، اللي بتقول “أنت مش هتوصل أبدًا”، “أنت بطيء قوي”، “بُصّ الناس الثانين أحسن منك ازاى”، “أنت فاشل على فكرة، ومفيش منك أمل”، “ايه يعنى الإنجازات اللي عملتها، دي صغيرة قوي مقارنة بفلان وفلان”، “محاولاتك كلها ملهاش لازمة” .. عضلة التراحم بالنفس بتساعدنا نشوف الأصوات دي على أنها مش الحقيقة، وأن الحقيقة تكمن في الرحلة، وفي أننا أشخاص بيعملوا أقصى جهدهم في المشي في الرحلة. احنا مسؤولين عن خطواتنا وعن معافرتنا، ودا في حد ذاته كفاية.

في الرحلة بحتاج عضلة الانفتاح والاستبصار. ودي عضلة بتخليني قادر أشوف حاجات مختلفة على خريطة الرحلة. عضلة الانفتاح دي بتخليني متقبّل أشوف أي حاجة في نفسي، حتى لو مكنتش متوقعها مني، حتى لو كانت مش المفروض أشوفها جوَّايا. ممكن أشوف إحباط متوقعه من نفسي، خزي، فشل، توهان، غضب، كُره. كل دا ممكن مكونش قابل أنه يكون جوَّايا، لكن الانفتاح بيخليني أقبل أشوفه لو هو موجود فعلًا من غير ما أنكره، وبدل ما أقول: “ازاي أحسّ كدا”، أقول: “دا اللي أنا حاسس بيه”. الانفتاح كمان بيخليني أشوف الحاجات الحلوة اللي جوَّايا، حتى لو مش كل الناس شايفاها. أشوف إنجازاتي الصغيرة ومعافرتي وأمانتي مع نفسي، وأصقّف لي عليهم.

في الرحلة بحتاج عضلة الثقة في النفس، ودي مش بس الثقة في أني هقدر أخطو خطوات معينة، لكن كمان أثق في أمانتها وسعيها من غير ما ألومها أو أجلدها على بطء خطواتها أو تعثرها أوقات. من غير ما ألومها أنها مش مُنجِزة كفاية أو مش مُبهِرة كفاية زي الباقيين. بحتاج أصبر على نفسي، وأثق فيها أنها هتلاقي سكّتها بنفسها، وأدّيها وقتها ومساحتها تحل مشاكلها. كثير مننا بيشكك في نفسه ونواياها واجتهادها، وتلاقي أصوات جوَّانا تقول: “أنت مش بتسعى كفاية”، “أنت مش مجتهد كفاية”. بنحتاج نثق أننا بنعمل أحسن ما عندنا، حتى لو كل اللي بنعمله دلوقتي هو الراحة. وعلى رأى صديقة مرة قالت لي “أوقات الراحة بتكون أهم من التمرين”.

أخيرًا، استمتع بالرحلة يا صديقي. لأنك لما هتمشي شوية خطوات في التغيير هتلاقى نفسك بتحتاج تتغير في نقاط مختلفة. التغيير الحقيقي بيبقى معقد، وبيحتاج وقت، وبيخلينا عايزين نتغير في أكثر من اتجاه. 

افتكر أن خطوات رحلتك مهما كانت صغيرة، فهي بتتقاس زي الذهب. الذهب بيتقاس بنقاوته قبل ما يتقاس بحجمه، وهكذا خطواتك. 

المهم تكون بتعبر عنك، وتكون أنت أمين فيها، أكثر ما المهم أنها تبقى قفزات كبيرة.

“يا هل ترى صوت الهزيمة، ولا صوت العقل 

اللي بيوشوش في ودني بالراحة بدون أنفاس:

مش شرط يعني نغير الدنيا..

كفاية حتة صغيرة فينا.. 

أو حتة صغيرة في الناس”

مصطفى إبراهيم

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةكنت وبقيت
المقالة القادمةعادي

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا