لقاء
تم نشرة في 08/25/2017
وقت القراءة : 3 دقيقة
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء، ومن ثم تبدأ قصص الحب العظيمة. مع ازدهار وسائل التواصل الاجتماعي، اختلف الأمر قليلاً.. نظرة فإرسال طلب صداقة فعدة محادثاتٍ، إلى أن يحدث اللقاء ويشتعل الحب. ذلك الحب الذي إن لم يُكتب له الحياة ينتهي بـ”بلوك”.
لست بصدد الحديث عن قصص الحب بين الأمس واليوم، بل سأتحدث عن مرحلة ما بعد البلوك، ما بعد قصة الحب العظيمة، مرحلة الستوكينج/ stalking/ التلصص، لمتابعة أخبار الحبيب في عوالم الإنترنت، بعد أن أصبح الحساب الشخصي لأي فردٍ منا على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي أشبه بنشرة إخبارية يومية مفصلة.
ما بعد انتهاء العلاقة العاطفية، خصوصًا إن كانت علاقة إدمانية في حد ذاتها، يبدأ إدمان من نوع آخر، إدمان التلصص. المؤسف في الأمر أن كثيرين لا يعتبرون متابعة شخص بشكلٍ دوري، قد يصل في بعض الأحيان إلى متابعة يومية، إدمان يستدعي القلق، خصوصًا أن مواقع التواصل الاجتماعي تغص بالمُزاح والتندر و”الكوميكسات” التي تتناول موضوع التلصص باستخفافٍ، حوّل الموضوع بخطورته إلى نكتةٍ يتبادلها الجميع.
بسؤالي لمجموعة من الفتيات اللاتي اعتدن مراقبة الحسابات الشخصية لشركائهن السابقين، عن السببِ الذي يدفعهن لمثل هذا الفعل، تنوعت الإجابات بين: الشوق، الفضول، الرغبة في استشعار تألم الطرف الآخر، الرغبة في الانتقام، والتعود. في البداية يكون الشوق هو الدافع الوحيد لمتابعة الشريك، ثم تأتي الرغبة في رؤيته يعاني ألم الفراق، الرؤية التي تُشعِر الطرف الأول أن له تأثيرًا على الآخر، ولم يكن مجرد صفحة طويت وانتهى الأمر. في حالات أخرى يكون الكُره دافعًا قويًا أيضًا، الرغبة في الانتقام، أو مشاهدة الانتقام الإلهي وهو يتنزل محققًا العدالة المرجوَّة. أيًا كان سبب المتابعة/ التلصص فإن الأمر ينتهي بالتعوّد. فكما يبدأ البعض نهاره بممارسة الرياضة أو تناول إفطارٍ شهي، يبدأ البعض الآخر بالتلصص على شخصٍ ما.
استكمالاً لحديثي السابق مع الفتيات، أخبرتني إحداهن أن الأمر وصل بها حد ترك المحاضرات/ العمل، لتهرع إلى مكانٍ موصول بالإنترنت، لتستطلع آخر تحديثات شريكها السابق على موقع “فيسبوك”. بالتأكيد الأمر لا يقتصر على تحديثاته هو فقط، بل يصل لأصدقائه وعائلته، وإن كان هناك وجود أنثوي في حياته، تتسع دائرة التلصص لتشملها وعائلتها وأصدقائها، الأمر الذي يشبه الوقوع في شبكة عنكبوت لا تُعرف لها بداية من نهاية.
فتاة أخرى أخبرتني كيف أن إدمان التلصص أصبح يتحكم في مزاجها العام، فتحديثات شريكها السابق كفيلة بأن تجعلها في قمة السعادة أو قمة البؤس، خصوصًا مع استمرار عقد المقارنة بين حالها وحاله، فهي تشعر بأن العالم قد توقف منذ انتهاء العلاقة بينهما، في الوقت الذي تشاهده يعيش حياته وكأن شيئًا لم يحدث.
نساءٌ كثيرات أهدرن الكثير من السنوات بسبب إدمان التلصص، فمع دوام متابعة الشريك السابق، تظل المرأة وكأنها تدور في دائرة مفرغة، شكليًا العلاقة منتهية، وفعليًا العلاقة قائمة لكن من طرفها فقط. هذا يقودنا إلى أن أهم خطوة لتجاوز علاقة عاطفية فاشلة، هو قطع وسائل التواصل مع الطرف الآخر، التواصل بكل أشكاله، وعلى رأسها متابعة حسابات وتطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الخطوة الهامة جدًا، ليست للتجاوز فقط، بل وقاية من إدمان التلصص أيضًا.
قطع التواصل بكل أشكاله بين الشريك السابق هو المرحلة الثانية للعلاج من إدمان التلصص. المتلصص يحتاج أن يدرك أولاً أنه مدمن، كي يبدأ أولى خطوات علاجه، بالتوقف فورًا عن المتابعة/ التلصص، فإن لم يستطع أن يُجاهد نفسه، (نعم يجاهد، وفي الحقيقة هو أمام أصعب أنواع الجهاد.. جهاد النفس)، عليه أن يطلب المساعدة من طبيب نفسيّ.
“الستوكينج فينا بس ربنا هادينا”، “كفاية ستوكينج بقى هتدمري نفسك”، “حاسبي تعملي لايك وإنتي بتستوكي على حد”، وغيرها من العبارات و”الإفيهات” ستمر عليكِ يوميًا لتشعرِك أنكِ بخير، وأن الأمر يطال الجميع، لكن انظري إلى عداد العمر المتسارع، كم مرَّ عليكِ من الوقت وأنت تعتادين وتدمنين شيئًا لا يزيدكِ إلا بؤسًا وألمًا؟
إدمان التلصص كإدمان المخدرات، الطعام، الجنس، العمل. إدمان له خطورته، ويستحق أن يُحارب، يستحق أن تأخذي أولى الخطوات لعلاجه.
توقفي عن التلصص، ستنجحين أيامًا وتفشلين أيامًا أخرى، لا تيأسي، لا تخجلي من طلب المساعدة من طبيبك النفسي، الأمر يستحق الجهاد، سلامتك النفسية تستحق أن تبذلي الجهد لأجلها، وحياتك تستحق أن تُزهر.