الراحة والذنب

452

بقلم: وفاء مرزوق 

 

ايه الحاجات اللي ممكن تيجي على بالنا أول ما نسمع كلمة “قائمة المهام To Do List”؟ .. في الغالب هنفكر في كمّ الحاجات اللي محتاجة تتعمل، الخاصة بالشغل، والبيت، وبكل التزاماتنا في الحياة اللي مفروض نعملها. وأتخيل أنه مش هيكون على رأس القائمة دي، أو في بند منها؛ كلمة “راحة”، وقت مخصص في يومنا ووسط مهامنا الكثيرة لراحتنا.

ليه الراحة ممكن متكونش من ضمن أولوياتنا، ولو ارتحنا شوية ممكن نحس بالذنب؟ 

للوهلة الأولى، مفيش رابطة بين الراحة والذنب .. ايه اللي هيكون في الراحة مش كويس، فأحس بعده بالذنب؟! .. الحقيقة أن الكماليين والمدفوعين بالإنجاز والإنتاجية هيحسوا بالجُمل دي قوي، هيفهموا يعني ايه لو طوّلت شوية في وقت النوم، تصحى حاسس بالذنب .. ولو تعبت ووقت تعبك طوّل تحس بالذنب وتأنيب الضمير .. لو قعدت شوية متعملش حاجة تحس كأنك فوت مسئوليات كثيرة! اللي المُحفز بتاعهم إنجاز وإنتاج زي حالاتي بيشوفوا أن وقت الراحة “الـ ولاحاجة” ده ملوش معايير قياسية واضحة، وملوش مُخرجات معينة متشافة وملموسة! يعني ايه أقعد في الـ ولاحاجة معملش حاجة!

والحقيقة لما فكرت في جذور وأسباب شعور الذنب اللي بيجي وقت الراحة؛ وصلت لشوية نقاط -أعتقد ممكن تكون بتتغير بالخبرة ومواقف الحياة المختلفة-، بس ده على الأقل لغاية اللحظة دي:

 

  • قيمتي والإنجاز 

يا ترى أنا شايفة نفسي وقيمتي ازاي وربطاها بايه؟ أغلبنا لما بيعرف نفسه بيقول أنا فلان/ة الفلاني/ة وبشتغل كذا. وكأن “أنا” ارتبطت بـــ”بعمل ايه” بشكل ما. فكأني عايزة أفكرني وأقول لنفسي: “قيمتي وهويتي وأنا؛ لا تساوي وأكبر من شغلي وإنجازي”.

 

  • المُنقذ

دور المنقذ والمُخلّص بيكون مغري قوي في أوقات كثيرة. وده ممكن يخليني أقبل مهام ومسئوليات كثيرة طول الوقت، بدون ما يكون فيه وقت فاصل وراحة خاص. وبيخلي كلمة “لأ” في أوقات كثيرة تبان غريبة. فرسالتي لنفسي هي: “أنا مش مُنقذ الكون .. و “لأ” معناها احترام لقدراتي ومحدوديتي”.

 

  • الموظف المثالي 

أكيد مشفناش قبل كده أن الموظف المميز هو اللي عرف يرتاح أكثر أو اللي كان عنده توازن في عجلة حياته “Work life balance”. لكن دايمًا بيكون اللي اشتغل أكثر وحقق أكثر، وقعد وقت إضافي أكثر! فرغبتنا أننا نظهر ونُكافأ بتخلينا نركز ونفضل في دائرة الإنتاج والإنجاز فقط. وده بيخليني أعيد النظر في الدائرة اللي عايزة حياتي تكمل فيها، وفي الشكل العام للحياة، ولغاية فين فيها اتزان بين ما أكونه وما أعمله. ودي مش دعوة للكسل ولا لعدم العمل، لكنها دعوة للتوازن. 

 

ازاي بقى نرتاح من غير ما نحس بالذنب؟

  • الراحة لينا حق مش رفاهية

أهم نقطة هي أني أعرف أن الراحة مش رفاهية؛ بالعكس هي حاجة أساسية ولازمة لاستمرارية الحياة. هي وقت لشحن الطاقة من جديد علشان أقدر أكمّل بشكل فعّال. هي الوقت اللي فيه بسمع لكل جزء فيّ، لرُوحي ونفسي وجسمي. الراحة جزء لا يتجزأ من قائمة المهام اللي مفروض أعملها كل يوم. بالضبط زي ما قرأت كده، كل يوم لازم يكون فيه جزء مُخصّص للراحة؛ مش كل ما نعيا ولا كل ما نجيب آخرنا. لو ارتاحنا بشكل مستمر هنتفادى حاجات كثيرة ممكن تحصل لنا نتيجة الاحتراق Psychological Burnout نتيجة ضغوط الحياة. 

 

  • أنا هو أنا، وأنا برتاح 

محتاجين نفكر بشكل مختلف في وقت الراحة، فنرتاح في نفسنا من جوانا، وفي قيمتنا، وفي صورتنا عن نفسنا؛ فنقدر نرتاح من برَّانا بدون أي شعور بالذنب يكدّر علينا الوقت المهم ده. 

 

  • اللحظة الحالية

من أجمل الحاجات اللي ممكن تحصل وقت الراحة هي أننا نركز في اللحظة اللي احنا فيها؛ مش في امبارح، ولا بكره، ولا اللي ورايا أعمله بعد شوية. هو القدرة على الاستمتاع باللحظة الحالية فقط. أنا عارفة أنه بيكون صعب في الأول، ومحتاج تدريب كثير وباستمرار. فكأننا محتاجين نكون مُخلِصِين للدقيقة اللي بنعيشها بكل اللي فيها، مركز فيها مش مُشتت عنها. جربها وأنت بتشرب حاجة، ركّز في اللي بتشربه بكل إخلاص -إذا جاز التعبير- في طعمه، ملمسه، درجة سخونته أو برودته. استمتع باللحظة كأنها مهمتك الكُبرى.

 

  • خليك لطيف مع نفسك 

من أكثر الجُمل اللي كانت لافتة بالنسبة لي لمّا سمعتها: “خليك لطيف مع نفسك – Be kind to yourself”. ووقتها حسّيت هو احنا ممكن منكونش لُطاف مع نفسنا أو مش بنقدّرها أو بنسمعها؟ .. وكانت الإجابة بشكل قاطع: آه، ممكن جدًا. فكأني من وقتها عايزة أعلّق الجملة دي في أماكن كثيرة؛ علشان تكون قُدّام عيني باستمرار لغاية ما تتحفر جوَّايا: “خليكِ لطيفة مع نفسك وبالراحة عليها”.

 

في الآخر، موضوع الراحة موضوع نسبي خاص بكل شخص، لكنه لا غنى عنه لكل بني آدم. يمكن نختلف في الطُرق والحاجات اللي كل واحد بيختارها، علشان يفصل ويأخذ وقت راحته فيها .. لكن كلنا محتاجين نرتاح، ونستمتع بالوقت ده بدون أي شعور بالذنب. وقت الراحة مش وقت ضايع، ولا وقت أناني، ولا دعوة للكسل .. لكنه الوقت اللي بنأخذ فيه بالنا من نفسنا.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةإلهامات من الربيع
المقالة القادمةروتين .. ولكن مش مُملّ

1 تعليق

  1. I don’t even understand how I stopped up here, but I believed this publish used to be good. I don’t recognise who you might be however definitely you’re going to a well-known blogger when you are not already 😉 Cheers!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا