حد تاني خالص

286

 

بقلم: محمد عبد القادر

 

“أنا قبل اللحظة دي كنت حد، وبقيت بعدها حد ثاني خالص!”
يمكن تكون جملة زي دي عدّت علينا مرة أو أكثر على مدار حياتنا؛ سواء كنا سمعناها أو قلناها. والحقيقة أن الجملة دي ملهاش قاعدة؛ يعني ممكن تتقال في سياق إيجابي، وممكن كمان تتقال في سياق سلبي. والحقيقة برضه أن حتى كلمة “سلبي” وكلمة “إيجابي” هي كلمات نسبية، وتختلف من شخص للثاني!

بس هل يا ترى، اللحظة اللي بتخلينا نتغير ونحس أننا بقينا حد ثاني بعدها، بيبقى لها شكل أو توقيت معين؟! وهل كلنا لازم نمر في حياتنا باللحظة دي؟! .. تعالوا نفكر ونشوف سوا.

اللحظة اللي بنتكلم عنها دي عادةً ما بنسميها نقطة تحول أو Turning Point .. وببساطة هي اللحظة اللي بنتعرض فيها لموقف أو حدث أو تجربة ما، وبتبقى كأنها حد فاصل بيقسم حياتنا لـ”قبل” و”بعد”. مالهاش توقيت ولا شكل معين. وبتعتمد أكثر على إحساسي بيها، وطريقة تعاملي معاها. ممكن -مثلًا- نقطة التحول اللي تحصل في حياتي تكون فرصة جت في طريقي المهني وغيّرت مساري، أو ممكن تكون اللحظة اللي عديت فيها الشارع فتعرضت -لا قدَّر الله- لحادثة سير خلّت شكل حياتي بعدها مختلف تمامًا عن قبلها.

وعلى فكرة، مش شرط علشان ده يحصل أكون خرجت من الحادثة دي بمشاكل صحية ومعاناة جسدية، بالعكس. أنا ممكن أكون نجيت منها وما حصلش ليّ أي أذى، لكن نظرتي للحياة بعدها وارد تتغير وأبتدي أشوف الدنيا بعيون ثانية.. وأعيد النظر في كل حاجة جوَّايا وحواليّ..

أو ممكن نقطة التحول في حياتي تحصل لما أدخل تجربة جديدة فيها تحدي ما، واكتشف من خلالها سمات وقدرات عندي ماكنتش أعرفها عني قبل كده.. زي -مثلًا- خطوة الارتباط أو الجواز، أو حتى الانفصال.. كلها تجارب مليانة تحديات وصراعات، بتخليني أعرف وأفهم نفسي أكثر.. ويمكن أكون بعدها حد ثاني غير اللي كان قبلها.

ممكن كمان نقطة التحول تيجي على شكل نجاح أو إنجاز كبير حققته، فيخلّي أسلوب حياتي يتغير بالكامل، وألاقي نفسي بقيت حد ثاني خاااالص!.. لكن للأسف، مش دايمًا الحد الثاني ده بيكون شبهي وطالع حقيقي من جوَّايا.. أوقات بيبقى حد ثاني معرفوش، أو نسخة مشوهة مني!.. ويمكن دي الخطورة اللي بتكون موجودة في النوع ده من نقاط التحول!.. وعلشان كده بحتاج دايمًا -على قد ما أقدر- أكون واعي بمشاعري وأفكاري، وأسأل نفسي كل شوية: لغاية فين ده أنا؟! .. علشان ما أتوهش مني وسط الزحمة!

وساعات تكون نقطة التحول رد فعل للحظة فشل أو إخفاق.. وده بيعتمد على الطريقة اللي بتعامل بيها مع إخفاقي ده.. لغاية فين قادر أتعلم منه؟ لغاية فين قادر أعرف أكثر عن نقاط ضعفي، وأشوف نقاط قوتي؟!..

كمان ممكن نقطة التحول تكون -مثلًا- في اللحظة اللي شخص بيستلم فيها نتيجة تحليل، ويكتشف أنه مُصاب بمرض هيكمل معاه باقي حياته.. وطبعًا على قد ما لحظة زي دي بتبقى في أولها صعبة ومؤلمة وقاسية، لكنها وارد جدًا تبقى نقطة تحول لحياة يكون فيها الشخص ده إنسان أجمل! .. أصل احنا ساعات مابنعرفش نفسنا كويس إلا لمّا نتلامس مع الألم!.. ساعات كده بنحتاج ندخل الأوضة الضلمة، علشان نعرف نشوف النور اللي جوانا!

والحقيقة أن مش بالضرورة خالص تكون نقطة التحول عبارة عن حدث كبير وضخم بيحصل في حياتنا.. لكن ممكن تكون مجرد لحظة حصل فيها موقف بسيط أو يكاد يكون عابر!.. الفكرة كلها في تأثير اللحظة دي علينا، وطريقة استقبالنا وترجمتنا ليها.. يعني -مثلًا- ممكن جدًا نقطة التحول في حياتي تيجي على هيئة لحظة أدركت فيها أني في علاقة مُسيئة! أو موقف يحصل في شغلي، ويخليني أشوف قد إيه أنا في مكان مش بتاعي وما يشبهنيش!.. أو -مثلًا- كلمة تشجيع حلوة وصادقة تتقال لي من حد بيحبني، فتنوّر حتة جوايا، وتخليني أشوف في نفسي حاجة ماشوفتهاش قبل كده..

نقاط التحول أشكالها كثيرة ومتنوعة.. وأتصور أن مفيش حد فينا ما اختبرهاش في حياته بشكل أو بآخر.. لكن أوقات كثيرة بيبقى التحدي أني لمّا أشوف اللحظة الفارقة في حياتي، اللي هتخلّيني أكون نفسي وأعيش حقيقتي، أبادر وآخذ الخطوة.. الحقيقة مش دايمًا دي بتكون حاجة سهلة.. وده لأن نقطة التحول علشان تبقى واقع مُعاش، بتحتاج مني أني أتجرأ وأخرج برَّا دايرة الأمان بتاعتي.. طبعًا ده شيء محتاج قوة ودعم وشغل كثير على نفسي.. محتاج كمان رحلة وعي وصبر وقبول.. أصل التغيير مش بالساهل كده.. التغيير عامل زي حالة موت وميلاد.. الاثنين مرتبطين ببعض، وبيكملوا بعض.. تمام زي ما قال عمنا “صلاح جاهين” في إحدى رباعياته الخالدة:

أنا كنت شيء، وصبحت شيء، ثم شيء
شُوف ربنا، قادر على كل شيء
هزّ الشجر شواشيه، ووشوشني.. قال:

لا بد ما يموت شيء، علشان يحيى شيء
وعجبي!

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةوقفة
المقالة القادمةكنت وبقيت

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا