لا تحنو على قلوب النساء إلا النساء

361

شاهدت من قبل الكثير من الأفلام التي تناولت قضية العنصرية، ومن قبلها العبودية في المجتمع الأمريكي، ولكن لا يوجد عمل مسني مثلما فعل فيلم “The Help”، فهو لم يتناول العنصرية البيضاء تجاه ذوي البشرة السمراء من الزاوية العامة التي يعرفها الكثيرون، بل أخذها من أعين النساء، فالحرب هنا لم تكن بالسلاح أو التمرد أو الثورات والخطابات الرنانة، بل نسائية بحتة، فرأينا قضية عامة يتداخل معها الغيرة والتمرد، الحزن والربت، والأهم تأكيد أن المرأة أيًا كان لونها لن تشعر بها سوى امرأة أخرى.

 

تبدأ الحكاية في واحدة من مدن المسيسبي في ستينيات القرن الماضي، حين كن الفتيات يدخلن الجامعة ليحصلن على عريس أفضل، ويتم تربية الأطفال على أيدي الخادمات من ذوي الأصول الإفريقية، وعندما يكبر هؤلاء يعاملون من ربوهن بنفس عنصرية وتعالي آبائهن، ولهذا المجتمع العديد من القواعد غير المكتوبة، ولكن متفق عليها لتنظم العلاقة بين الخدم وأسيادهم.

 

ليأتي لهذا المجتمع إعصار من الخارج على هيئة “سكيتر” إحدى بنات المدينة التي ذهبت إلى الجامعة ورجعت، لتجد أنها غريبة عن المجتمع الذي تركته، فصديقاتها تزوجن وأنجبن، في الوقت الذي حصلت فيه على شهادتها وتريد أن تبدأ مسيرتها المهنية في الصحافة، وعلى الرغم من طموح “سكيتر” الكبير ونجاحها في الحصول على وظيفة في صحيفة محلية، لكنها كانت تشعر بالنقص لمظهرها العفوي وعدم حصولها على زوج مثل باقي قريناتها، لذلك وضعت كل طاقتها في عملها الجديد لتتغير المدينة على يديها.

 

وظيفة “سكيتر” كانت الرد على خطابات القارئات اللاتي يسردن فيها مشاكلهن، ولقلة خبرتها طلبت المساعدة من “إيبلين” المرأة الحكيمة وخادمة إحدى صديقاتها، وعلى الرغم من توتر الأخيرة واستغرابها وافقت على مضض، لتدخل “سكيتر” عالم الخادمات السري، وبحاسة الصحفية الماهرة والمرأة ذات الضمير تجد في هذا منجمًا للحكايات حول تعامل السادة مع خادماتهم وتأثير هؤلاء السيدات على الأطفال، فتقرر أن تدوّن كتابًا حول هذا الموضوع، وتستعين بصديقات “إيبلين” وعلى رأسهم “ميني” التي تعرضت للطرد والمنع من العمل بسبب تجرؤها على استخدام دورة مياه سيدتها، ولم تخرج في الإعصار لتستخدم تلك الخاصة بها.

 

دخول “سكيتر” إلى هذا المجتمع الجديد أحدث هزّة غيرت الكثير من الأوضاع، وسببت بعض الفوضى الحميدة في عالم كل من السيدات والخادمات، لتنشأ علاقات وتنتهي أخرى، وبصدور كتابها وضعت الكثير من الأمور في نصابها الحقيقي.

وحدث كذلك الكثير من العلاقات التي رأينا خلالها كيف تحنو المرأة على الأخرى دون الاهتمام باللون أو المستوى الاجتماعي أو السن ومن هذه العلاقات.

 

سكيتر وإيبلين: الكاتبة الشابة البيضاء، وصديقتها السمراء في منتصف العمر، احتاجت “سكيتر” إلى خبرة “إيبلين”، ومعارفها في عالم الخادمات، وكذلك “إيبلين” احتاجت من يسمع لها ويقدّر حزنها، فهي التي ربت عددًا كبيرًا من الأطفال البيض، لم تستطع أن تحتفظ بابنها وهو طفل قريبًا منها، وعندما أصبح شابًا توفي بسبب ضعف العناية الطبية بالمصابين من الزنوج، لتثكل فيه، وفي ذات الوقت تكمل مهمتها في تربية طفلة سيدتها التي تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، “إيبلين” أعطت “سكيتر” مفتاح نجاحها ومستقبلها ومشروع عمرها، بينما قامت الأخيرة بإشعارها أنها بشر من حقها أن تفجع وتعبر عن مشاعرها وتفكر في طموحات أخرى أكثر من أن تصبح خادمة من منزل لآخر.

 

ميني وسيليا: “ميني” الخادمة ذات الطباع الحادة، والتي لا يشفع لها سوى طبخها الرائع، ولكن تقوم بغلطة اعتبرتها مخدومتها لا تغتفر لذلك طردتها، ولكنها انتقمت منها انتقامًا رهيبًا يناسب شخصيتها المميزة، وعندما أغلقت كل الأبواب في وجهها لم تجد مكانًا سوى منزل “سيليا فوت”، المرأة التي ينبذها المجتمع بسبب الغيرة النسوية، والتي تشعر أن وجودها في حياة زوجها رهن بحملها، ولكونها فاشلة في الطبخ استعانت بخبرة “ميني” لتعلمها سرًا.
“سيليا” لا تعرف قواعد المجتمع الصارمة، لذلك تتقرب من “ميني ” وتعاملها بندّيّة، وهو ما تستغربه الأخيرة بشدة، ونجد هنا أن الخادمة هي من تتمسك بالتقاليد التي تحكم العلاقة بين الخدم والسادة، فقد اعتادت عليها وأفسدت فطرتها، ومع الوقت تبدأ علاقة من الصداقة بين الاثنتين، لتصبح “ميني” هي سند “سيليا ” الوحيد، وتساعدها في استعادة الثقة في نفسها، والحفاظ على زواجها، وتعطي “سيليا” لـ”ميني” الاستقرار والأمان، لتستطيع أن تترك زوجها أخيرًا الذي يقوم بإهانتها وسرقة أموالها.

 

تشارلوت وكونستانس: “تشارلوت”هي والدة “سكيتر”، إحدى سيدات المجتمع المخلصات لقواعده وقوانينه، فلا يوجد لديها ما هو أهم من مظهرها، وإيجاد عريس جيد لابنتها، وقد جمعت بينها وبين “كونستانس” خادمتها علاقة خاصة، وصداقة مستترة عن الأعين، حتى انتهت هذه العلاقة في أحد الأيام عندما تجرأت ابنة الخادمة على دخول المنزل من بابه الأمامي خلال وجود صديقات “تشارلوت” الأرستقراطيات اللواتي رأين في هذا تعدي، ودفعن “تشارلوت” لطرد “كونستانس” التي توفيت بعد تركها للبيت الذي عاشت فيه أغلب أيامها، لتترك في قلب مخدومتها جرحًا غائرًا وشعورًا بالخزي لم تستطع بسببه مصارحة ابنتها بالسبب الحقيقي لترك “كونستانس” المنزل.

 

هذه القصص الصغيرة كانت حربًا على العنصرية، ولكن ليس بصورتها المعتادة، فبكتاب “سكيتر” عرف السادة وجهة النظر التي يراهم بها خدمهم، وتغيرت حياة كل من “ميني” و”إيبلين”و”سكيتر” وأصدقائهن، وكان في هذه الحالة السلاح المستخدم هو المحبة والتفهم والقبول، وهي أسلحة نسائية معروفة وشهيرة، أحدثت النتيجة المطلوبة دون سقوط نقطة دماء واحدة.

 

 

 

المقالة السابقةحطم أصنامك
المقالة القادمةوصفات لمرضى حساسية الحلب، وقائمة بأهم الممنوعات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا