أن أكون أنا

462

بقلم: وفاء مرزوق 

 

احتياجات الإنسان متنوعة ومتعددة؛ ما بين احتياجات نفسية، وجسدية، وروحية. وفي الوقت نفسه مختلفة باختلاف المراحل العُمرية والظروف المحيطة. والاحتياجات الإنسانية تتدرج حسب “هرم ماسلو” ما بين: 

  1. الاحتياجات الفسيولوجية الأساسية: وهي احتياج الإنسان للغذاء، والماء، والمأوى. 

  2. السلامة والأمن: وهو احتياج الإنسان للشعور بالحماية من أي أذى جسدي ونفسي.

  3. الانتماء والحب: حيث إننا كائنات اجتماعية؛ فالاحتياج للتواصل والشعور بالانتماء والحب هو شعور واحتياج أساسي نسعى إليه.

  4. الاحترام والتقدير: وهو احتياج الإنسان للشعور بالكفاءة وتحقيق النجاح، وأن يكون هذا النجاح ملحوظًا من المُحيطين، ويتم تقديره. 

  5. تحقيق الذات: وهو أعلى مستوى في هرم الاحتياجات، وهو رغبة الإنسان في تحقيق ذاته، والنمو الشخصي، والشعور بالهدف والمعنى في الحياة.

سأقف عند المستوى الأعلى من الهرم؛ وهو (تحقيق الذات). وأعلم جيدًا أن هناك العديد من الموضوعات التي تناولت هذه النقطة، وإذا قررت البحث في كيفية تحقيق الذات ستجد المئات من الخطوات والتدريبات التي تساعد على تحقيق الذات. لكني سأضع مرحلة سابقة لتحقيق الذات وهي معرفة الذات. إذا أردنا تحقيق ذواتنا فعلينا معرفتها أولًا. وكأني سأضيف لهذا الهرم احتياجًا آخر؛ وهو الاحتياج لأن أكون أنا.

ما أهمية أن أكون أنا؟ ولماذا أخشى في بعض الأحيان أن أكون أنا؟

 

أهمية أن أكون أنا ..

لن نستطيع تحقيق ذواتنا إلا إذا أدركناها بشكل صحيح، واختبرنا -بشكل عملي- أن نكون بصدقٍ ذواتَنا، بطبيعتها وتلقائيتها وصدقها وتفردها. 

  • قبول الذات:

هو التوقف عن محاولة أن أكون شخصًا آخر، التوقف عن مقارنة نفسي بالآخرين، وتمني تبادل الأدوار. هو قبول النفس بكل ما فيها من عيوب ومميزات وتكوين صورة ذاتية صحية عن ذاتي. وهذه هي الخطوة الأولى لتسديد احتياج تحقيق الذات.

  • الأصالة:

لا أحد ينجذب إلى النُسخ المُقلَّدة. أن نكون أنفسنا يعنى أن نكون على طبيعتنا، نحتضن ذاتنا الحقيقية؛ بأفكارها ومشاعرها ومعتقداتها ومبادئها. الأصالة هي أن يكون لنا بصمتنا الخاصة، حضورنا الخاص، ومواقفنا الخاصة. الأصالة هي أن نتحرر من ضغط المجموعات والقوالب.

  • الإلهام:

ليس فقط لذواتنا، بل للمحيطين بنا. العالم متعطش لرؤية اختلاف أصيل، لرؤية مثال حي لتحقيق الذات الأصيلة، لكيف يكون التفرد والحياة الشجاعة وسط القولبة. الأمثلة الحية ملهمة أكثر من النظريات. 

  •  النمو الشخصي:

أن نكون ذواتنا الحقيقية يُمكِّننا من مواصلة النمو الشخصي بشكل صحي وثابت؛ لأننا وقتها نكون على دراية بنقاط قوتنا ونقاط ضعفنا، ونعمل على تطويرها والتعامل معها. المعرفة نصف طريق العلاج.

  • علاقات أفضل:

أن نكون ذواتنا الحقيقية؛ فهذا يعزز الثقة بالنفس، ويمنح مساحة من الصدق في العلاقات، ويُنشىئ علاقات مريحة آمنة، أطرافها متمايزون بتكامل؛ مما يؤدي إلى روابط عميقة في العلاقات.

  • المرونة:

إدراك وممارسة الذات الحقيقية يعطي إحساسًا قويًا وعميقًا بالهوية، ويُعزز القدرة على مواجهة تحديات الحياة المختلفة، ويعطي مرونة نفسية في الأوقات الصعبة.

  • الإنجاز:

العيش في تناغم مع الذات الحقيقية يعطينا بصيرة بقيمنا وشغفنا في الحياة، ويجعلنا نسعى بثقة في الحياة نحو الهدف والمعنى الأكبر والأسمى، فيكون لإنجازنا معنى في تلك اللحظة. 

 

على الرغم من أهمية أن نكون ونعيش ذواتنا الحقيقية، وأن لهذا الاختبار روعته الخاصة وشعوره المميز؛ إلا أننا -في بعض الأحيان ولسنوات طويلة- كنا نخشى أن نكون أنفسنا.

 

فلماذا أخشى أن أكون أنا؟

  • التوقعات المجتمعية:

  • تفرض المجتمعات علينا الكثير من التوقعات والقواعد والمعايير حول سلوك معين: المظهر، معايير النجاح، طريقة المعيشة، … إلخ. والخوف من الرفض نتيجة مخالفة تلك القواعد والمعايير والقوالب المجتمعية يجعلنا نخشى في بعض الأحيان أن نكون ذواتنا الحقيقية بأصالتها.
  • صدمات ورفض الماضي:

  • تجاربنا السابقة مع شعور الرفض لن تكون خبرات سهلة النسيان. ففي كل مرة نقرر أن نكون أنفسنا بالرغم من التوقعات والضغط المجتمعي أو ضغط المحيطين؛ يستحضر عقلنا خبرات الماضي من الرفض وشعور عدم الانتماء الذي نتج عن العيش بذواتنا الحقيقية.
  • الخوف من الفشل:

  • حينما نقرر أن نكون أنفسنا لن يكون من السهل تحمُّل النقد من المحيطين في حالة إخفاقنا. سيكون إخفاقنا مُضاعَفَ النقد؛ لأنه -من البداية- مخالف للمعايير الموضوعة سابقًا. وقد يكون الخوف من النقد بعد الفشل عائقًا في بعض الأحيان لأن نكون أنفسنا بطبيعتها.
  • الحُكم والوصم:

  • الخروج عن المألوف والمتعارف عليه ليس سهلًا؛ لأنه يُقاوَم بشكل كبير من المحيطين الذين يخشون رؤية التغيُّر والخروج على الأُطُر التقليدية. وفي الوقت نفسه يخشون مواجهة أنفسهم بوجود النقيض. فالرغبة في عيش وتحقيق الذات الحقيقة قد يكون محل حكم ووصم، وقد يكون عائقًا لأن نكون أنفسنا.

 

معرفة أهمية العيش بذواتنا الحقيقية، ومعرفة المعوقات التي قد تقابلنا؛ يساعدنا -بشكل كبير- على الاستعداد جيدًا لرحلة معرفة الذات الحقيقة وعيشها. والذي بدروه يساعدنا على تسديد الاحتياج الأسمى بهرم ماسلو؛ وهو تحقيق الذات. والذي لن يتم الوصول إليه إلا بمعرفة حقيقية للذات.

وحقيقة لا أجد أجمل من شعور الاتساق الذي يشعر به الشخص الذي تحرر من الصراع بين خارجه وداخله. ووجد سلامَه ورضاءَه في أن يحيا كما هو.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةلمَّا جسمك يخونك
المقالة القادمةطعم البيوت

3 تعليقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا